السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مع تعطش دول العالم للتغيير

مع تعطش دول العالم للتغيير
22 أغسطس 2009 23:51
«لماذا سيكون القرن 21 قرناً أوروبيا» هذا الكتاب الصادر عن مشروع كلمة لمؤلفه، مارك ليونارد، أحد أكبر مفكري بريطانيا في الوقت الحالي، والذي نقله إلى العربية أحمد محمود عجاج، يجيب عن هذا التساؤل ويُنظّر لسيادة المفاهيم الأوروبية في القرن الواحد والعشرين، بما يؤدي في النهاية لأن يكون هذا القرن أوروبياً خالصاً، رغم ما يخاله الرائي من انتشار وتوسع النفوذ الأميركي. مساعدات مؤقتة ويستدل المؤلف على ذلك بعديد من المؤشرات بدءاً من التغير السلمي الذي شهدته بولندا في نهايات القرن الماضي، وأدى إلى تغير كل من النظام، وأساليب العيش والحياة داخل المجتمع البولندي في آن، دونما الحاجة إلى إلى استخدام القوة العسكرية كما تفعل أميركا، التي لا تتجاوز تأثيراتها الأفراد القابعين على نظم الحكم، مثلما حدث في أفغانستان، التي لا تزال تعاني الفقر والجوع رغم تغيير نظام الحكم بها مع وعود غير حقيقية بانتشار الرخاء والرفاهية مرتبطة بحدوث هذا التغيير. وفي ذات الوقت يشير المؤلف إلى المساعدات الأوروبية الهائلة لصربيا وإعمارها ودعم رغبتها في التأهل لتصبح دولة أوروبية، بينما الولايات المتحدة لا تقدم لدولة مثل كولومبيا الأمل في مثل هذا الاندماج من خلال المؤسسات المتعددة أوصناديق الأموال المخصصة للاستثمار في البنية التحتية، بل جل ما تفعله هو تلك المساعدة المؤقتة لبعثات التدريب العسكرية الأميركية ، وكذا تيسير سبل الحرية المطلقة للسوق الأميركية. الشريك الأكبر إلى ذلك ، يقول مارك ليونارد، إن أوروبا أصبحت عملاقاً اقتصادياً والسوق الأكبر في العالم ولديها أكبر سوق داخلية موحدة في العالم،لافتاً إلى أن عدم انفراد دولة ما أو شخص ما بالنفوذ في أوروبا أتاح لهذا الكيان التوسع بهدوء مثل بقعة الزيت في منطقة يعمها السلام هي منطقة الاتحاد الأوروبي «عدد سكانها 450 مليون نسمة، مرتبطة بحدود برية مع نحو 345 مليون نسمة، وحولها كيانات تمثل 900 مليون نسمة، تربطهم مصالح حيوية بالاتحاد الأوربي باعتباره الشريك التجاري الأهم والأكبر. إذاً وكما يقول ليونارد، هذان البليونان من البشر «ثلث سكان العالم» يعيشون في نطاق النفوذ الأوروبي، وهذه المنطقة يغيرها تدرج المشروع الأوروبي ويتبنى أهلها طرقاً أوروبية في الممارسة. جماعة التكنوقراط ويعرج بنا الكاتب إلى ما يعرف بـ «يد أوروبا الخفية» التي مثلها السياسي الفرنسي المحنك جان مونت، ومجموعة من التكنوقراط الذين كرسوا أنفسهم لجعل مستقبل أوروبا خالياً من الحروب والأسلحة،حيث أتوا بعد الحرب العالية الثانية وجعلوا من خوف أوروبا من الصراعات دافعاً لها، نحو الوحدة الأوروبية، وذلك من خلال وضع رؤية مؤسسة لهذا النظام الجديد مفاده عدم وجود رؤية موحدة، بحيث يسمح لكل شخص داخل إطار هذا النظام بأن يشعر بأن أوروبا تسير بالوجهة التي يريدها، و جعل من غياب الخطط مبدءاًً أساسياً، ساعد أوروبا كثيراً، وبالاعتماد