الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سعد أردش·· آخر صدى من صرخة الستينات

سعد أردش·· آخر صدى من صرخة الستينات
25 يونيو 2008 21:26
رحل المخرج والممثل المسرحي الكبير سعد اردش قبل أن يحتفل بعيد ميلاده حيث توفي يوم 13 يونيو وهو من مواليد 16 من الشهر نفسه، وكان أردش يستعد إلى العودة من رحلة علاج في أميركا حيث تقيم ابنته· كما لم يمهل القدر الفنان الراحل ليفرح بجائزة مبارك للفنون التي نافس عليها العام الماضي وفاز بها يوسف شريف رزق الله بعد تعادل الأصوات· وأعادت أكاديمية الفنون المصرية ترشيحه للجائزة هذا العام وكانت كل التوقعات تؤكد ذهابها له· وكان اخر تكريم حصل عليه أردش من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الذي منحه جائزة الشخصية المسرحية وسلمها له في باريس العام الماضي في يوم المسرح العالمي بمقر اليونسكو· ***** سعد أردش واحد من رموز النهضة المسرحية العربية في الستينات وكان قد تعاون مع أبرز كتاب المسرح في تلك المرحلة الذهبية ومنهم نعمان عاشور ومحمود دياب وسعد الدين وهبة وغيرهم فضلاً عن الأعمال المترجمة لُكتاب أجانب، ومن أشهر أعماله ''سكة السلامة''، و''دائرة الطباشير القوقازية'' و''الذباب''، و''الإنسان الطيب''، و''انتيجون''، و''يا طالع الشجرة''، و''عطوة أبو مطوة''، و''الشبكة'' وغيرها من علامات المسرح المصري· جيل الستينات جمع الراحل في دراسته بين الفن والقانون والتحق بمعهد الفنون المسرحية كما التحق بكلية الحقوق وواصل الدراستين معاً فحصل على بكالوريوس المعهد عام 1952 وليسانس الحقوق عام 1955 وهو من مواليد فارسكور التي كانت تتبع محافظة الدقهلية قبل سفره في بعثة إلى إيطاليا لدراسة الإخراج هناك عام 1957 وبعد عودته عام 1961 وجد فارسكور تتبع دمياط· تلقى الراحل تعليمه في بلدته حتى الشهادة الثانوية، وكان ناظر المدرسة الابتدائية في فارسكور حينما التحق بها اردش حلمي البابلي والد الفنانة الكبيرة سهير البابلي وكانت تربطه علاقة ذات طابع أسري بكل تلاميذه، وفي المدرسة الثانوية تعرف أردش على الشاعر الكبير طاهر أبوفاشا الذي قاد تجربة المسرح المدرسي· وكان أردش منتمياً بالكامل لمسرح الستينات أيام الازدهار وكان يراه من أهم الظواهر في تاريخ المسرح المصري ولم يكن يتاح له أن يتأسس ويصعد إلا في ظل مشروع ثورة يوليو التى آمن بها وكان يرى كل من ساهم في الثورة الثقافية المصاحبة لثورة يوليو من الثواّر أيضاً، لأنهم عانوا ما عاناه الضباط الأحرار في سنوات ما قبل الثورة· وظلت هذه الحركة المسرحية على تواصل مع التجارب العالمية بكل أنواعها سواء العالم الشيوعي والاشتراكي أو الرأسمالي وكان اردش يرى أن عبد الناصر أدرك أن الثقافة عنصر مهم في مشروعه الوطني· خلاف مسرحي وفي عام 1970 كان اردش مديراً للمسرح القومي المصري وروى أن نائب رئيس الوزراء عبد القادر حاتم طلب منه تغيير برنامج المسرح القومي لكي يستوعب الأعمال الترفيهية والكوميدية وكان الموسم المسرحي للقومي وقتها يعرض ''عفاريت مصر الجديدة'' لعلي سالم ومن بعدها ''باب الفتوح'' لمحمود دياب من إخراج اردش وكان