الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ريما خشيش وفرقة كنان العظمة تحولان الأنغام إلى «حوار من الشرق»

ريما خشيش وفرقة كنان العظمة تحولان الأنغام إلى «حوار من الشرق»
11 مايو 2010 20:50
تواصلت أمس الاول فعاليات “أنغام من الشرق” التي تنظمها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، على مسرح أبوظبي ناحية كاسر الأمواج، وفي هذه الليلة، طغت لهجات بلاد الشام. فريما خشيش التي تأتي الإمارات للمرة الأولى، واكبها جمهور عرفها منذ انطلاقتها الأولى مع سليم سحاب في “فرقة بيروت للتراث”، بصوتها المميز وأدائها الدقيق في الانتقال بين النوطات.أما كنان العظمة وفرقة “حوار” فلم يتعرف إليه البعض، وكان الإقبال لسماع فرقته تجربة لم يكن متوقعاً لها النتائج مسبقاً، لذا كان من الرائع رصد تفاعل الجمهور الذي رحب بهذه التجربة المميزة، وعكس مقولة أن الشعب العربي لا يتفاعل إلا مع الكلمة ولا تعنيه الموسيقى لوحدها. وبدل الإيقاعات التي حفظناها والتي تدفع الى الرقص، لعبت “فرقة حوار” إيقاعات مختلفة وموسيقى خارج المألوف من دون أن نشعر أنها قادمة من خارج التراث الموسيقي العربي، فكان التصفيق الإيقاعي يأتي تأثراً بعد انتهاء كل مقطوعة، وليس خلالها، فقد حثّت موسيقى “حوار” الدماغ على رحلة مختلفة عن الهزّ والتصفيق في حركة انفعالية، فتفاعل معها وراح إلى فضاء رحب لا حدود له، في تسامٍ مع أول لغة عرفها الإنسان..الموسيقى. مع ريما خشيش، كانت البداية مع أم كلثوم من ألحان محمد القصابجي وكلمات أحمد رامي، غنّت “ايها الفلك على وشك المغيب...” بصوتها من دون آلات مرافقة لتجود بدفئه وتبرز قدراته ويدها اليسرى لا تفارق خدّها إلا نادراً، وقد أطلّت بفستان أسود بسيط لا برق عليه ولا زينة إلا عقد شرقي بألوانه وتصميمه، فكانت صوتاً وحضوراً مميزة في المسار الذي اختطته لنفسها في إطلالتها على الجمهور أينما غنت. بعدها غنّت موشّح “فُتِنَ الذي” لفؤاد عبد المجيد المستكاوي، والذي قالت عنه “كنت محظوظة بتعرفي عليه في مصر حين كنت في الثالثة عشرة من عمري، فأخذت منه عدداً من الموشحات أصدرت في سي دي خاص”. ومن مصر إلى لبنان، من كلمات عصام الحاج علي وألحانه، غنّت “الفلك” باللهجة العامية اللبنانية حيث تقول كلماتها “هيدي الغنيّة لإلك/ دواير ونجوم فلك (...)”. ولم تغب السياسة عن أغانيها وهي القادمة من لبنان حيث “كل شيء مسيّس”، فغنّت “حفلة ترف” كلمات ربيع مروة وألحانه، ومن ثم عودة إلى عبد المجيد المستكاوي مع موشّح “أتمنّى” لم تسجّله بعد، إلى “إفرح يا قلبي” التي أبدعت في أدائها بتوزيع جديد، وكان ختام وصلتها أغنية “عشقت مهى”. ورافق ريما خشيش في العزف، عازفون من هولندا، يتشاركون معها في واحد من مشاريعها الغنائية الموسيقية، يوري هونينج على الساكسوفون ومارتين فاندر على الغيتار وطوني أوفير ووتير على الدوبل باص، ورايبرت على الدرامز. وغادرت المسرح على وقع تصفيق الجمهور، وقد علا صوت يطالب بإحدى أغاني أم كلثوم، غير أن الخشبة ما برح القيمون على تنظيمها يحضّرونها لفرقة “حوار” التي أدخلت في تجربتها الموسيقية الجمهور في تجاربه الخاصة في السماع والتحليق إلى فضاءات فكرية أخرى. على العود عصام رافع وصوتاً