السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مكائد التسمية

مكائد التسمية
25 يونيو 2008 21:28
إن تاريخ المصطلحات تاريخ متاهي· فالمصطلح كثيرا ما يشرع حال تأسّسه في الترحال من ثقافة إلى أخرى· هذا ما يمنح ظاهرة المثاقفة بين الحضارات أهميتها· والثابت أن الناظر في الراهن الثقافي العربي يدرك أن العديد من المصطلحات الرائجة إنما تمّ استقدامها من ثقافات غربية دون إحاطة بتاريخ نشأتها وأسباب ظهورها· إن المصطلح لا يولد صدفة واتفاقا بل يرد ليسمّي ظاهرة جديدة جاءت تلبي حاجة معرفية أو جمالية لم تكن من قبل ملحّة· يكفي أن ننظر في مصطلح ''قصيدة النثر'' من جهة كونه مصطلحا وافدا وسنلاحظ أنه يمتلك تاريخا وله مبرّرات في الثقافات التي ابتدعته· يكفي أيضا أن نقرأ تاريخ اللغتين الانجليزية والفرنسية وسنلاحظ أنهما لغتان شهدتا عبر التاريخ تبدّلات وانقطاعات بموجبها صارت اللغة لغات: الفرنسية القديمة والفرنسية الكلاسيكية والفرنسية الحديثة· وعلى هذا التبدّل والانقطاع جريان تاريخ اللغة الانجليزية· وكان لا بدّ لهذا التبدّل الذي طرأ على اللغة في العمق أن يتبعه تبدّل على مستوى الذائقة الإيقاعية· هذا سبب من الأسباب التي برّرت العدول عن الأوزان المتعارفة في الشعر الأروبي وظهور ''قصيدة النثر''· وهذا ما منح هذه القصيدة قاعها التاريخي في أوطانها تلك· غير أن الناظر في تاريخ اللغة العربية منذ امرئ القيس إلى اليوم يلاحظ أن التبدّل ليس جذريا، فأشعار امرئ القيس وطرفة وأبي نواس والمتنبي مازالت مفهومة بيّنة· لكن قصيدة النثر العربية عمّمت مشرقا ومغربا ووسّعت لها مكانا في المشهد الثقافي فأربكت الخطاب النقدي· صار خصومها يركّزون على لحظات وهنها ويطردونها من دائرة الشعر· أما أنصارها فيصلون إلى حدّ التسليم بأنها جاءت تجدّد للشعر العربي ناره ولهبه ولولاها لأفل؛ ويبحثون لها عن شجرة نسب في القديم العربي؛ فيتم الإلحاح على أنها سليلة ''نثر المتصوفة'' أو هي سليلة ''شعر الحضارات السامية ذي الإيقاع النبري،'' أو هي ''وارثة حركة الترجمة وابنتها·'' قديما حسم النقاد العرب هذه المفارقة إذ اهتمّوا بالشعرية باعتبارها صفة تلحق بالقول سواء كان شعرا أو نثرا· وألحّوا على أن الوزن ينهض بمهمّتين: مهمّة تمييزية فهو عتبة تقي الشعر والنثر من الضياع فلا يدخل نوع في حدود غيره، ومهمّة إيقاعية إذ يسهم في رفد البنية الإيقاعية· غير أن قصيدة النثر العربية ستظل تحاط بالريبة والشك وكثيرا ما تعدّ نصّا خلاسيّا هجينا، والحال أن الهجانة من القوانين المحرّكة للتاريخ· بل إن الهجانة، على ما تحاط به من تحقير، إنما تدلّ على عظمة الحياة وعظمة الكائن متحوّلا· وهي من القوانين التي تحكّمت بالأجناس الأدبيّة لحظة تناسل بعضها من البعض الآخر· فالعرق الصافي مجرّد تصوّر ذهني متوهّم· وبالهجانة استمرّت دورة الحياة· الهجانة لحظة لقاء بين مختلفين· خطوة يخطوها كلّ مختلف باتجاه الآخر المختلف· غنم وثراء· صلة تضايف ينتج عنها ميلاد سلالة جديدة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©