السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشباب في الجزائر··· هوية وطنية متشظية

الشباب في الجزائر··· هوية وطنية متشظية
25 يونيو 2008 01:51
في المراحل الأولى كان مدرسو ''عبد المالك أوتاس'' يدرسونه المعادلات الرياضية باللغة العربية، ويحثون أقرانه على التمسك بالإسلام ومعانقة العالم العربي، لكنه لاحقا طُلب منه استخدام الحروف اللاتينية في دروس الرياضيات والانفتاح على الغرب، لذا يتملك ''عبد المالك''، الذي لم يتجاوز 19 سنة من عمره، شعور بالالتباس، معبراً عنه بقوله: ''عندما كنا في المدرسة الإعدادية درسنا باللغة العربية فقط، لكن عندما صعدنا إلى المدرسة الثانوية غيروا المناهج وأصبحت العديد من المواد تدرس بالفرنسية، وأحيانا لا نفهم حتى ما نكتبه''، هذا الارتباك الواضح الذي يعاني منه ''عبد المالك'' انتقل من كتاب الرياضيات إلى الحياة بفضاءاتها الواسعة، ففي لحظة تراه يهز رأسه مردداً أغاني ''الراب'' الغربية، وفي لحظة أخرى يحكي كيف لامس التشدد الديني بعدما اتفق قبل سنتين مع مجنديه على قتل المرتدين باسم الجهاد، وفي فترة يشهد فيها العالم الإسلامي صحوة دينية واضحة ينصب التركيز على الشباب الجزائري، وبالأخص في المدارس التي كانت لعقود خاضعة لسيطرة الإسلاميين· واليوم تعكف الحكومة بجدية ودأب على إعادة تفعيل الهوية الجزائرية من خلال تغيير المناهج الدراسية لسحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين، وتلقين الشباب مهارات تفيدهم في سوق العمل، فضلا عن مكافحة الإرهاب، الذي تعتقد الحكومة أن المدارس شجعته وإن بشكل غير مباشر، ويبدو أن المحاولات التي تبذلها السلطات الجزائرية لتغيير المنظومة التعليمية هي الأكثر طموحاً في المنطقة بهدف تحصين طلبتها ضد التطرف الديني ومنعهم من السقوط في الإرهاب، غير أن هذه التغييرات تلاقي مقاومة شرسة من قبل العديد من المربين، فضلا عن الصعوبات الناشئة عن مغادرة العديد من الطلبة المحبطين للمدرسة وخروجهم للشارع، عرفت الجزائر العاصمة بعض التوتر، حيث تزدحم الشوارع برجال الشرطة ونقاط التفتيش خوفاً من عودة المواجهات العنيفة مع الإسلاميين، ويسود شعور في الجزائر أن البلد مازال مفتوحاً على جميع الاحتمالات وأن سيناريو سنوات التسعينيات لم يُطوِ بالكامل· ويمكن بسهولة ملاحظة التدين الواضح لدى فئات الشباب في العاصمة الجزائرية، حيث تمتلئ المساجد عن آخرها بالمصلين، ويصرون على إقامة أماكن للصلاة في المدارس، لكن رغم مظاهر التدين الطاغية في الشارع الجزائري يبدو الشباب أكثر ليبرالية من الناحية الاجتماعية من نظرائهم في مصر والأردن، حيث غالباً ما يقع الخلط بين التقاليد الاجتماعية المتزمتة، والتعاليم الدينية الأكثر مرونة، وهكذا يمكن رؤية نساء شابات يضعن الحجاب يمشين يداً في يد مع الرجال ويجلسن مع بعضهم بعضا، وهي اللقاءات العامة التي يندر مشاهدتها في معظم البلدان الإسلامية· وتعكس الطبيعة المزدوجة للبلاد، ومراوحتها بين التدين والانفتاح، الهوية الجزائرية التي نُحتت على مدى 132 عاما من الاحتلال الفرنسي، وما تلا الاستقلال من إقرار لسياسة صارمة تتبنى التعريب، فما إن غادر الفرنسيون في العام 1962 حتى أظهر الجزائريون