الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكوكباني يرصد نجوم الليل على غرر الخيل

الكوكباني يرصد نجوم الليل على غرر الخيل
25 يونيو 2008 21:23
قيل إن العرب كانت تحتفل بثلاث مناسبات، أولها إذا ولد لديها ولد وثانيها إذا ولد فرس وثالثها إذا نبغ شاعر· أما الولد فسيحمل سيفاً، وأما الفرس فعدة الحرب وقد جاء في القرآن الكريم ''وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل''، أما الشاعر فهو لسان حال القبيلة يذب به عن شرفها· للخيول أسماء لديهم وأصول وقبائل وأنساب، وقد كانت جل مروياتهم في الفروسية والطعان مصحوبة بفعل الخيل وبصهيلها، وقد تغنى بها الشعراء منذ امرؤ القيس حتى الآن لجمالها ومؤانستها الإنسان ومن أجمل ما قيل فيها قول امرؤ القيس: مكرٍ مفرٍ مقبلٍ مدبرٍ معاً كجلمود صخرٍ حطّه السيلُ من علِ وقال فيها المتنبي: وجردٍ مددن بين آذانها القنا فبتن خفافاً يتَّبعن العواليا وتعددت صنوفها وأحسابها في كتب العرب حتى قالوا فيها شعرا كثيرا سمي بـ '' شعر الخيل'' إلا أن أفضل الخيول أصالة لديهم هي النجديات· كل ذلك نجده في كتاب ''نجوم الليل الطالعة على غرر الخيل'' للأديب العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد بن الحسن الحيمي الكوكباني المتوفى سنة 1151هـ بتحقيق عبدالله محمد الحبشي والصادر عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث 2008 في طبعته الأولى· يقول المحقق عن كتاب نجوم الليل ''هذه قطعة أدبية خالصة من أدب الخيل'' لم أجد من أشار اليها في قليل أو كثير، وهو نص أدبي فريد يدخل ضمن نصوص صاحب الكتاب المجهولة القيمة التي تستحق من الباحثين العناية التامة، لما جبل عليه المؤلف من سليقة أدبية وموهبة تمكنه من ان يحتل الصدارة بين أدباء العربية الكبار على الرغم من تأخر عصرة''· وشهاب الدين الكوكباني هو القاضي العلامة البديع الخطيب أحمد بن محمد الشبامي ينتهي نسبه إلى القاضي الإمام نشوان بن سعيد الحميري ولد سنة 1073هـ بشبام كوكبان في اليمن ونشأ في حجر والده وتخرج به وحقق العلوم من علماء عصره بمدينة شبام كوكبان وبلادها، وحفظ الأدب ومهر في الإنشاء والترسل وبرع في ذلك· ألّف الكوكباني كتابه ''نجوم الليل'' بعناية أحد أمراء عصره في ذلك الوقت وهو القائمقام ضياء الدين إسماعيل بن الإمام القاسمي صاحب اليمن· أما عن المخطوطة التي استقى المحقق منها كتابه فهي المكتوبة في حياة المؤلف وقبل وفاته بثماني سنوات وهي من ضمن مقتنيات مكتبة ليدن وقد كتبت تحديداً في يوم الاثنين، العشرين من شهر شوال أحد شهور سنة 1143 بمدينة صنعاء· وهناك نسخة من مخطوطة أخرى للكتاب بالمكتبة المحمودية بالمدينة المنورة، والأولى في مكتبة ليدن تقع في 90 صفحة ومسطرتها سبعة عشر سطراً من القطع الكبير· وليس كتاب ''نجوم الليل'' أول أو آخر الكتب التي كتبت عن الخيل، فقد سبقه الرملي وابن بنين ومعمر بن المثنى والجواليقي والحيدري والرسولي والكلبي في كتابه الشهير ''أنساب الخيل'' والسيوطي في كتابه ''جر الليل في علم الخيل'' وعبدالقادر بن العربي المغربي في كتابه ''الجواهر المنظمة في الخيل المسومة'' والرومي في ''حال الخيول'' والسيوطي في ''حسن السير فيما للفرس من أسماء الطير'' وأبو علي القالي في ''حلي الإنسان والخيل وشياتها'' و''المرزباني في ''الفرس والفارس'' وابن قتيبة في ''كتاب الفرس'' و''الابيوردي في ''كوكب المتأمل في وصف الخيل'' والختلي في ''كتاب الفروسية والخيل'' والكاشي في ''وصف الجيل فيما ورد في اتخاذ الخيل''·· وغيرها من الكتب والرسائل القصار والمتوسطة والطويلة التي تناولت الخيل، وبعضها يعيد صياغة ما روي مع اضافات بسيطة من باب الاستدراك وبعضها فيه من الجدّة ما يشهد له بذلك، وبعضها ينتقي الوصف والآخر الطرفة والثالث الحكاية· أما كتاب ''نجوم الليل الطالعة'' للكوكباني فيجمع فيه التاريخ والاعلام والنثر والشعر، حيث تصاقبت جميعها في أعراف الخيول ناصعة عند غررها· لقد استشهد بقوله تعالى حين أقسم بالقرآن الكريم ''والعاديات ضبحا، فالموريات قدحا، فالمغيرات صبحا، فأثرن به نقعا، فوسطن به جمعا''· ثم عدد ألوانها فمنها الأبيض اليقق ومنها الأحمر الذي كأنما صبغ بالعلق ومنها الأسود الحالك· وقد قال فيها رسول الله ''ص'' ''الخيل معقود بنواصيها الخير''· وقال أيضاً ''خير الخيل الأرثم الأقرح''، أما الأرثم فهو بياض في شفة الفرس العليا، وأما الأقرح فهو الفرس له غرة بيضاء بين عينيه· وقد اقتنى الرسول الكريم من الجياد الكثير، إلا أن ''السكب'' كان أول فرس ملكه· وله أيضاً بعد ذلك ''ذو اللمة'' و''السرحان'' و''اللزاز'' و''اللحيف''· وقد نتساءل ما أهمية كتاب ''نجوم الليل'' فنرد بأن أهم مزية فيه انه لم يتقص أخبار الخيل بل أنشأ قطعة فنية رائعة، كان فيها وصف الخيل شعراً أم نثراً الشيء الكثير، هذا بالإضافة إلى أنه قدم قطعة طويلة من النثر حفلت بالتوصيفات والتشبيهات وحسن الكلام وسبكه مما جعلها درة في مصاف اللغة· وهو في ذلك يقول: ما جهد وصفي للعتاق ونعتها ولسان مثلي بالفهاهة يوصف من أين لي شهب الظلام وأين لي درّ على جيد الغواني يرصفُ حتى أخبّر ذا وذاك مقالة فيها وعندي أنني لا أنصف ولقد أتيت بممكن في وصفها وتركت عند العجز ما لا أعرف أما العتاق فهي الخيل الأصيلة، وهو في ذلك يعترف بأن الوصف هو شأنه الأول في هذا الكتاب وبذلك صنع الكوكباني نصاً إبداعياً قل مثيله، هذا بالإضافة إلى انتقائه من الشعراء أجمل ما قالوا، وخذ في ذلك وصف أبوالطيب المتنبي أحمد بن الحسين حين قال: تماشي بأيدٍ كلما وافت الصفا نقشن به صدر البزاة حوافيا وتنظر من سود صوادق في الدجى يرين بعيدات الشخوص كماهيا وتنصب للجرس الخفي سوامعاً يخلن مناجاة الضمير تناديا تجاذب فرسان الصباح أعنة كأن على الأعناق منها أفاعيا ثم يذهب الكوكباني في تقسيم الخيول فيصفها حسب اللون والنعت، وهو في ذلك قد طرق بابا صعب المراس، إذ قسمها الى ''الخيل الأبيض'' و''الأبلق'' و''الأدهم'' و''الكميت'' و''الوردي'' و''الدوري'' و''الأشقر'' و''الظافر'' و''الريحان'' و''السعد'' و''الحيزوم'' و''البشير'' و''الفائق'' ''و''النجدي''، وعندها نعتها في مقاطع نثرية وشعرية طويلة فكأنه بذلك قد ركب وصفاً على وصف أو كأن وصفه قد طلع من وصفها عند العرب فنوع فيه وعدد وأطال مبتغاه وصنوفه· بدأ الكوكباني بالخيل الأبيض، فقال فيه: فمن أبيض كالنهار السافر فضي الإهاب زبرجدي الحافر، إذا رأته فرس خيري بن الحصين المسماة الغضبى ولت من الغيرة والحسد له وهي غير راضية فهي الساخطة الغضبى· ثم يردف وصفه النثري بقوله الشعري واصفاً الخيل الأبيض: وأبيض مصقول الأديم كأنه إذا انقض نجم في الدجى خلف مارد حكى الكوكب الوهاج عند كراره على صيده أو في سباق