ديما أورشو وكنان أبو عفش على التشيلو وعمر مسخي إيقاع وكنان العظمة على الكلارينيت، بالإضافة إلى ضيف من نيويورك على الباس دايف فيليبس. هؤلاء هم عماد فرقة حوار الذين أدهشوا الجمهور بالمقطوعات التي عزفوها، وكلّها للفرقة ما خلا المقطوعة الأولى الإفتتاحية لغانم حداد واسمها “رقصة”. سألته “الاتحاد” عن سبب البداية بمقطوعة ليست لهم على الرغم من أنه بات لديهم قرابة الثلاثة اقراص مدمجة (واحد منهم لم يصدر بعد لكنه سجّل منذ نحو السنة في اليابان)، فشرح كنان العظمة أنهم وضعوا البرنامج بناء على الأسلوب التصاعدي وصولاً إلى الاختتام تماشياً مع نظرتهم الموسيقية في برامج الحفلات، من دون ايلاء مسألة اختيار مقطوعة لهم أو لسواهم في البداية أو الإختتام. ومن ثم، عزفت الفرقة مع صوت ديما أورشو مقطوعات “على عجلي” (بسرعة) من تأليف عصام رافع، و”تشرين الثاني” و”شارع 139” و”مطارات” لكنان العظمة. وطلب كنان من الجمهور التركيز على الميلودي في “مطارات” وشجّعهم على المشاركة في أداء جزء منها مع الفرقة، وكان الختام مع مقطوعة “عرس” التي أعطت تطلّعاً مجدداً لأنغام حفلات الأعراس امتزجت فيها التأثيرات الشرقية والبيزنطية الكنسية وايقاعات أميركا اللاتينية بشكل رائع ينطلق من الأعماق، فجاءت نغمة الأعراس المشهورة في بلاد الشام “لي لي لي لي” بفرحة إضافية حوّلت حفل “أنغام من الشرق” إلى عرس حواري مجدّد مع اكتشاف هذه الفرقة واستقدامها لتعزف للمرة الأولى في الإمارات. وكان كنان شكر أمام الجمهور منظمي فعاليات “أنغام من الشرق”، ومما قال “شرف لنا أن نكون في هذا المهرجان، مشاركين بين أسماء كبيرة. لقد دلّلونا وآمنوا بنا، ونتمنى عودة ثانية إلى أبوظبي التي رحّبت بنا”. كنان العظمة... مطارات وأعراس وفصول في غرفة الإنتظار، حيث يشار إليه بالذهاب كلّما حطّ رحاله في مطار جي. إف. كينيدي، أو هي غرفة التحقيق، حيث من الممكن أن يبقى لأربع ساعات قبل أن يفك أسره فيدخل فاتحاً إلى نيويورك التي يمضي فيها متنقلاً بينها وبين دمشق، هناك حيث يلتقي بالوجوه العربية أو بالوجوه القادمة من “محور الشرّ” (يقولها ضاحكاً) قرّر كنان أن يستفيد من الوقت الذي يمرّ بثقل في انتظار توجيه أسئلة تتيح له متابعة طريقه، خصوصاً بعد أحداث 11 من أيلول، فبات كنان يعزف بحرية ويؤلف، فكان لساعات الإنتظار ثمرها مقطوعة “مطارات”، أهداها كنان لكل الوجوه المنتظرة للتحقيق معها قبل نزع صفة الإرهاب عنها، معتبراً أن ثمة مساحة له أتيحت للتعبير عنهم جميعاً . عن تجربته الجديدة واختياره لتغييب النص اللغوي، قال “ثمة أمران رئيسيان دفعاني لهذه التجربة، الأول أنني أعتبر أن كل الآلات الموسيقية وجدت لتنافس بتفاصيلها الصوت البشري، ولهذا وجدت. أما الأمر الثاني فهو أنني عندما أعزف على الكلارينيت أحب أن أكتب لصوت ديما السوبرانو، فصوت آلتي الكلارينيت يشبه صوتها”. وأردف “في هذا المشروع، لا أشعر بضرورة الكلام ليرافق الموسيقى”. أما عن تشكّل الفرقة، فقال كنان أن الفرقة لم تتشكل في إطار البحث عن عازفين على آلات محدّدة، إنما جاءت بناء على لقاء فكري حواري وهاجس مشترك في البحث والتجريب. الولادة للفرقة جاءت منذ عشر سنين بشكل عفوي، ومن ثم كانت ولادتها الرسمية في