الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيان عاجل إلى كل عربي عاقل!

21 يونيو 2016 23:29
«ولكن أكثر الناس لا يعلمون».. والقلة التي تعلم لا يتجاوز علمها ظاهراً من الحياة الدنيا. علمنا كله محصور في الظواهر والقشور، نرى الرماد فنظن أن الحرائق انطفأت، ولا نرى النار التي تحت الرماد. يعجبنا قولهم في الحياة الدنيا وتسعدنا التصريحات والمؤتمرات الصحفية، فنظن أن النهاية السعيدة اقتربت، لكننا لا نراهم وهم يفسدون في الأرض ويهلكون الحرث والنسل. إذا رأيناهم تعجبنا أجسامهم، وإن يقولوا نسمع لقولهم، ولا نعلم أبداً أنهم العدو ولا تحذرهم. ونلدغ من جحرهم الواحد ألف مرة. تلك حالنا في أمة العرب، فنحن نجري إلى ما لا ندري. يموت الناس مجاناً، ويتشردون بلا مقابل، ويتفاوض المتفاوضون ويتقاتل المتقاتلون بلا نهاية. كل الروائح في هذه المنطقة العربية الكئيبة كريهة وتزكم الأنوف، وهناك أشياء وأطباق تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع فوق الطاولة، بينما الأطباق الدسمة والرئيسية قابعة تحت الطاولة لا يعلمها إلا قليل. ولم تعد لنا سوى حاسة الشم دليلاً على أن هناك طبخة سامة يتم إعدادها بليل، فنحن لا نرى، ولا نسمع، ولا نلمس، ولا نتذوق شيئاً يدل على ذلك الذي يحاك بليل. ولكننا نشم فقط، والشم لا يصلح دليلاً للإدانة أو البراءة. وكل ما خرجنا به أن الوضع مريب وغير مريح بالمرة. ونحن نرى القتيل والقاتل، ولكن لا نملك الدليل. نرى فريقين في كل دولة من الدول العربية المنكوبة، ولا نعرف من منهما الجاني، ومن منهما المجني عليه. نعرف أن دولاً مثل ليبيا وسوريا واليمن والعراق خرجت ولن تعود، وضلت ولن تهتدي. ولا ندري ماذا يحدث فيها ولها، نرى عبثاً تديره الأمم المتحدة في ليبيا وسوريا واليمن شعاره شرعنة غير الشرعي وإعطاء الصفة الرسمية للإرهاب وتمكينه، بل واستخدام جماعات إرهابية في محاربة جماعات إرهابية أخرى. أجندة المنظمة الدولية مبهمة وغامضة، بل مائعة ودورها مثير لتساؤلات بلا أجوبة، وقرأت قبل أيام تقريراً يتهم الأمم المتحدة بعدم الحياد في الأزمة السورية، وأنها منحازة للنظام السوري في عملية إدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة والمنكوبة في سوريا. والحق أنه اتهام مضحك وتقرير في غاية الضحالة. لأن الأمم المتحدة لا يجب أبداً أن تكون جهة محايدة أو جهة وساطة في النزاعات الدولية. فالحياد هو الاتهام الذي يجب أن يوجه للأمم المتحدة وليس الانحياز. وكل الكوارث التي تضرب عدة دول عربية تعود في سببها الرئيسي إلى حياد الأمم المتحدة السلبي وميوعتها ورمادية مواقفها. كل الكوارث تعود إلى أن الأمم المتحدة غضت الطرف عن دورها الرئيسي، والأهم كجهة قرار وإلزام وفرض قراراتها ولو بالقوة العسكرية، وتحولت إلى وسيط محايد يساوي بين الشرعي وغير الشرعي. والدولة الوطنية والميليشيات الانقلابية، هذا ما فعلته وتفعله في اليمن وسوريا وليبيا، حتى اختلطت الأوراق وتشابه البقر علينا، ولم نعد نعرف من الشرعي، ومن غير الشرعي، ومن المقاومة، ومن الإرهاب. كل شيء كان واضحاً قبل تدخل الأمم المتحدة. كنا نعرف الإرهابيين والميليشاويين، ونعرف الحكومة الشرعية والدولة الوطنية، وعندما تدخلت الأمم المتحدة غامت الرؤية وضاعت البوصلة وجلس الفرقاء على طاولة واحدة، وفرض غير الشرعي والإرهابي شروطه، وحاولت الأمم المتحدة وتحاول البحث عن حل يرضي جميع الأطراف، يرضي القاتل والقتيل، يرضي الميليشيات والدولة الوطنية، ولا يوجد في الدنيا كلها حل يرضي جميع الأطراف. والحل الذي يرضي جميع الأطراف مشكلة كبرى وعبث وهدنة على دخن وجماعة على أقذاء. والأمم المتحدة قتلت نفسها برصاصة الحياد وبعبارتها الكريهة والسخيفة التي لا تمل ترديدها وهي مطالبة جميع الأطراف بضبط النفس، ومطالبة جميع الأطراف باحترام الهدنة، ومطالبة جميع الأطراف بتقديم تنازلات. ولا ندري ويبدو أننا لن ندري أبداً ما معنى مصطلح (جميع الأطراف). هل يعني أن كل الأطراف على حق؟ أم يعني أن كل الأطراف على باطل؟ هل يعني أن كل الأطراف متساوون؟ بالتأكيد هو يعني ذلك في رأي الأمم المتحدة التي قتلها الحياد وأصبحت تقدم خرائط طريق ملغومة ومفخخة لحل الأزمات في المنطقة العربية. المفروض أن الأمم المتحدة اتخذت قرارات في مجلس أمنها، المفروض أنها فرضت عقوبات، وبالتالي فإن الأمر لم يعد قابلاً للتفاوض ولا للتشاور، والأمم المتحدة جهة فرض قرارات وليست جهة عرض قرارات للتفاوض والنقاش. الوساطة مهمة دولة بين دولتين أو بين فريقين في دولة واحدة، وليست مهمة المنظمة الدولية التي أصبحت أسيرة أجندات قوى كبرى تلعب بها كيفما شاءت، وما يجري في الكويت من مشاورات وما يحدث في ليبيا وسوريا عبث واضح وسيناريوهات مهلهلة وغير معدة جيداً ونشم فيها رائحة الصفقات المريبة التي تريد الأمم المتحدة إبرامها بالمخالفة لقراراتها ومواقفها، وأي إنسان لديه بعض وعي يدرك تماماً أن حرب «حكومة الوفاق» الليبية ضد «داعش» في سرت تمثيلية هدفها سحب البساط من تحت الجيش الوطني الليبي لمصلحة ميليشيات «فجر ليبيا» وغيرها من المجموعات الإرهابية التي أكاد أقطع بأنها أبرمت صفقة مع «داعش» لترك سرت. فهي صفقة إرهابية إرهابية بمباركة المجتمع الدولي، تماماً مثل صفقة خروج «داعش» من «تدمر» السورية بلا أي اشتباك. ولا يوجد عاقل يمكن أن يصدق هذا الانهيار السريع لـ «داعش» في سرت وتدمر، بينما يبقى هذا التنظيم الإرهابي صامداً وصنديداً أمام القوات العراقية والتحالف الدولي في الفلوجة والموصل والرقة. ولكن يبدو أنه لم يعد هناك عقلاء في هذه الأمة المجنونة. واللعبة مكشوفة جداً، بل إنها مفضوحة والمسرحية هزلية ومفككة، والمجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة يبرم صفقات مريبة تشارك فيها المجموعات الإرهابية، وأضحك كثيراً عندما أقرأ أن قوات «حكومة الوفاق» الليبية تخوض حرب شوارع مع «داعش» في سرت، وأن هذه الحرب أدت إلى مقتل ثلاثة أو خمسة من الوفاق. فأي حرب شوارع هذه التي تشبه لعب الأطفال في الشوارع؟ عندما ترفع قوات سوريا وروسيا علامة النصر على «داعش» في تدمر، فإنني لا بد أن أضحك وأتساءل: أي نصر هذا؟ نفس الصفقات يرُاد إبرامها مع الإرهابيين «الحوثيين» في اليمن، وهناك ضغوط مشبوهة على الحكومة الشرعية من جانب المجتمع الدولي لتقديم تنازلات، بينما لا توجد أي ضغوط على الإرهابيين «الحوثيين»، وفي كل ما يجري سواء في سرت أو تدمر أو اليمن أشم رائحة «الإخوان» الكريهة، وألمح أصابع التنظيم الدولي الذي يبدو أنه متغلغل في الأمم المتحدة والقوى الكبرى، وهناك محاولة لتمكين «الإخوان» في ليبيا وسوريا واليمن من خلال أعوانهم «الحوثيين» والـ «داعشيين» و«القاعديين» وميليشيات «فجر ليبيا»، التي تكاد تسيطر على «حكومة الوفاق»، إنها روائح تزكم الأنوف، لكن معظم أبناء هذه الأمة فقدوا حاسة الشم، وأخشى أنها صرخة في واد، فهل يصل هذا البيان العاجل إلى أي عربي عاقل! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©