الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفساد العالمي: خطوات المواجهة

11 مايو 2010 22:45
يعيق الفساد الانتعاشَ الاقتصادي في هايتي وأفغانستان، وغيرهما من البلدان الخارجة من كوارث طبيعية أو تلك التي تمزقها الحروب، ولكن ذلك ليس نتيجة حتمية. غير أنه من أجل محاربة الفساد بفعالية، يجب أولًا أن نفند أسطورتين اثنتين: أولاهما أن الفساد مسألة ثقافية، وثانيتهما أن كل ما هو مطلوب من أجل التغلب على الفساد، هو اعتقالات للمسؤولين الفاسدين وسط تغطية إعلامية واسعة. إن الفساد، والمقصود به استغلال السلطة من أجل تحقيق مكاسب خاصة، يمكن أن يتخذ شكل رشوة أو محاباة الأصدقاء أو السرقة أو الاحتيال أو الابتزاز. غير أن تفشي الفساد بشكل كبير يحد كثيراً من مستوى معيشة بلد من البلدان؛ حيث تُظهر المقارنة بين متوسط دخل الفرد والترتيب السنوي الذي تصدره منظمة "الشفافية الدولية" بخصوص انتشار الفساد في العالم أن قلة قليلة من البلدان نزيهة وفقيرة في آن معاً، وأن لا وجود لبلد غني وفاسد في الوقت نفسه. وبالتالي، فإن أي بلد نامٍ لا يهاجم الفساد بشكل جاد يمكنه أن يتوقع نمواً اقتصادياً أكثر بطئاً، غير أن كل المحاولات الرامية إلى محاربة الفساد تقريباً تفشل لأن الزعماء السياسيين يميلون إلى التعامل مع الأساطير، وليس مع الحقائق. ولعل إحدى أكثر الأساطير المتعلقة بالفساد ضرراً هي تلك القائلة بأن الفساد ثقافي في الأصل. ذلك أنه إذا كان صحيحا أن البلدان التي تتميز بظروف عيش قاسية وتجارب الاحتلال ومعتقدات دينية معينة تميل نحو الفساد عموماً، فإنه صحيح أيضاً أن السياسات العقلانية تستطيع أن تقلب هذه الميول. والشاهد أنه مقابل كل بلد يوجد ضمن الثلث الأول أكثر الدول فساداً -مثل العراق وكوريا الشمالية والصومـال وأوكرانيا وهايتي- يوجد بلد من المنطقة نفسها يوظف بنجاح نسبي على الأقل مثل هذه القوانين ويحتل مرتبة ضمن الثلث الأول من أكثر الدول نزاهة. أما الأسطورة المضرة الثانية، فتتمثل في كون أفضل طريقة للتغلب على الفساد هي الإعلان عن حملة لمحاربته يتم خلالها اعتقال مجموعة من المسؤولين الذين يفتقرون إلى النفوذ السياسي. غير أنه سواء كان ذلك على الصعيد الوطني أو الوزاري، فإن التجربة تُظهر أن تأثير هذا النوع من الاستراتيجيات الضيقة لمحاربة الفساد مؤقت؛ وهناك مقولة بين أفراد الشرطة مفادها أن التخلص من تفاحة فاسدة من دون التخلص من البرميل الفاسد تعني أنك ستضطر إلى أن تعيد الكَرّة العام التالي. والواقع أن النهوض بفرض القانون والعلاقات العامة يعد جزءا ضرورياً من أي استراتيجية لمحاربة الفساد في أي بلد من البلدان، غير أنه إذا كان الجزء الوحيد، فإن مصير الاستراتيجية سيكون هو الفشل. إن تجربة بلدان نجحت في تقليص الفساد بشكل كبير تُظهر أهمية تحسين جودة الحكم وخفض الحوافز الاقتصادية للفساد؛ ولكن ذلك يجب أن يشمل أكثر من قانون جديد للسلوك وكشف إجباري عن حسابات وممتلكات المسؤولين؛ ذلك أنه من دون صحافة حرة وبعض المنافسة السياسية، فإنه من الصعب الوصول إلى درجة الشفافية والمسؤولية الرسمية الضرورية لتلافي تجدد الفساد. ولكن الأصعب من ذلك هو خفض الحوافز الاقتصادية للفساد؛ ففي كثير من البلدان، يتميز القطاع العام بكثرة الموظفين الذين يتقاضون أجورا منخفضة. ونتيجة لذلك، يتلقى بعض المسؤولون الرشى من أجل تعزيز رواتبهم. ولذلك، فإن تبسيط البيروقراطية بموازاة مع زيادة التعويضات لبقية المسؤولين أمر ضروري. ولكن لما كانت الكلفة السياسية لتقليص البيروقراطية مرتفعة وباهظة، فإن الحكومات تميل إلى الاكتفاء باستراتيجيات ضيقة لمحاربة الفساد تقوم على التوعية وحملات ضد الموظفين الفاسدين. وعلى سبيل المثال، فقد اقترحت الحكومة العراقية في 2008 استراتيجية كبيرة لمحاربة الفساد، ولكن لا شيء من مبادراتها الـ18 سعى إلى تقليص الحوافز الاقتصادية للفساد؛ ولا غرو بالتالي أن العراق لم يتجاوز فساده بعد. ويقول الناس أحياناً إن أسوأ شيء بخصوص البيروقراطيين هو أنهم يتقاضون راتباً من الحكومة من أجل إضاعة الوقت، والحال أن ثمة علاقة قوية بين البيروقراطية والفساد تتسبب في ضرر بالغ، وذلك لأن البيروقراطية تكتب قوانين معقدة من شبه المستحيل اتباعها، ثم تقبل الرشى من أصحاب المشاريع والشركات للسماح لهم بتجاهل تلك القوانين. وفي هذا الإطار، تصنف دراسة للبنك الدولي البلدان من أول دولة صديقة للاستثمارات وإبرام الصفقات (سنغافورة) إلى أقلها - المرتبة 183 (جمهورية أفريقيا الوسطى). ومثلما هو متوقع، فإن أكثر البلدان فسادا تميل إلى التوفر على أكثر بيئة تنظيمية عداء وتنفيراً. وعلى سبيل المثال، فإن العراق يحتل المركز الثالث والخمسين بعد المئة، في حين توجد هايتي في المرتبة الحادية والخمسين بعد المئة، وأوكرانيا في المرتبة الثانية والأربعين بعد المئة. وسيكون أمرا سيئا بما يكفي لو أن الفساد دعم رواتب الموظفين بشكل غير قانوني فقط، لكن ومثلما تبين على نحو مأساوي في حالة هايتي، فإن تضافر القوانين المعقدة بشكل واضح وتفشي الفساد الناتج عن ذلك أديا إلى الكثير من الوفيات والإصابات بسبب انهيار المباني التي لا تستوفي الشروط والمعايير القانونية للبناء خلال الزلزال. والواقع أنه من الصعب التخلي عن الأساطير، وبخاصة عندما تبرر سياسيات ذات شعبية سياسية -وإن كانت غير فعالة- لكن النجاح يعتمـد على تبني البلدان الخارجة من كوارث أو حروب لاستراتيجيات لمحاربة الفساد تشمـل تحسين الحوكمة، إلى جانـب الحوافز الاقتصاديـة، لأنـه من دون الاثنين، ستكون تلك الحكومات قد حكمت على بلدانهـا بمستوى معيشـة أكثر انخفاضـاً في المستقبل. فرانك جنتر أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة ليهاي ومستشار اقتصادي سابق في العراق ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©