السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابن زُهْر رائد الطب العلاجي والجراحي

ابن زُهْر رائد الطب العلاجي والجراحي
24 أغسطس 2009 01:26
ابتكر أبو مروان بن زُهر الطبيب المرموق والعالم النابغة العديد من الطرق العلاجية لمداواة الكثير من الأمراض التي كانت مستعصية في عصره واستحق بمؤلفاته العلمية التي لا تزال محفوظة في متاحف الدول الغربية الكبرى لقب الطبيب العالم• هو أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء زُهر بن محمد بن مروان بن زُهر الإيادي الأشبيلي، ولقب بـ «الإيادي» لأن أسرته من قبيلة إياد العربية، وبـ»الأشبيلي» لأنه قضى معظم حياته في أشبيلية إحدى أشهر مدن الأندلس، وأطلق عليه اختصارا أبو مروان بن زُهر واسمه في المراجع الأوروبية هو «Avenzoar». وقد وُلد في «بنجلور»بالأندلس في عام 464هـ الموافق 1072م، وهو يمثل الجيل الثالث في أسرة عريقة، أنجبت على مر القرون - من الخامس الهجري إلى السابع الهجري ـ علماء وأدباء وفقهاء وشعراء ووزراء، وانتشر فيهم الأطباء فهو بحق وريث الطب ومورثه، ورثه عن أبيه وعن جده وورثه لأبنائه ولأحفاده• ويقول الدكتور كارم غنيم -الأستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية -إن أبا مروان بن زُهر قد عاش في ظل حكم المرابطين ثم تولى الوزارة في حكم الموحدين• وكان له منهج علمي فريد، وقد زار أنحاء متفرقة من العالم الإسلامي لشرح هذا المنهج وعمل طبيبا مرموقا بتونس ومصر لنشر منهجه الطبي، وكان يدعو إلى التخصصية وضرورة عكوف الأطباء على مجال الطب، وعدم اشتغالهم بمجالات أخرى أو إنفاق أوقاتهم وبذل جهودهم في الأدب أو الفلسفة أو غيرهما مما لا يخدم الطب والمرضى. وكان ابن زُهر نفسه مثالا يُحتذى في هذه الدعوة، فقد نذر حياته كلها للطب فقط، تجريبا وبحثا وتأليفا وممارسة وتعليما• وتأثر به الفيلسوف العلامة الأندلسي ابن رشد، وكان يجله إجلالا عظيما، حتى قدمه على الرازي وابن سينا في الطب، وطلب منه أن يشاركه في وضع كتاب فكان كتاب «الكليات»الذي وضعه ابن رشد، وكان الكتاب المتمم له هو «التيسير»، الذي وضعه ابن زُهر• وأنجز ابن زُهر إنجازات علمية مهمة فقد استطاع أن يبتكر أسلوبا في علاج المرضى، إذ كان يوفر لهم وسائل الترفيه، ويسمعهم الموسيقى ويأتي بالقُصّاص والشعراء ويعرض عليهم «خيال الظل»لتسليتهم وتخفيف آلامهم• كما درس وابتكر في الأمراض النفسية، ونصح بحسن معاملة المرضى والرفق بهم والتعرف على أحوالهم والسماع لكلامهم وتهدئتهم، ومراقبة تأثير الدواء فيهم خلال ثلاثة أيام• وهو أول مَن وصف خُرّاج الحيزوم، والتهاب التامور «غشاء القلب أو الشغاف»اليابس والانسكابي، وميـّز بينه وبين التهاب غشاء الرئة»• ووصف السل وعملية استخراج الحصى من الكلى، وفتح القصبة الهوائية، ووصف التهاب الأذن الوسطى، وعالج خراريج فوق الرئة بشق الصدر وتطهيرها• كما نجح ابن زُهر في علاج شلل البلعوم بثلاث طرق مختلفة• وتوصل أبن زُهر إلى أفضل علاج للحُمى في الأعضاء، ومن قوله في هذا: «أما أنا فلا شيء عندي أفضل من صب الماء البارد»• وابتكر في مجال التخدير طريقة الإسفنج المنوم «أو المرقد أو المخدر» وهو قطعة من الإسفنج الطبيعي، تُغمر