السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصدمة ·· حفّر الأخاديد السرية

25 يونيو 2008 21:32
نالت رواية ''الصدمة'' لياسمينة خضرا، شهرة واسعة، وحازت جوائز ادبية متعددة، واقتبست الى السينما في الولايات المتحدة· فما سر ذيوع هذه الرواية، او لماذا استطاعت ان تقتطف كل هذه النجاحات؟ قبيل الاجابة على محورية هذا السؤال، تجدر الاشارة الى ان الاسم الحقيقي لياسمينة خضرا هو محمد مولسهول (كاتب جزائري) ولد في الصحراء الجزائرية في العام 1955 وهو يتمتع اليوم بشهرة عالمية بفضل رواياته، لا سيما ''بم تحلم الذئاب'' و''خداع الكلمات'' و''القريبة كاف'' التي ترجمت الى 22 لغة· تعتبر رواية ''الصدمة'' العمل الثاني الذي تلا العمل الاول ''سنونوات كابول''، وهذان العملان يندرجان ضمن ثلاثية ''مكرسة لحوار الطرشان بين الشرق والغرب'' وقد اختتمت هذه الثلاثية برواية ''أشباح الجحيم'' الصادرة في العام ·2006 بداية، يمكن القول إن المؤثرات الجغرافية والسياسية والانسانية التي تنضح بها بئر هذه الرواية، قد شكلت العامل الاساسي للنهوض بمسارها اللغوي والفني الجامع، وبمصير شخوصها المنشطر، خصوصا وأن احداث هذا العمل الروائي تتجسد بتكويناتها على ارض فلسطين المغتصبة، وتنتقل بين تل ابيب وبيت لحم، وجنين، مستعرضة شكل المكان في موقع اللهب· وهو الشكل الذي يرتدي هيكلية ساخنة ومطاطة مصحوبة بمقومات تراجيدية لإثارة الرأي العام العالمي، نظرا للمواقعة الفجائعية الحاصلة عند المعطى الجغرافي للزمن اليومي، بين المحتل الاسرائيلي من جهة، وبين المقاوم الفلسطيني من جهة ثانية· عند هذا الخط التصادمي المتشابك، يبرز في الرواية انفجاران متناقضان، كحدثين متقابلين، الانفجار الاول تحدثه ''عملية انتحارية'' ـ وفقا لتوصيف الكاتب ـ من خلال جسد امرأة· والانفجار الثاني يحدثه هجوم إسرائيلي من خلال طوافة عسكرية· إلا أن هذين الانفجارين، سرعان ما يرتبطان بآثارهما الارتدادية على الصعيد الجسدي والفكري والعاطفي والانتمائي معاً، بشخص بطل الرواية الطبيب الجراح أمين جعفري (وهو ''إسرائيلي'' من أصل عربي)· كما أنهما يبدآن عند نهاية كل واحد منهما، وينتهيان عند بداية الواحد منهما· لذلك فقد تماسكت البنية الروائية في ابعادها المتشظية، تماسكا ذكيا في ظل تصاعد وتيرة الأحداث، وفي ظل تمزق البنية الجسدية أمام مرثية الهوية والوجود، وأمام كارثية الوطن المتاح والمفقود في آن معاً· من هنا، تمكن الكاتب من الولوج في طبقات النضال الفلسطيني، ومن الدخول في مناطق متعددة الانماط والحالات كما تمكن من رصد الخلفية النفسية للمقاومين على اختلاف مشاربهم الفكرية والاجتماعية والسياسية، ملقياً الضوء على ''وكر'' (المتطرفين) في العمل الفلسطيني المقاوم، محاكما من خلال البطل ذهنية هؤلاء التي تكرس مبدأ التضحية بالشخص لتفجير اماكن العدو الاسرائيلي وقتل أكبر عدد