الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

اللوائح المقدسة

25 يونيو 2008 21:37
تعاقد الجيش الأميركي مع خبير لتحسين أداء سلاح المدفعية، وتفاجأ الخبير بأن المدافع كانت تصوّب للهدف ثم ينتظر الجنود لمدة ثماني ثوان قبل إطلاق النار، وحينما سأل عن السبب كان الجواب دائماً أنّ تلك هي التعليمات الواجب اتباعها، فواصل بحثه لمعرفة المبرر من وثائق الجيش القديمة· كم كان صاعقاً أن هذا التصرف يعود للقرن الثامن عشر، حيث كانت تعطى مهلة للجنود لمدة ثماني ثوان لإبعاد خيولهم عن المدافع! إنّ من أهم التحديات التي تعترض المؤسسات تلك المتعلقة باللوائح والنظم والقوانين المتوارثة والتي أكل عليها الزمن وشرب بل وغسل يديه، والتي يتمسك بها ويقاتل من أجل تنفيذها بحذافيرها من لا يستطيع النظر أبعد من قدميه، ممن يرى الإبداع تهوراً والتجديد تفريطاً في ثوابت الرقابة والتدقيق وفكر (المتهم مذنب حتى تثبت براءته)· إن ما كان يصلح بالماضي ليس بالضرورة أن يكون صالحاً لتحديات المستقبل، وما كان عاملاً للنجاح بالأمس ليس متوقعاً أن يستطيع مواصلة تحقيق النجاحات في عالم تتغيّر فيه الأفكار والنزعات، وإنه من المحزن أن نرى مؤسساتٍ تتعامل بسلبية مع مطالب عملائها من أجل عدم المساس باللوائح الجامدة والتي كادت أن تصل لمرحلة القداسة من كثرة تردادها والتحذير من المساس بها، حتى أصبحت هذه الحجة في مسامع العميل أشبه بكلمة (كش ملك)· إن المرونة مطلب حيوي لكل مؤسسة تبتغي النجاح وتؤمن بأهميته، فالنهر في طريقه لمصبّه ينحرف كثيراً في مساره تبعاً لما يُصادفه من تضاريس، ولو بقي في مكانه عند أول حاجز لما كان أكثر من بحيرةٍ منغلقة على نفسها سرعان ما يعتريها العفن وتؤمها الهوام تماماً كالمؤسسات التي أقفلت تفكيرها منذ أول يوم قدّست فيه لوائح عملٍ شُرّعت في زمنٍ مختلف وتحت ظروف مختلفة من دون تفكير في جدواها للزمن الحاضر، كما قال المولى سبحانه عندما أتى بعذر من حاد عن الهداية: ''إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مهتدون''· إنّ عرّاب الجودة جوزف جوران، الذي كان له مع زميله ديمينج الفضل الأكبر في نشر ثقافة الجودة في اليابان، قام بوضع منهجية سهلة للتعامل مع الأنظمة والإجراءات سواءً كانت لمنتجات أو لخدمات تُعرّف برباعية جوران PDCA حيث ترمز للتالي: خطّط Plan، نفّذ Do ، افحص Check، قم بالتعديل Adjust، وهي منهجية تم تحويرها وتطوير بعض مفرداتها إلى نظام RADAR الشهير والذي يعتبر أساساً في نظام التميز الأوروبي· هذه المنهجيات لا تفترض إطلاقاً قدسيةً للائحة أو نظام أو إجراء، بل المحدد الأوحد هو نوعية المنتج أو الخدمة ومدى جودتها ورضى العميل عنها، فإن كانت سيئة تُعاد صياغتها بما يضمن تحسين ذلك المخرج، وإن كانت جيدة يُنظر في كيفية رفع تلك الجودة من دون التفاتٍ لصوتٍ نشاز يردد: النظام ما يسمح· لجمودها هوت مبيعات جنرال موتورز في الشهر الماضي بنسبة 30% لأن مديرها التنفيذي ريك واجونر ما يزال متردداً في الخروج من نفق انتاج السيارات الكبيرة والتي يبتلع انتاجها شهرياً قرابة المليار دولار، والمضحك أكثر أن نارديللي رئيس كرايزلر والمعتنق بدوره لقدسية إرث السيارات الكبيرة، خرج منذ مدة قريبة ليقدم ضماناً بالتزود بالوقود بسعر 2,99 دولار للجالون لمدة ثلاث سنوات كحافز لشراء سياراتها Gd`SUV والتي تبتلع الوقود كماء في صحراء قاحلة· لا أعرف صراحةً أين أضع هؤلاء عندما استمع لتوم بيترز وهو يردد جملته الشهيرة: ''كافئ الإخفاق المبدع وعاقب النجاح المعتاد''، ولا أعلم بماذا يعدنا من يرى المستقبل بمنظار الماضي ومن تقوم حوله كبرى الشركات العالمية بتغيير رؤيتها وليس لوائحها فقط كل ستة أشهر بينما ما يزال متمسكاً بكتيّب لوائح قديم سجن عقله بين صفحاته الصفراء· Awad141@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©