على مشروعات وبرامج صغيرة وقصيرة، في تسهيل انسجامها وتوحدها على أرض الواقع بعيداً عن الشعارات والخطاب السياسي ذي الضجيج الإعلامي. الميثولوجيا الإغريقية ثم ينتقل بنا الكتاب بعد ذلك إلى الحديث عن (الوحش ذي الخمسة وعشرين رأساً) ويقصد به التنوع والاختلاف الذي يميز الاتحاد الأوروبي، ولكنه يقويه ولا يضعفه، مشبهاً إياها بأكثر الوحوش قوة في الميثولوجيا الإغريقية وهو الثعبان ذو السبعة رؤوس، كلما قطع له رأس، ينمو مكانه رأس، موضحاً أن قوة هذا الاتحاد ظهرت بشكل واضح وجلي أثناء الاجتياح الأمريكي للعراق، حيث اعتقد كثيرون أن أميركا شقت الصف الأوروبي، فيما يرى المؤلف، أن المشروع الأوروبي بثقافاته المتعددة، رغم الانقسام التكتيكي الظاهر، هذا المشروع نجح في تحقيق ثلاثة أهداف مشتركة لجميع دول الاتحاد الأوروبي وهي. 1-الحفاظ على العلاقات الأطلسية. 2-استعادة سلطة الأمم المتحدة. 3-الحيلولة دون دخول الحرب الوقائية الأحادية. واستطاعت أوروبا تحقيق هذه الأهداف، ليس عن طريق تشكيل جبهة موحدة، وإنما بالحوار مع أميركا من خلال أطراف أوروبية متنافسة. ويؤكد الكاتب أن هذا النجاح في تحقيق الأهداف المشتركة، كان راجعاً إلى وجود اختلاف وجهات النظر بين أعضائها، وهذا يعطي للتركيبة الأوروبية صلابة ومنعة من حدوث اختلافات من الأحجام الكبرى. سلاح القانون ثم يتحدث ليونارد عن عامل آخر من أهم عوامل القوة الأوروبية التي تيسر لها الانتشار الناعم في أركان العالم، ألا وهو « سلاح القانون» الذي استخدمته أوروبا بقوة تحت ستار الأمم المتحدة ومن خلال نشاطات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونجاح جهودها السلمية باتباع القانون الدولي، بما مكنها من تدمير كل أسلحة العراق البيولوجية والكيماوية، وكشف تعاقدات سرية بين العراق وأكثر من 500 شركة في أربعين دولة، وفي الشهور الأربعة السابقة على الحرب عثر مفتشو الوكالة على أسلحة فاقت بكثير كل ما عثرت عليه جميع أجهزة العالم المخابراتية. ويشدد الكاتب على أن استخدام القانون يعد من أهم الأسلحة الأوروبية، لأنه يجعل التدخل الأوروبي مقبولاً في النزاعات والصراعات التي تنشأ في أي بقعة من بقع العالم، وذلك بعكس التدخل الأميركي المعتمد دائماً على قوة السلاح، مما يجعل أي تدخل لها تدخلاً مذموماً غير مقبول في أغلب الأحوال.. واستخدام الأوروبيين للقانون كأداة سياسية خارجية ظهر واضحاً من وجود جيش للمفتشين التابعين للاتحاد الأوروبي للتدقيق في سيادة القانون وشرعية الانتخابات في انحاء العالم، تحقيقاً لهدف ترسيخ القانون فيكون أداة قوية لتدعيم وتعزيز نظام سلمي وديمقراطي، وقد أدى هذا إلى تشجيع وجود أسواق مشتركة أخرى في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. المراقبة المتبادلة ومع تصاعد هذه الثقة في الاتحاد الأوروبي فإنه سيسعى إلى خلق مجتمعات إقليمية تضمن أمنها من خلال الشفافية والمراقبة المتبادلة. وهو ما نجح فيه رئيس وزراء بريطانيا عام 2000 في إقناع كل من رئيسي جنوب أفريقيا ونيجيريا بأن