سبتمبر 2003. وأشار كنان أن عصام رافع كان أستاذه في الهارموني، فاجتمعا وجرّبا العمل على مشروع موسيقي يجمع بين الكلارينيت والعود، وفي العام 2003 التقيا من جديد وبدأت الرحلة مع فرقة “حوار”. وكانت أول طلّة للفرقة في كنيسة الزيتون في دمشق. سألته عن مقطوعته التي عزفها في حفل أول من أمس والتي تشبه في بعض إيقاعاتها موسيقى أميركا اللاتينية، وسبب تسميتها بـ “شارع 139”، فقال إنه يقيم في نيويورك في شارع 139 حيث تقيم جاليات من أميركا اللاتينية فيستفيق ويسمع هذه الإيقاعات تصدح بها البيوت بشكل دائم تقريباً، لافتاً إلى أن شارعه يشبه الأحياء العربية بتفاصيل كثيرة، ومما قال “ثمة تشابه كبير بيننا وبين القادمين من أميركا اللاتينية، من بورتوريكو وكوبا وسواهما، فكتبت هذه المقطوعة متأثراً بهذا المزاج الذي انعكس عليّ في حياتي اليومية، لذا أسميتها باسم هذا الشارع”. وفي أجندة فرقة “حوار” حفل موسيقي في ألمانيا خلال الصيف، وأمل بإنتاج السي دي الثالث الذي تم تسجيله في اليابان وأعلنت عنه الفرقة أكثر من مرة إلى درجة أن الناس “قد يعتقدون بأننا نكذب، على الرغم من أننا نقدم بعض مقطوعات هذا السي دي، لكن لم يفرج عنه القيّمون في اليابان بعد، فماذا أفعل؟”. ويذكر أن كنان العظمة كان قد نال في العام 1997، جائزة نيقولاي روبنشتاين الدولية في موسكو، بالإضافة إلى عزفه بقيادة أشهر الموسيقيين مع أهم الفرق السمفونية، ويحمل ماجستير من جامعة جوليارد في نيو يورك، وعضو في أسرة التدريس في مركز آبيل هيل لموسيقى الحجرة في نيو هامبشير. في الكواليس، تدافع المعجبون بالمقطوعات التي عزفتها الفرقة، وكل يعرّف عن نفسه معبراً عن فرحه وتجاوبه بتجربة “حوار” الموسيقية، فقد ألهبت الجمهور الذي صفّق لها بقوة مطالباً بالمزيد، على الرغم من اتهامه (أي اتهام الجمهور) بأنه لا يحبّ سماع الموسيقى إلا إذا رافقتها الكلمة والقصة... غراماً كانت أو انتقاماً. ديما أورشو... تجربة اختلاف لم يميز الجمهور للحظات، بين صوت الكلارينيت وصوت السوبرانو ديما أورشو بالأوتار “القريبة من القلب” كما تصفها فيزيائياً. قالت أورشو، بعد تأكدها من كتابتي لإسم عائلتها بشكل صحيح بالأحرف العربية، “ان الفرقة، في تجربتها، تحاول الخروج عن النمط التقليدي”. وعن صوتها، قالت “نحاول استخدام الصوت البشري كآلة موسيقية، وبرأيي أن هذا الصوت يوصل ما نريد إيصاله عبر هذا الاستخدام، في حين أن الكلمة وإن أعطت عدّة صور شعرية وإن قادت لقصة أو فكرة معيّنة، فهي تبقى محدّدة في أطر معينة تفترضها. وفي الواقع لم نفكّر يوماً إن كان لزاماً أن يكون هناك كلمة أم لا”. أما عن علاقتها بالفرقة، من الناحية الموسيقية، فتعيد عزفها على الكلارينيت إلى مساعدتها في فهم العازفين، وهي العازفة تستخدم في الفرقة آلتها الفيزيائية الخاصة، “أوتاري الاقرب مسافة من قلبي”، فتخرج من قالب مغنية وفرقة في تجربة جديدة. بصوتها السوبرانو، ترتاح ديما وتستكين، فثمة مساحة للإرتجال في الفرقة، مساحة للّعب بالأنغام التي تأتي وليدة اللحظة، ولذا جاء اسم الفرقة “حوار”. سافرت ديما في اليوم التالي متوجهة إلى شيكاغو، ولم تقرر البقاء لأيام أخرى لأنها اشتاقت إلى ابنها البالغ من العمر عشرين شهراً، وهي