أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كالنجوم، الكل يضيء بنور الإيمان فيشع هذا النور أنواراً ليضيء للبشر طريقهم، وكل واحد على قدر نوره من اقترابه من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومنهم من يقتبس الصحابة أنفسهم من أنواره ويفتخرون به وإليه يرجعون، ومن هؤلاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ـ أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف -ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم ـ رباه رسول الله في بيته قبل البعثة، فحمل عن رسول الله أنواره وهديه، وكان أشبه الناس به.يقول أبو جعفر الطبري في كتابه «الرياض النضرة في مناقب العشرة»: فلما بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرسالة وكان عليّ وقتها له من العمر سبع سنوات أسلم، فقال له رسول الله بعد أن تستأذن من أبيك، فقال عليّ رضي الله عنه في حكمة بالغة وعقل ذكي: يارسول الله لما خلقني الله هل أستأذن من أبي في خلقي فقال رسول الله لا فقال علي إذن كيف أستأذن أبي في دين الله.
لقد شب علي رضي الله عنه في قوة إسلام وحسن إيمان وضرب به المثل في الشجاعة في كل موقف يقفه، لقد بات مكان رسول الله وقت الهجرة مضحيا بنفسه، وفي غزوة الخندق « الأحزاب «خرج لقتال عمرو بن عبد ود وكان يتمتع بالقوة والشجاعة في ذلك الوقت ، فخرج إليه مبارزا فقتله وخلص المسلمين من شره، فلما علمت أخته بمقتله حزنت، وقالت من قتله فقالوا لها إن الذي قتله هو علي بن أبي طالب، فقالت الآن ارتاح قلبي لأنه ند له.هذا خلاصة ما ذكره صاحب «الروض الأنف» من مبارزة علي لعمرو بن عبد ود. ولما توفي رسول الله غسله عليّ ودفنه بيده، ثم تولى الخلافة أبو بكر الصديق وبعده عمر الفاروق وبعده عثمان بن عفان، ثم تولى علي بن أبي طالب الخلافة، فكان رابع الخلفاء الراشدين والذين قال فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي، فأعلم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته أن عليا يسير على نهجه ويسلك طريقه، وأن رأيه سديد لا خطأ فيه. لقد امتاز عليّ رضي الله عنه بعشرخصال لم يشاركه فيها أحد، فيذكر الإمام أحمد في مسنده وكذلك المحب الطبري في» الرياض النضرة» كلاما مفاده أن ابن عباس أتاه سبعة رهط طالبين منه أن يذهب معهم وأخذوا يتحدثون في شأن عليّ منتقصين من قدره ، فتركهم وهو ينفض ثوبه، ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له عشر خصال لم تكن لغيره ويقصد بالرجل عليا بن أبي طالب. أولها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله ورسوله. وتمنى كل الحاضرين أن يكون هو فسأل عن عليّ فلما جاء هز النبي الراية ثلاثا وأعطاه إياها. ثانيها: أن النبي بعث رجلا بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها منه وقال: لا يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه. ثالثها: أن النبي قال لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة و عليّ معه جالس فأبوا؛ قال: عليّ. أنا أواليك في الدنيا والآخرة. فتركه النبي ثم أقبل على رجل منهم، فقال أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ فأبوا؛ فقال عليّ: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ أنت وليي في الدنيا والآخرة. رابعها: أن عليا أول من أسلم من الناس بعد خديجة وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة والحسن والحسين، قائلا: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . خامسها: أنه لبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة ثم نام مكانه، فكان المشركون يرومون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر وعليّ نائم وأبو بكر يحسب أنه نبي الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال له علي: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم انطلق نحو بئر ميمون فأدركه. فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار. سادسها: أن النبي خرج بالناس في غزوة تبوك فقال له عليّ؛ أخرج معك؟ فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي؟ إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي سابعها: قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت ولي كل مؤمن بعدي وسد أبواب المسجد إلا باب علىّ. فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره . ثامنها: قال النبي من كنت مولاه فإن عليا مولاه. تاسعها: أن الله أخبر في القرآن أنه قد رضي على أصحاب الشجرة، وأنه اطلع على أهل بدر ـ و علىّ منهم ـ فقال اعملوا ما شئتم. عاشرها: لقد زوجه رسول الله من ابنته فاطمة أحب الناس إلى قلب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويكفيه هذا شرفا له. قال عنه الدكتور محمد حسين الذهبى في كتابه «التفسير والمفسرون» كان رضي الله عنه بحراً في العلم، وكان قوي الحُجَّة، سليم الاستنباط، أُوتِىَ الحظ الأوفر من الفصاحة والخطابة والشعر، وكان ذا عقل قضائي ناضج، وبصيرة نافذة إلى بواطن الأُمور، وكثيرا ما كان يرجع إليه الصحابة في فهم ما خفى واستجلاء ما أشكل، وقد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء اليمن، ودعا له بقوله: «اللّهم ثبِّت لسانه واهد قلبه»، فكان مُوفَّقا ومُسدَّدا، فيصلا في المعضلات، حتى ضُرِب به المثل فقيل: «قضية ولا أبا حسن لها»،جمع علىّ رضي الله عنه إلى مهارته في القضاء والفتوى، علمه بكتاب الله، وفهمه لأسراره وخفى معانيه، فكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التأويل، وقد رُوِى عن ابن عباس أنه قال «ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليّ بن أبي طالب».وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عليّ رضي الله عنه أنه قال:»واللهِ ما نزلت آية إلا وقد علمتُ فيم نزلت، وأين نزلت، وإن ربي وهبَ لي قلباً عقولاً، ولساناً سؤولاً».
عدد اليوم
