الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الديكتاتور» ترصد حالات هذيانية لشخصيتين تتداخل في أعماقهما مشاعر الخنوع والقوة

«الديكتاتور» ترصد حالات هذيانية لشخصيتين تتداخل في أعماقهما مشاعر الخنوع والقوة
18 مارس 2013 23:32
إبراهيم الملا (الشارقة) ـ احتضنت القاعة الكبرى لقصر الثقافة بالشارقة مساء أمس الأول وفي أولى العروض الافتتاحية للدورة الثالثة والعشرين من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، العرض اللبناني «الديكتاتور» الفائز بـ «جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي» في الدورة الخامسة من مهرجان المسرح العربي التي نظمتها الهيئة العربية للمسرح في قطر يناير الماضي، حيث بات عرض المسرحية الفائزة بهذه الجائزة الأهم عربيا في افتتاحية أيام الشارقة تقليدا مسرحيا ثابتا للمهرجان منذ دورته الفائتة وسيتواصل في الدورات القادمة. عرض «الديكتاتور» قدمتها فرقة «بيروت الثامنة والنصف» ومن تأليف الكاتب المسرحي الراحل عصام محفوظ، وسينوغرافيا وإخراج لينا أبيض، وشارك في تنفيذه أدائيا على الخشبة كل من الفنانة المخضرمة والعتيدة جوليا قصار في دور الدكتاتور، والفنانة عايدة صبرا في دور الخادم سعدون. ورغم أن زمن كتابة عصام محفوظ لنص الديكتاتور يعود إلى العام 1968 إلاّ أن أجواء وظلال وتفاصيل العرض بدت وكأنها تحاكي وتتأسس وتقتنص ما يتشكل من ظواهر استبدادية سبقت الثورات الناشئة حديثا في بعض البلدان العربية، كما أنه نص يتنبأ ويستشرف ما يمكن أن يتمخض من معطف هذه الثورات، حيث يمكن لصنّاعها ومولّدو شرارتها أن يتحولوا بدورهم إلى طغاة يمارسون ذات الدور الذي ناضلوا ضده طيلة عقود وطيلة عذابات مرارات وتضحيات فردية وجماعية شاقّة ومتراكمة. وبدا للمتفرج ومنذ إطلالته الأولى على سينوغرافيا العرض وعلى الشخصيتين الرئيسيتين فيه، أن المعالجة الإخراجية الجديدة للنص من قبل لينا أبيض ستعمل في حقل التقمص وتبادل الأدوار بين الذكورة كسلطة خارجية متباهية بذاتها وقوتها، وبين الأنوثة كطبقة مقموعة ومهمشة ولكنها في ذات الوقت تناور على وضعها وتتجاوز ضعفها من خلال المقاومة الداخلية الناعمة التي يمكن إحالتها وإلحاقها بتكنيكات دفاعية وغريزية مثل الحيلة والدهاء والمكيدة التي تختزنها الأنثى وتستنجد بها في هكذا ظروف ومواقف، ومن هنا أيضا تلتقط لينا أبيض قفاز التحدي وتدمج ما هو هشّ ورقيق افتراضا مع هو صلد وشرس واقعا، وكأن الزمن يعيد نفسه، وكأن ما حدث قبل أربع وأربعين عاما من انقلابات ثورية في الوطن العربية يمكن أن يتكرر تحت لبوس وأقنعة وشعارات جديدة ولامعة ولكنها تخفي الكثير من العسف المتواري والاستبداد المبطن والقابل للانفجار في أية لحظة. يقوم العرض على ديكور متقشف تتوزع على جوانبه أربع مرايا معلقة وستة مكعبات سوداء تتحول إلى كراسي تارة وإلى سرير تارة أخرى، وإلى مذبح داكن في نهاية العرض، ومن خلال ملابس سوداء أيضا لكلا الشخصيتين والمتمثلة في بزة الديكتاتور (جوليا قصار)، وزيّ الخادم (سعدون)، ينبني ثقل العرض وتأثيره داخل فضاء مغلق وشكوكي بامتياز، بحيث تبقى الأحداث الحقيقية الكبرى في الخارج مثل هروب الملك والصدامات والمعارك والخيانات وكأنها تنتقل من الهامش التخيلي إلى اللعبة الدرامية الحارة والمتصادمة والمدوّخة التي تدور بين الديكتاتور وخادمه في واجهة الخشبة، فنرى جوليا قصار وهي تمعن في قسوة ظاهرية تتلبسها وتتوضح في طريقة مشيها غير المتوازنة والنغمة القاسية في صوتها، بينما تتنازع (عايدة صبرا) حالات من التمرد على عبودية الخادم الداخلية، والعطف على الشعب الممزق في الخارج، وحتى الإيمان بافتراضية أن تكون هي الملك الهارب الذي لم يعثر عليه أحد، وفي هذا المناخ المحتشد بحالات هذيانية لشخصيتين تتناوب في أعماقهما مشاعر الخنوع مع مشاعر القوة، وكوابح الاستلاب مع دوافع الهيمنة، ينتهي الأمر إلى أن يقتل الجنرال خادمة كأضحية لخلاص نفسي ضد ملك أو عدو لا يمكن الظفر به أو ضد شعب لا يمكن تحويله إلى قطيع مسلوب الإرادة أو إلى قطع شطرنج ونسخة هلامية من الديكتاتور ذاته. استطاعت لينا أبيض في هذا العمل الأنثوي شكلا ومبنى وتعبيرا، أن تتجاوز الثنائيات البيولوجية بين المرأة والرجل، وأن تستحضر الزمن القديم للنص إلى الزمن الحاضر من خلال عناصر مكثفة ومكتنزة عند رسمها لشخصيتي السيد والعبد، وعند لجوئها للمرايا الكاشفة لما هو مضمر وخفي في الدراما البشرية ذاتها وبكل تناقضاتها وجنونها وتطرّفها، كما أن المخرجة استطاعت أن توظف الإضاءة وتعدد الألوان المنعكسة على عمق الخشبة كي تبث الكثير من الإشارات والدلالات الموجعة المعبّرة عن ميراث العنف والدم والدموع والدمارات المتوارثة مثل جينات لعينة في جسد الأرض، وفي هوس الفكرة ابتداء من رأس الهرم المتفرد والمتعالي والقابل للمتبخّر أيضا، وليس انتهاء بالقاعدة المهمشة والمسحوقة تحت حذاء عملاق يطحن ما تحته ولا يبالي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©