المرة الأولى التي تسافر فيها وتتركه منذ ولادته... وقالت “افكر به طيلة الوقت وأريد العودة سريعاً من أجله”. ريما خشيش... «أنت المدلّل» “أعمل في ثلاثة مشاريع موسيقية الآن” قالت ريما خشيش لـ «الاتحاد»، حين استرجعنا معها بداياتها مع المايسترو سليم سحاب، وقد بدأت بغناء الموشحات والأغاني الطربية العربية معه في استرجاع لذاكرة كان قد أصابها الصدأ وافترقت عن جذورها. سألتها عن موشّح “أنت المدلّل يا قمر” فقالت “ياااااه، لقد مرّ زمن طويل على غنائي لهذا الموشّح... يااااه”. ليس بالزمن الطويل بكل معنى الكلمة، فهي كانت في سنّ التاسعة من عمرها حين شاركت مع سحاب، وإن تركته لمشاريع أخرى كان من الطبيعي والمشروع أن تبحث عنها، فهي لا تزال على خط الطرب والأصالة العربية، وإن بتوزيعات جديدة مع المقامات العربية المعروفة. وانطلاقاً من “فرقة بيروت للتراث” مع سحاب، وصلت بمشوارها إلى ثلاثة مشاريع تتنقل بينها، مختلفة ومتقاربة في الوقت عينه، مشروع أداء الشعر لعباس بيضون وألحان ربيع مروة، ومشروع في الطرب مع التخت الشرقي، والمشروع الذي شاركت فيه “أنغام من الشرق” في حفل أول من أمس، وفيه من الموشحات وأغانيها الخاصة. وهي المرة الأولى لريما خشيش في الإطلالة على الجمهور في الإمارات، وقد تأثرت بردة فعل الجمهور معها، ووصفتهم بالرائعين. أجواء من الشرق على سجادة سندباد الطائرة شؤون التجديد الموسيقي وشجونه مع مصطفى سعيد وكنان العظمة أمية درغام (أبوظبي) - يمزح، يضحك، ينفعل... يعزف ويغني... هذه هي الجلسة مع مصطفى سعيد، الموسيقي الذي لا يقبل من يتعامل مع الآلة والنوطة، حوار داخلي قد ينتج عنه التجديد المرتجى في الموسيقى العربية. وعلى سجادة تحلّق الحضور حوله وحول عوده والمسائل الموسيقية التي يطرحها، وحلقوا في الفضاء الرحب على سجادة سندباد السحرية، فطاروا وهم يحملون أثقال الماضي والحاضر والمستقبل، في قاعة مسرح أبوظبي، مساء الأحد الماضي ولم يكادوا يلتقطوا أنفاسهم حتى جاء من يتابع تحليقهم بحوار وموسيقى كنان العظمة وفرقته “حوار”. كان الجمهور المقتصر على المتخصصين وطلاب العود في بيت العود في أبوظبي وأساتذته وعدد من أصدقاء مصطفى سعيد وكنان العظمة، يتوقع محاضرة لهما يلقياها فيمضي من يمضي في انتظار استكمال سهرات “أنغام من الشرق” الذي ينظم على هامشه محاضرات وحوارات حول الموسيقى العربية، في تكرارها وتجديدها، بقديمها وجديدها... بحثاً بين النوطات الموسيقية عن محاولات التجديد فيها من خلال استمرار خط معيّن أو عبر كسر كل الخطوط والمسارات في انتفاضة طال انتظارها. فكان إن جلس، مصطفى سعيد، في قعدة عربية على السجادة وهو “يدوزن” عوده قبل إطلاق إنذار البداية الرسمية للمحاضرة، فتبعه الحضور متخلين عن كراسي المسرح، مساقاً نحو العفوية في الجلوس للحوار، متعطشاً للخروج عن التقليد السائد في الإيقاعات. ولأن الجلسة تخلّت عن رسمياتها فسعى لحوار مباشر، طالب الحضور بالبقاء على جلوسه هذا متآلفاً مع أجواء المسرح... وعلى السجادة التي قالوا إنها سجادة طائرة، بدأ النغم ولم يغب الشجن، فمصطفى سعيد يحكي بلوعة حيناً عن التجديد في الموسيقى العربية، وبتصميم وتشديد على العبارات والمواقف أحياناً أخرى. عارياً من