المخرج كرم مطاوع يعرض ''الحسين ثائراً'' لعبد الرحمن الشرقاوي وكان هذا الموسم دسماً فقال اردش لعبد القادر حاتم: أنا موظف عندك ولا استطيع أن أفعل هذا وأخجل من تقديم ما تطلبونه من مسرح استهلاكي أمام أبنائي وجمهوري وتلاميذي، كما أن هذا يتعارض مع تاريخي المسرحي، وليس أمامك سوى إصدار قرار تطالبني بتنفيذه وسأنفذه· فقال له: الجزائر تطلبك فرد: وعقد الجزائر في جيبي منذ ستة أشهر وبالفعل سافر· وشارك أردش في تأسيس المسرح الحر وكان رئيساً له إلى أن سافر للبعثة، وهذا المسرح اهتم بالقضية الإنسانية والاجتماعية ويحسب له اكتشافه لنعمان عاشور وأخرج له ''المغماطيس والناس اللي تحت'' كما أعاد اكتشاف نجيب محفوظ الروائي مسرحياً بتحويل بعض أعماله الروائية إلى أعمال مسرحية· وكان أردش الوحيد الذى أخرج عرضاً مسرحياً من تأليف جمال عبد الناصر بعنوان ''في سبيل الحرية'' ولم يتمكن ناصر من اتمام كتابة هذا العمل، ولذلك فإن أحد الكتاب الكبار وضع نهاية لهذا العمل وأخرج أردش عرضاً استعراضياً وغنائياً وكان بمثابة صرخة تنادي بتحقيق العدالة الاجتماعية والوحدة العربية· وتأثر سعد أردش بمسرح بريخت إلى أبعد الحدود، وكان يبدي إعجابه بسوفوكليس، وتشيخوف، والحكيم، وسارتر، وبيراندللو، ونعمان عاشور، وسعد الدين وهبه، والفريد فرج، ويوسف ادريس، وغيرهم· واعتقد أردش أن منهج بريخت على الرغم من سقوط الأيديولوجة الماركسية التي قام عليها يظل صالحاً للتطبيق، وتتركز أهميته في أنه المنهج والأداء الوحيد في الدراما الذي يحقق وظيفة التنوير على أكمل وجه، فهو يسعى إلى العدل الاجتماعي في غيبة الأيديولوجية، ومسرحه فرض نفسه متأخراً، فقد عرضت له مسرحية تعليمية هي ''القاعدة والاستثناء'' عام 1962 في مسرح الجيب المصري وأخرج له أردش مسرحية ''الإنسان الطيب'' عام ،1966 ثم ''دائرة الطباشير القوقازية'' عام 1968 مع المخرج الألماني كورت فيت ـ أحد تلاميذ بريخت ـ ورأى اردش أن اتجاه بريخت فرض نفسه أيضاً على المسرح في سوريا، والعراق، ولبنان· وكان اخر ما أخرجه لبريخت على المسرح ''الشبكة''· وكانت الفنانة الكبيرة سميحة أيوب قاسماً مشتركاً في الكثير من أعماله المسرحية مثل ''السبنسة وسكة السلامة وبير السلم ورأس العش والمسامير''، ثم ''الإنسان الطيب ودائرة الطباشير القوقازية'' وأخيراً ''الشبكة''· وكان يؤكد أن سميحة قامة مسرحية، وطاقاتها وأدواتها المسرحية لا حدود لها، وعقلها مسرحي وعلى الرغم من نجوميتها في الدراما التليفزيونية والإذاعية وفي السينما في فترتها الذهبية، فإن لديها قناعة علمية وفنية بأن المسرح هو الأساس وهو أبو الفنون· وكان الراحل على الرغم من إحساسه بالمرارة يتمسك بالأمل ويقول: مازلت أؤمن بأن مصر ملأى بالمواهب وفيها كتاب مسرح متميزون، وهي قناعة جاءت من تحكيمه في مسابقات ومهرجانات مسرحية، لكن القضية في سياسة منح الفرص للكتاب الجدد لإضافة المزيد من الأسماء في المسرح المصري مثل أبو العلا السلاموني ويسري الجندي وأسامة أنور عكاشة ومحمد سلماوي، ومحفوظ عبد الرحمن ولينين الرملي·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©