المراقبة المتبادلة قد تحمل لأفريقيا ما حملته لأوروبا، وطور هؤلاء معاً ما أسموه «شراكة جديدة لتنمية أفريقيا» بحيث يتم في النهاية وضع آلية مراجعة بهدف مراقبة كل منهم للآخر وتتعلق موجباته بقضايا حقوق الإنسان والفساد والديمقراطية، ولذلك فإن الدول التي يكون أداؤها ممتازاً فيما يخص الوفاء بالمعايير الموضوعة، ستعوض بإعطائها حصة زائدة من المساعدات والتجارة وتخفيض الديون. وفي هذا تطبيق رائع لمبدأ سلاح القانون وقدرته على اجتذاب الآخرين إلى الفلك الأوروبي طواعية وجعلهم حلفاء منضبطين بالقانون. السقطة الأوروبية ثم يدلف الكاتب بعد ذلك إلى استعراض طريقة اوروبا الجديدة في الحرب، التي أتاحت لها أيضاً وجوداً مقبولاً على الساحة العالمية وربما مرحباً به أيضاً، متناولاً السقطة الأوروبية في حرب البوسنة عند سقوط سربينتسا في يوليو 1995 وعودة المجازر لأوروبا مرة أخرى، وفي هذا الوقت أوشك الحلم الأوربي على السقوط، ومع العار الذي ألحقته هذه المجازر بأوروبا تحولت أوروبا من نبذ القوة إلى استخدامها في صناعة السلام، وطور قادتها خلال 5 سنوات طريقة اوروبا في الحرب، وذلك لمواجهة أي احتمالات، بحيث أصبحت اوروبا تسعى لوجود قوة عسكرية، ليس بغرض السيطرة على البلدان الأخرى، ولكن محاولة إيجاد هذه القوة في الاماكن الملتهبة لإزالة أي ظروف قد تؤدي إلى نشوب حرب في مكان ما، وبالتالي أصبحت هذه القوة وسيلة لتحقيق السلام وحفظه، من خلالها انتشارها في العالم تحت علم الأمم المتحدة لدعم أهداف إنسانية، وليست لحراسة أنابيب نفط أو مصالح اقتصادية. مظاهرات الورود ثم يستفيض الكاتب في الحديث عن مشروع أوروبي يستهدف توسعة دول الاتحاد الأوروبي الخمس وعشرين، إلى اتحاد من خمسين دولة ديمقراطية قادرة على التأثير لاحقاً على الآخرين، مشيراً في ذلك إلى تعطش سائر دول العالم للتغير السلمي، ومن ذلك مظاهرات الورود التي اجتاحت جورجيا في نوفمبر عام 2003، وانتهت بتغيير النظام وفوز قائد هذه المظاهرات بالرئاسة بنسبة 96% بعدما وعد مواطنيه بأن يأخذ بلاده في اتجاه الاتحاد الأوروبي، ومن بعدها قام جيرانهم في أوكرانيا بالثورة البرتقالية للغرض ذاته. وفي نهاية الكتاب يشير المؤلف إلى صعود قوى مختلفة في العالم تنتقص من الهيمنة الأميركية الطافية على السطح الإعلامي، ضارباً المثل بالقوة الاقتصادية المتنامية لكل من الصين والهند، مؤكداً أن عصر ما بعد أميركا قادم لا محالة، خاصة مع تسارع زخم المنظمات الاقليمية والقادر على اجتذاب القوى العظمى في العالم وعلى رأسها أميركا، التي إن عارضت هذا الاندماج، إنما تجلب الضرر لنفسها، وإذا وافقت على الانخراط والاندماج مع تلك المنظمات، فستكون بتصرفاتها أشبه بالقابلة القانونية، التي تشرف على ولادة مولود جديد، ومع استمرار تلك العملية فإننا سنرى بروز القرن الأوروبي الجديد، وهذا البروز لا يرجع إلى أن أوروبا ستدير العالم كإمبراطورية، إنما سببه أن طريقة أوروبا في العمل هي السائدة والمسيطرة في العالم.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©