الرسميات ومتآلفاً مع المسرح، قاد الحوار مصطفى سعيد نحو شبه النهايات، وكاد أن يثير حفيظة بعض الحضور لدى حديثه عن محمد عبد الوهاب وسيد درويش، والرحابنة من دون أن يذكر اسمهم في ردّ على أحد الأسئلة. وورط مصطفى من أتى بعده محاوراً، أي كنان العظمة وفرقته، وهي لم تكن ورطة إنما قيادة لاتجاه الحوار. وقد أصر كنان أكثر من مرة على متابعة ما أثير من نقاش مع مصطفى سعيد. مصطفى يقترح موسيقى عربية ويقول إنه يجدّد فيها بعد أن استوعب الكلاسيكي القديم منها. وكنان يقترح نمطه الخاص وفرقته، مازجاً بين الشرقي والجاز لخرق التكرار. يقول مصطفى “لا بد للتجديد أن يأتي من الداخل”... يتحدث بالفصحى فنسأله مع تعدد اللهجات العربية اختياره للفصحى، فيشير إلى أن الفصحى تطورت كما العاميات، والموسيقى الكلاسيكية هي الفصحى إذا أردنا البحث عن مرادف بين اللغة والموسيقى، وثمة منها القديم والمعاصر، ويمازح بقول جملة عربية بالفصحى لم يفهم منها أية كلمة ولم تلق صدى له تفسيراته في آذان الحضور.. جملة سيجدها كل من يسمعها اليوم، ليست صعبة وحسب، وإنما قادمة من عالم آخر. ويقول عن موسيقاه “أنا لم ألبس طربوشاً وأغني أمان يل لالالي... ومقاربتي التي قد يخالفني البعض عليها، هي التجديد من الداخل. ويشير إلى أن كثيرين هم من يدعون التجديد في الموسيقى في حين أن أعمالهم لا تعدّ إلا قصاً ولصقاً من الموسيقى الغربية. وانتقد محاولات التجديد بمجرد إضافة آلة موسيقية غربية كالبيانو وسواه، مدللاً من المراحل التاريخية التي مرّت على العالم العربي إلى التيارات التجديدية التي لم تخرج من البكاء على الأطلال في معظمها وعن التكرار الببغائي، وقال “لم تأت معظم المحاولات إلا تجديداً للهزيمة عبر التكرار أو التوقف عن التطوير من الداخل”. وبرّر لهذه “الهزيمة” أو الانحدار بأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية تأتت عن الاحتلالات والاستعمار المتعاقبة، قائلاً “لا ألوم من حاول التجديد فكرّر وقلّد في النتيجة، فلو عشت تلك المراحل ربما كنت سأفعل المثل”. وتحاشى مصطفى سعيد الولوج إلى مطبّات تحديد الأسماء، فقاده الحضور إلى محاولة استقاء أمثلة منه عن المجددين المقلّدين، فكان الهروب بلعب على العود لموشّح “لما بدى يتثنى” بأسلوبه القديم وأسلوب يحاول التجديد فيه، إلى أسلوب مختلف يشكل مسرحاً للّعب في النغمات من دون قيود إلى حدّ ما، مستخدماً العود وصوته في إعطاء المثال. غير أنه لم يسلم من التحديد للحضور، فسئل عن سيد درويش ومحمد عبد الوهاب والرحابنة، وبدا كأنه أخرج أساساً “الرحابنة” من المعادلة من دون الخوض في إعطاء رأي سلبي أو ايجابي بالرحبانيين عاصي ومنصور. يؤكد اضطلاعه على كل ما قدمه سيد درويش من خلال اطلاعه على ألحانه من جهة، وعلى سيرة حياته من جهة ثانية، ولم ينف محاولات سيد درويش المجددة، مشيراً إلى أن سيد درويش، وكان هاو لتجميع الصور، حمّض بنفسه صورة ذاتية لنفسه، إحدى الحالات لرجل يرتدي جبة المشايخ والثانية لرجل يرتدي الزي الإفرنجي، والثاني يضرب الأول برجله (تعود الصورة إلى العام 1921)، معتبراً أن تجربة درويش تجربة إنسانية، وقد طوّر فيها سيد درويش في قلب الدور وأضاف للموشّح مع إمكانيات الارتجال في