الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الإبادة» في دارفور... تحريف وتهويل!

«الإبادة» في دارفور... تحريف وتهويل!
22 أغسطس 2009 23:55
تعد حركة «أنقذوا دارفور» واحدة من كبريات حركات الناشطين الأميركيين في التاريخ الحديث، وقد ظهرت في صيف عام 2004 رداً على موضوع لم يكن له تأثير على حياة المواطن الأميركي العادي، ألا وهو الحرب الأهلية في دارفور. وهكذا بدأت قصص فظيعة عن الاغتصاب والقتل والإبادة تظهر في الصحف الأميركية وتلتصق بدارفور، وأثرت هذه القصص كثيراً في نفوس ملايين الناس. غير أنه في غضون السنوات الخمس التالية، أصبحت الحرب في دارفور واحدة من أبرز النزاعات التي أسيء فهمها في التاريخ الحديث، وذلك لأن حملات النشطاء غيّرت طابعها الحقيقي وقدمتها على نحو مثير من أجل لفت الانتباه وجذب الاهتمام من أجل توسيع الحركة. غير أنه إذا كان هذا التشويه قد أفاد جهود العلاقات العامة، فإنه بالمقابل أضر بالأشخاص أنفسهم الذين يراد مساعدتهم، حيث عمد النشطاء إلى تضخيم معدلات الإصابة، وزعموا بأن مئات الآلاف من سكان دارفور «قُتلوا». والحال أن ما كانوا يغفلونه هو أن معظم الإصابات إنما كانت تحدث نتيجة للأمراض وسوء التغذية الناتحة عن الحرب. إن التمييز بين هذه الأمرين قد يبدو أمراً غير ذي أهمية في ظل جرائم الحرب الفظيعة التي تُرتكب في دارفور، لكن تجاهل هذه التصنيفات دفع العديد من النشطاء إلى الضغط على الحكومة الأميركية كي تموّل مخططات وقف العنف وقوات حفظ السلام الدولية. وقد كان ائتلاف «أنقذوا دارفور» ناجحاً وفعالاً بشكل خاص في استغلال وتعبئة منتسبيه للضغط على صناع السياسات، حيث استعانوا بأعضاء جماعات الضغط في واشنطن من أجل وضع التشريعات، وللضغط على السياسيين من أجل تركيز جهودهم على وقف العنف ونشر القوات التابعة للأمم المتحدة. واللافت أنه قبل أن يلجأوا إلى أعضاء جماعات الضغط، كانت الولايات المتحدة قد أرسلت ما مجموعه 1.01 مليار دولار إلى دارفور، منها839 مليون دولار (83 في المئة) خُصصت لمخيمات اللاجئين والمساعدات الإنسانية، في حين رُصد 175 مليون دولار (17 في المئة فقط) لتمويل أنشطة حفظ السلام.وتُظهر هذه الأرقام أن واشنطن كانت تركز في البداية على توفير المساعدات الإنسانية أكثر منها على حفظ السلام. لكن بين عامي 2006 و2008، تحوّل توزيع الأموال الأميركية بشكل كبير من المساعدات الإنسانية إلى حفظ السلام، نتيجة ضغوط ائتلاف «أنقذوا دارفور» ومجموعات أخرى كثيرة. وهكذا، فمن أصل 2.01 مليار دولار التي أُنفقت، ذهب 1.03 مليار دولار (51.3 في المئة) للمساعدات الإنسانية، في حين أُنفقت 980 مليون دولار (48.7 في المئة) على تمويل مهمات حفظ السلام، ما يمثل تحولاً مهماً نحو حفظ السلام. هذه التغيرات تثير عدداً من الإشكاليات؛ لأنه، وفقاً للعديد من الدراسات، فإن عدد الأشخاص الذين «قُتلوا» في دارفور تراجع بشكل كبير بعد وقف إطلاق النار في الثامن من أبريل 2004، بينما ظل معدل الأشخاص الذين كانوا يموتون بسبب الأمراض وسوء التغذية مرتفعاً. وعليه، فلو أن نشطاء دارفور لم يطالبوا بإعادة النظر في توزيع الأموال المرصودة لدارفور، لأمكن إنقاذ أرواح أخرى كثيرة ربما. وإضافة إلى ذلك، يعمد كثير من النشطاء إلى تحريف طبيعة العنف في دارفور، حيث يزعمون أن الحكومة السودانية والقبائل العربية المارقة مسؤولة عن معظم أعمال القتل، إن لم يكن جميعها، حيث تَستعمل إعلانات «أنقذوا دارفور» ومطوياتها ونشراتها الإخبارية ومواقعها الإلكترونية، مصطلحَ «الإبادة المتواصلة» لوصف النزاع، مصطلح كان الهدف من استعماله في البداية إضفاء طابع الخطورة حتى تردّ الحكومات والمؤسسات الدولية على النزاع بسرعة. والواقع أنه رغم نوايا النشطاء الحسنة، فإن شعبية كلمة «الإبادة» طرحت الكثير من المشاكل التي لم تكن متوقعة والمخلة بالتوازن بين المسؤولية عن الذنب والبراءة، وذلك على اعتبار أن استعمال مصطلح «الإبادة»، يشير ضمناً إلى أن ثمة جريمة تحدث في اتجاه واحد. ومما لا شك فيه أن جرائم فظيعة ارتُكبت في دارفور، غير أن مرتكبيها ليسوا واضحين ولا يمكن تحديدهم بيسر، مثلما قد يترك المصطلح في ذهن القارئ. صحيح أن الحكومة السودانية قتلت أشخاصاً كثيرين، وهي مسؤولة عن جرائم حرب في دارفور، لكن المتمردين يتحملون كذلك جزءاً كبيراً من المسؤولية. فعندما أنشأت الأمم المتحدةُ اللجنةَ الدولية لتقصي الحقيقة في دارفور، وجدت أن العديد من المجموعات المتمردة متورطة في «انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني». وهكذا، فإن استعمال كلمة «إبادة» وإلصاق المصطلح بطرف واحد فقط يعني تجاهل الطرف الآخر بسهولة! إن استعمال مصطلح «إبادة» في دارفور سمح للمجموعات المتمردة بالإفلات من المراقبة والنقد وبارتكاب جرائم ضد الإنسانية دون أن ينتبه العالم لذلك. ولو أن «الإبادة» لم تستأثر بكل هذا التركيز، لكانت حملات النشطاء قد تحدت المجموعات المتمردة وكبحت أعمالها الإجرامية. غير أنه إذا كان المسؤولون في واشنطن والنشطاء على حد سواء، يرغبون في وقف النزاع، فعليهم أن يقروا بأن تغيرات كبيرة حدثت بخصوص حجم وطبيعة العنف في دارفور. وبدلاً من التركيز على التدخل العسكري أو معاقبة مشارك واحد فقط في النزاع (الحكومة السودانية)، ينبغي أن تنصب الجهود على تمويل عملية حفظ السلام والعودة الآمنة لأكثر من مليوني لاجئ نزحوا عن ديارهم بسبب النزاع. مارك جوستافسون باحث متخصص في السودان - جامعة أوكسفورد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©