من الاعداء· فالشخص هنا هو غلاف القنبلة، أيا كانت هويته الجندرية، ذكرا أم انثى، وأيا كانت رتبته الاجتماعية غنيا أم فقيراً· انطلاقا من هذه الرؤية المتطرفة، حمل ''الانفجار الانتحاري'' في رياحه الملتهبة عنوان ''الصدمة'' مع اكتشاف أن منفذ هذه العملية امرأة··· وأن هذه الامرأة هي سهام زوجة الطبيب أمين جعفري! خيوط رئيسية شائكة ومتشعبة، يدخل فيها أمين عند تلقيه النبأ ـ الصدمة· فعلاقته بالمجتمع الاسرائيلي جيدة نظرا لنجاحه الباهر في عالم الطب الجراحي· والصداقة التي تربطه بمسؤول رفيع في الشرطة الإسرائيلية وهو نافيد رونين، تحرجه أيما إحراج· كل ذلك جعله عالقا بين دواليب دوامة متدهورة لا مجال لإبطاء سرعتها، أو لتغيير مسارها· نقرأ في ص 43: ـ ''تشير الخيوط الأولى للتحقيق الى أن تقطيع الاوصال الذي أصاب جسد زوجتك يبرز جروحا من تلك التي تصادف على أجساد الانتحاريين الأصوليين· أتبين بوضوح كلام الضابط، ولكنني لا أستوعبه، ثمة شيء ما يقبض على ذهني، مثل قوقعة تتعلق فجأة أمام تهديد خارجي· شرح لي نافيد: ـ يتعلق الأمر بقنبلة، إنها عملية انتحارية··· أغلب الظن أن الشخص الذي فجر نفسه في المطعم هو زوجتك يا أمين· خارت الأرض تحت قدمي، ومع ذلك، لم أعرف، ربما بدافع الغيظ أو الاستسلام· أرفض أن اسمع كلمة إضافية· لم أعد أتعرف إلى العالم الذي أعيش فيه''· عند هذا المفصل المحوري للحدث، تبدأ رحلة من نوع آخر· إنها رحلة استقصاء عن الحقيقة، يجريها الطبيب أمين او الزوج المصدوم ليأخذنا معه الى أرض القضية، حيث يبدأ باستخدام آليات الحفر وصولا الى النفق الذي تليه أنفاق اخرى واخرى··· هنا نجد أنفسنا أمام الحفار الذي ينبش اخاديد الوجوه الاجتماعية والسياسية والعسكرية في الكيان الاسرائيلي، حيث تفوح رائحة العنصرية والكراهية ضد كل ما هو عربي· كما نجد انفسنا امام فلسطين المبتسرة ـ إذا صح الوصف ـ إذ تغدو الاجيال الطالعة أشبه ''بنصال تتكسر على النصال''، فكيف السبيل الى استرجاع الارض، واسترجاع جواز السفر الفلسطيني؟ كيف تسترد الكرامة، وخيرات فلسطين، والاماكن المقدسة؟ كيف السبيل الى استرداد القدس، وإزاحة الارتال المرتلة لستة عقود من الاحتلال والاغتصاب والتهجير والتعذيب والاذلال؟ الرواية تكشف عن جوانب مظلمة وقاسية، وعن وجوه زاهدة، ونفوس تستعد لتفجير نفسها بالاعداء··· وهي تطلق او تجعلنا نطلق العديد من الخلاصات الجوهرية، منها أن الفلسطيني الذي يحمل جنسية إسرائيلية، لا يمكن أن يتخطى مسألة تماهيه مع الهوية··· وأن الاسرائيلي الذي يرتدي بلداً فلسطينياً لا يمكن أن يرتدي هويته· وهنا ايضا أن المقاومة باتت تأخذ اكثر من شكل، سواء في الممانعة التقليدية، ام في الاجتراحات الممنوعة، هذا ما كشفته لنا هذه الرواية الآتية من ''قلب الحقد والدم والنضال واليأس للشعب الفلسطيني''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©