الموسيقى، مفضلآً عدم الانقياد في الحديث للتدليل على الأخطاء لدى سيد درويش، ولكنه انتقد إدخاله لآلة البيانو في عزف ألحانه. واعتبر أن تجربتي محمد عبد الوهاب وسيد درويش، تبقى للتاريخ كي يحكم عليها، كما سيحكم عليه هو، قائلاً “قد يذكر التاريخ أعمالي وقد أوضع في “مزبلته””. وأضاف “ليس لي أن أصنّف، لي أن أحكم على ما أعيشه أنا، ولم أعش زمن أي منهما لأحكم”. وإذ لم ينف الاستفادة من دراسة الموسيقى الغربية، رأى أن المشكلة تكمن في دراسة الموسيقى الشرقية من وجهة نظر غربية. واعتبر أن اختلاط “الحابل بالنابل، أي دراسة الموسيقى الشرقية من خلال الموسيقى الغربية، جعل من الموسيقى الشرقية مجرّد نكهة كما لو أنها مجرد جمل وصحراء، عوض أن تأتي كتجربة خلط متساوية نداً لندّ”. وقال “مسألة التطوير من الداخل لا أطرحها كخيار وحيد إنما كتيار من الخيارات والتيارات الأخرى المتواجدة على الساحة”، شارحاً بأنه لا يريد تكرار الماضي بشكل ببغائي أو الحومان في دائرته، إنما الأخذ من التراث ما يمكّننا من تطوير الموسيقى الشرقية”. ولفت إلى أن معظم العاملين في المجال الموسيقي يبدأون من الصفر، في حين أنه ليس هناك ضرر من البناء على الإرث الموسيقى كما حصل مع الموسيقى الغربية، ورأى أن المعادلة الصحيحة تقوم على الاستمرارية من حيث انتهى الآخرون، ولذا كان اقتراحه وعمله مبني على التطوير من الداخل، من دون أن يكون من يقترح طرحاً آخر على خطأ. وفي ختام الحوار معه، لعب وغنى على مقام الحجازي “أراك عصي الدمع”. فرقة «حوار» ديما أورشو وعصام رافع كانا الحاضرين من فرقة “حوار” إلى جانب كنان العظمة، وشاركهم دايف في العزف وقد شارك معهم العزف في الليلة التي تلت الحوار معهم. الباقون من الفرقة كانوا لا يزالون في الجو في رحلتهم من سوريا إلى أبوظبي. وكان من المقرر أن تشارك في الحوار ريما خشيش من لبنان، غير أنها اعتذرت لوصولها تواً من المطار. تحدث كنان العظمة عن فرقة “حوار” وكيفية تأسيسها، من خلال التجمع بين أصدقاء لديهم الحماس للعمل الموسيقي في إطار جديد. ولفت إلى تقاطع مع أفكار مصطفى سعيد في البحث عن موقع الموسيقى الشرقية اليوم، ومما قال “أين نحن موجودين؟”. وأشار إلى أن اسم الفرقة جاء ليعبّر عن فكرتهم بالعمل الجماعي وليس بالعمل ضمن مجموعة كل من أفرادها يعمل في مفهوم فردي، ولا يتحاور مع سواه. وعبّر عن وضع الفرقة وعملها، قائلاً “ليس لدينا الهاجس بأن يكون ما نخلقه يضيف تطويراً أو لا، إنما المسألة من هذه الناحية شخصية والعمل في الفرقة يحقق لنا متعة شخصية وفكرية، فنحن نحاول أن نقدم ما نحبّه نحن، وربما هذا الذي نحبّه لن يلقى استحساناً أو لن يحبّه الجمهور”. وأشار إلى أن كل ما يقدموه من تأليفهم، ولديهم ألبومان في السوق، ألبوم “حوار” الذي أنتج في العام 2003، وألبوم “تسعة أيام من العزلة” وثمة ألبوم ثالث تم تسجيله في اليابان ولم يسمّوه بعد، كما لم يصدر في الأسواق. وعزف أعضاء الفرقة الموجودين مع غناء ديما أورشو، مقطوعة “تشرين الثاني” من ألبومهم الجديد، وجرى حوار حول التجديد الموسيقي خصوصاً أن فرقة “حوار” تطرح ألحاناً مجدّدة من دون التركيز على كونها شرقية أو غربية.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©