تصميماً صلباً على بلورة هوية وطنية بعيداً عن التأثير الغربي· وفي هذا الإطار أُلغيت اللغة الفرنسية من التعليم واستبدلت باللغة العربية، كما أدخلت التربية الإسلامية والقرآن، وتم تغيير مناهج الرياضيات والعلوم، وفي فترة ما بعد الاستقلال، يقول المسؤولون التربويون، لُقن الأطفال ضرورة الالتزام بالدين، أو دخول النار، كما درسوا وهم بعد في السادسة من عمرهم كيفية تغسيل الميت، وسرعان ما تولد شعور لدى الجزائريين بأن الأمور بدأت تخرج عن المعقول، وهو ما تعبر عنه ''خولة طالب إبراهيم'' -أستاذة علوم التربية بجامعة الجزائر- قائلة: ''هناك من يدعي أن المدرسة الجزائرية خرجت وحوشاً، هذا كلام مبالغ فيه، لكنها بالتأكيد ساهمت في الوضع الذي تعيشه البلاد''، ولمواجهة تنامي المد المتطرف عملت الحكومة الجزائرية في السنوات الأخيرة على إعادة إدخال اللغة الفرنسية في المناهج الدراسية، وأزاحت المدرسين المتشددين، كما سعت إلى مراجعة المناهج الدينية، وقبل سبع سنوات أصدرت لجنة عينها الرئيس الجزائري تقريراً يدعو إلى مراجعة شاملة للمنظومة التعليمية في الجزائر، إلا أنها تلاشت بفعل الضغوط السياسية القوية، لا سيما من المحافظين والإسلاميين· لكن يبدو أن الحكومة هذه السنة مصممة على إدخال إصلاحات جوهرية، حيث انتقلت المدارس من التلقين والحفظ إلى تبني طرق التدريس الحديثة مثل التفكير النقدي وتشجيع الطلبة على البحث في المفاهيم والمشاركة في عملية التعلم، ويأمل ''مالك'' في اجتياز امتحان الثانوية العامة والالتحاق بالجيش مثل أبيه، حيث فشلت محاولات الأطراف المتشددة إقناعه بالعدول عن الفكرة التي ظل يداعبها في خياله طيلة السنوات الثلاث الماضية، لكن في الجزائر يعتمد الإحساس بالهوية على الجيل الذي تنتمي إليه والفترة التي ذهبت فيها إلى المدرسة، لذا تبدو ''حسينة بوبكر'' -ذات 26 ربيعاً- مستمتعة بمشاهدة القنوات السعودية ومتابعة الأخبار باللغة العربية إلى جانب والدتها وأخواتها الأصغر سناً في إحدى غرف البيت، بينما يجلس والدها ''نصر الدين'' -الرجل الستيني- في غرفة منفصلة يتابع القنوات التي تبث باللغة الفرنسية، وهي اللغة التي تابع بها دراسته ويتقنها أكثر من العربية، وتقول ''حسنية'' عن والدها بعد أن تصدر منها التفاتة عطف وخيبة في نفس الوقت ''إنه ليس صارماً، لكننا أكثر وعياً بأمور الدين منه''· وفيما ارتدت ''حسينة'' الحجاب في العشرين من عمرها، سبقتها أختاها الأصغر منها لارتدائه في سني 17 و15 سنة على التوالي ليتحول الحجاب إلى رمز يفصلهم عن جيل والدهم، ومع أن رب الأسرة ''بوبكر'' نال حظه من دراسة القرآن في سنوات الطفولة، إلا أنه يعترف بأن الإسلام لم يكن ركناً من هويته، بل يقول إنه اعتاد على معاقرة الخمر حتى العام ،1986 وعندما سمعته ابنته -17 عاما- عاماً قالت: مبتسمة ''لم أكن أعرف ذلك''، ثم لوحت بيديها مازحة ''كنت سأقتلك لو رأيتك تشرب الخمر''، وتعتبر أسرة ''بوبكر'' نتيجة منطقية لسياسة التعريب التي انتهجتها المدرسة الجزائرية، فالعائلة متماسكة وأفرادها قريبون من بعضهم بعضا، لكن الهوة بين الأجيال واسعة وسحيقة· مايكل سلاكمان-الجزائر ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©