الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وادي الملوك

11 مايو 2010 21:20
يا الله، ما أجمل هواء مدينة الأقصر المصرية في مساءات هذه الأيام، يشعرك هذا النسيم البارد بالرغبة في ملء رئتيك بالهواء النقي الذي تفتقده في زمن التلوث.. هذه المدينة التي يغلب عليها طابع القرية، تعتبر أكبر متحف مفتوح في العالم، مسكونة بغموض وأسرار عظماء النيل وملوك الفراعنة، وبعجائب أضرحتهم ومعابدهم القديمة، وبرائحة أشجار النخيل والحقول الممتدة على طول النهر العظيم.. يلفت نظرك نظافة المدينة ونقاء هوائها وخلوها من الضجيج والتلوث والضوضاء الذي يوجد عادة في المدن، وخلوها من «الشحاتين» والمعاكسين الذين يتفننون في مضايقة المارة والزوار، وكل أهل هذه البلدة تجمعهم الطيبة والسماحة وتقديم العون للزوار الغرباء، وهم أكثر حظاً من غيرهم، فالكل مشغول بعمله إما بالزراعة وإما بصناعة السياحة وما يتعلق بها، هناك عدد كبير من الشباب من أهالي هذه البلدة لا يعرفون كتابة العربية، لكنهم يتحدثون بلغات أجنبية كالإنجليزية واليابانية والروسية والألمانية، وهم يعملون كمترجمين ومرشدين سياحيين للسياح الأجانب من جنسيات عدة، ويحصلون على فرص عمل تدر دخلاً عالياً نوعاً ما مقارنة بالوظائف الحكومية. في ذلك المساء، سرت بمحاذاة النيل بعد جولة في المدينة عائداً إلى مقر إقامتي، الهدوء يعم المكان وهذه البلدة تنام مبكراً، ولم يكن من أحد في شارع الكورنيش غير عربة يجرها حصان عجوز كان يصدح منها صوت مطرب شعبي، يبدو أنه يلقى رواجاً في هذه البلدة التي تعيش على ميراث الملوك وأساطيرهم.. كان هناك رجل في خريف العمر يجلس هو وزوجته على مقعد يتناولان المكسرات اشترياها من بائع متأخر عن موعد عودته إلى منزله في أقصى المدينة. في الضفة الأخرى، كان بريق أضواء الحراسة على مقابر النبلاء في وادي الملوك ينعكس خافتاً على صفحة مياه النيل الهادئة التي حركتها أمواج أحدثها قارب صغير يحمل شخصين ربما كانا يحاولان صيد بعض الأسماك لبيعها في السوق في الصباح.. كان الضوء الخافت في تلك الضفة يلقي بمزيد من الغموض على وادي الملوك وعلى ساكنيه الذين لم يعرفوا أن استعدادهم للحياة في العالم الآخر سينقلب شؤماً ووبالاً عليهم؛ لأن لصوص المقابر لم يتركوا لهم شيئاً مما خبأوه لدرجة أن أجسادهم نهبت وبيعت وهربت، ولدرجة أن لعناتهم التي وضعت لتحرسهم انقلبت عليهم فأحرقتهم قبل أن تحرق اللصوص، وتلك مفارقة تجعلنا نفكر ونتأمل ما بقي من الحضارة الفرعونية القديمة.. سعيد سالم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©