المطارد أشعته تُعشي من الظبي عينه فليس عليه في فضاه بشارد إذا ما علاه راكب رام مورد الـ مجرة ليلاً فهو أول وارد والملاحظ في أول المقطع النثري ان الكوكباني يأتي بالضد من الموصوف، فالحسن يظهر حسنه الضد وإن عجز الكوكباني في وصف الخيل المحدث فيه شعراً، فإنه يستعين بما قيل أو أجمله في الشعر العربي وان لم يكن عاجزاً فهو ما يأتي منه· هذا بالاضافة إلى توخيه السجع في القول ليعطي نصه النثري موسيقى توازي موسيقى الشعر اللاحق، فكأنه بذلك يخلق نصاً موسيقياً بالكلمات· أما الخيل الأبلق فيقول فيه: ومن أبلق لا يستطيع البليغ وصفه وإن أفلق اذا خطرت عنده الخطار وهي فرس حذيفة بن بدر الغزاري فهي على خطر· وإذا سابقته على وجه ''الغبراء'' وهي فرس أخيه حمل بن بدر لم تنل من السبق غاية الوطر· هنا نلحظ ان الحسن في الأبلق لا يوصفه الكوكباني كما هو بل من خلال فرسي ''الخطار'' و''الغبراء'' وهما المنسوبان للفزاري ولأخيه وبذلك يورد الكوكباني الاعلام وأفراسها وصفاتها بالقياس الى الفرس الذي يريد ان يصفه وهو هنا ''الأبلق'' ثم يذهب بالأبلق في وصفه مقارنة مع ''البلقاء'' فرس سعد بن أبي وقاص و''الخضراء'' و''فرس قطبة بن زيد ثم يستشهد لأبي تمام شعراً في الخيل حين يقول: مسود شطر مثل ما أسود الدجى مبيض شطر كابيضاض المفرقِ فكأن فارسه يصرف كيف شا في متنه ابنا للصباحِ الأبلقِ ولم يكتف بذلك بل يزيد على قول ابي تمام قولاً للشاعر ابن خفاجة الأندلسي بقوله: وابلق خوار العنان مطهم طويل الشوى والساق أقود أتلعا جرى وجرى البرق اليماني عشيةً فأبطأ عنه البرق عجزاً واسرعا وحسب الأعادي منه أن يزجرونه مُغيراً غراباً صبح الحي أبقعا ويزيد على قول الشاعرين أبي تمام وابن خفاجة قول الشاعر الصفدي: تخاله فلكاً قد صار محتوياً على النهار وجنح الليل في نسقِ فكم بسنبكه نجم إذا قرع العد فا وكم من هلال لاح في الطرق تلك هي طرائق الكوكباني في وصف الخيل، بارعاً في اختيارات قول الشعراء واضعاً الاستشهادات من شعرهم وفقاً للنسق التاريخي لحياتهم واحداً بعد الآخر· أبي تمام أسبق وابن خفاجة اللاحق وما بعدهما يأتي الصفدي تاريخاً· ويلعب الكوكباني على اللغة أيضاً في وصف الخيل، فحينما يصف الخيل الكميت نلحظ هذه الصفة البارعة في قوله: ''ومن كُميت، كل حي من الخيل عنده كَميت، علم لا يعرف بأل، سابق لا تجاريه دؤل''· ويضيف على نثره قوله شعراً من تأليفه فيقول: كميت يهول الناظرين بحسنه وقد جاء عن لون من الحسن أجنبي لقد صبغ الرحمن منه أديمه بشكل غريب من أصيل وغيهبِ ولكن أبدع ما وصف في كتابه ''نجوم الليل الطالعة على غرر الخيل'' هو وصف الخيل الوردي: ''ومن ورد أحمر، خفيف الوثب إذ أجمر'' مستشهداً من شعر ابن نباتة: ورد مع العرب منسوب فلا قطعت أيدي الحوادث من أنسابه شجرة إذ امتطى ظهره رامي السهام مضى والسهم حذوا فلولا سبقه عقره عجبت حين يسمى سابحاً وله وثب لو البحر أرسى دونه طفره ولا يقدم الكوكباني ''وهذا من شرف القول في هذا الكتاب وعند الباحثين الأول من أمثاله'' أي قول شعري له على شعراء العربية الكبار بل يأتي بأشعارهم أولاً ثم يتبعها بما قال هو في المضمار نفسه·· إنه كتاب في اللغة والوصف والبراعة في القول·· كتاب في الأدب في وقت كان ما يؤلف في عصره أغلبه في الفقه واللغة واللسان·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©