في مزيج من المواد المنومة والمخدرة مثل: الأفيون والمواد العطرية مثل ست الحسن والزؤان، ثم تُجفف في الشمس، وتُحفظ• وعند استعمالها تُبلل بالماء فتنبعث منها أبخرة المادة المخدرة «المورفين»إلى أنف وفم المريض أثناء إجراء الجراحة له• كما كان ابن زُهر يخيط الجروح بعد الجراحة لمساعدتها على الالتئام• ودعا إلى استعمال النباتات والأعشاب والمواد الطبيعية لعلاج الإمساك، ونهى عن استعمال المسهلات التي كان الأطباء يسرفون في وصفها للمرضى، وكان يقول: «إنما هذه المسهّلات سموم»، ونصح ابن زهر باستعمال الخل والفلفل للوقاية من الحُميات العضوية، واتضح حديثا صدق ما قال، حين اكتشف علماء الميكروبيولوجيا أن البكتريا لا تعيش في وسط حامضي أو زيت، كالزيت الحرّيف الطيار الموجود في الفلفل• ووصف طفيل الجَرَب، وإن كان قد سبقه إلى هذا على الطبري، وكان يُسميه «قمل الجَرَب»• ومارس ابن زهر العمليات الجراحية في المخ والقلب والكبد والمعدة والصدر وكان له ولأبي القاسم الزهراوي، الفضل في تمهيد الطريق لظهور الجراحـة الحديثة• ويذكر المؤرخون لابن زُهر إنجازات مهمة في أمراض الحلق والحنجرة والقلب والسرطان، وكذلك في أمراض العيون وجراحة العين المصابة بالحثار «تراكوما»• وكان ابن زهر على بينه من أن تلوث أدوات الجراحة يسبب تلوث الجروح، ولذلك كان يعقم آلات وأدوات الجراحة جيدا بالماء، وأحيانا بعسل النحل وأحيانا أخرى يمزج بينهما، قبل إجراء الجراحة• كما كان ابن زهر بارعا في علاج الكسور واستعمال الجبائر• وكان يحضر الأدوية والأشربة من النباتات والأعشاب، حتى وإن كانت تأتي من الهند وبلاد المشرق، فلقد كان عالما بأوزانها ومفرداتها وأسمائها باللغات العربية والسريانية واليونانية • وترك أبو مروان بن زُهر ثروة كبيرة من المؤلفات الطبية، ولكن ضاع معظمها، ولم يبق منها سوى «الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد «، و»الأغذية «أو «التغذية»، وكتابه الشهير «التيسير في المداواة والتدبير»• أما كتابه «الاقتصاد «، فقد ألفه ابن زُهر للسلطان إبراهيم بن يوسف بن تاشفين من دولة المرابطين• وكان كتابه «التيسير»، تتمة لكتاب «الكُليات» الذي وضعه ابن رشد وكان يهتم بـ «الجزئيات»، كما طلب ابن رشد ويدرس الأمراض مرضاً مرضا، والأعضاء عضوا عضوا• وقد ختمه بقوائم للوصفات الطبية سماها «الجامع»، ووصايا في تركيب الأدوية واستعمالاتها• وناقش كتاب «القانون «لابن سينا، و»الكتاب الملكي «لعلى بن عباس المجوسي وقد تُرجم هذا الكتاب إلى اللاتينية في إيطاليا عام 1281م، كما نقله «ارافيشيوس»إلى اللاتينية عن العبرية وطبع في البندقية عام 1490م، كما تُرجم إلى لغات أوروبية أخرى• ومن مؤلفاته أيضا كتاب «التعليق في الطب»، وهو مخطوط محفوظ في دبلن «أيرلندا»، وكتاب «الزينة»، و «طرق استحضار الأدوية والحُميات»، و «الترياق السبعيني»، وقد ألفه ابن زهر للسلطان أبي محمد عبد المؤمن من دولة الموحدين، وكتاب «التذكرة»، وهو مترجم إلى الفرنسية ومطبوع بفرنسا وكتاب «الجامع»، ورسالة في علتي البرص والبهاق، ومقالة في علل الكلى• وتوفى أبن زُهر في أشبيلية في عام 557هـ /1162م•
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©