الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في كينيا... الجفاف سببه الساسة

في كينيا... الجفاف سببه الساسة
24 أغسطس 2009 02:49
تضرب دول شرق أفريقيا الآن موجة جفاف تركت الملايين من الناس في الريف المترب يتضورون جوعا، وعطشاً، بحيث أصبحوا معتمدين بشكل «مثير للقلق» على المعونة الأجنبية حسب التحذير الذي أعلنته الأمم المتحدة. وبمرور الوقت، يزحف الجفاف -مع أنه أصبح أقل حدة شيئاً ما، إلا أن تداعياته السياسية باتت أكثر قوة- إلى عواصم الولايات والمراكز الحضرية، بل وإلى العاصمة الكينية نيروبي ذاتها. ففي أحياء الصفيح المكتظة التي يسكنها الفقراء، كما في الأحياء الهادئة ذات المساكن الراقية المحوطة بالأشجار العالية، تنقطع المياه باستمرار وتجف الصنابير، ولا يكاد يقطر منها شيء. ومع فشل الموسم الزراعي في مختلف أنحاء البلاد، ترتفع الآن أسعار المواد الغذائية الرئيسية، كدقيق الذرة وغيره، لتصل إلى أسعار فلكية... ويؤدي انخفاض مستوى الماء في السدود إلى انقطاع التيار الكهربائي باستمرار، ما يدفع أصحاب المشاريع التجارية والصناعية إلى إغلاق أبوابهم، أو التحول إلى استخدام المولدات التي تعمل بطاقة الغاز الباهظة الثمن. ومرة أخرى يجد سكان هذه العاصمة أنفسهم مضطرين إلى التعامل مع المنغصات التي تسببها قطعان الماشية التي تتجول بالآلاف على حواف الطرق السريعة التي تلفها القمامة، بحثًا عن الحشائش أو الماء. ولذا فـ«ليس هناك أي خير في البقاء هنا»! هذا ما يقوله «حزقيال كاسيني» أحد مربي الماشية من قبيلة «الماساي» الذي يرتدي كنزة وبنطالا بديلا عن ردائه الأحمر التقليدي، ويرعى 150 رأساً من الأبقار التي تسير أمام جدار مغطى بالكتابات. ويوضح «كاسيني» سبب غضبه الجارف بقوله: «بالأمس فقط فقدت ثلاث بقرات صدمتها السيارات، ما رأيكم؟ هل هذا مقبول؟». على أن الجفاف في هذا الجزء من أفريقيا ليس بالشيء الجديد. فالمشاهد التي تتبدى الآن في مدينة نيروبي التي يغطيها الدخان، تشبه في تفاصيلها مشاهد الجفاف عامي 2002، و2005. والفارق هذه المرة هو أن الأزمة تفاقم من إحباط الكينيين الذين يلقون باللوم على مسؤولي الحكومة الائتلافية التي تشكلت بعد أسابيع من العنف الذي تلا الانتخابات التي وقعت العام الماضي، وليس على الطبيعة. «إن الحكومة هي السبب في كل ذلك» هذا ما قاله «مايك أوما سيو» 42 عاماً، الـذي يمتلك مرآباً لإصلاح السيارات، تعرض لخسائر كبيرة منذ أن بدأت السلطات العمل بنظام تقنين الطاقة منذ عدة أسابيع. والحاصل أن الموقف في كينيا أصبح مسيساً على نحو كبير، حيث يقول الناس إن تأثيرات الجفاف قد تفاقمت بسبب الفشل المتكرر للحكومة في مواجهة هذه الظاهرة. ويوجه اللوم للحكومة أيضاً حول التدمير المنهجي والمنظم لأكبر حوض مائي في البلاد وهو ذلك الموجود في غابات «ماو» الشاسعة. فعلى رغم التحذيرات المستمرة للمنظمات البيئية، فإن تلك المنطقة تعرضت للتدمير على مدار الأعوام الماضية من خلال «مافيات» الاستيلاء على الأراضي المدعومة من قبل بعض الساسة، والتابعة في معظمها للنخبة الكينية، وأيضاً من خلال السكان المحليين العاديين الذين أقاموا مستوطنات سكنية على أطراف تلك الغابات لقطع أشجارها والاستفادة من خشبها في تصنيع وبيع الفحم النباتي. وقد أدى ذلك إلى جفاف الأنهار التي تغذي البحيرات، وخراب المزارع المائية، ومحطات الطاقة الهيدروكهربائية. ولذلك، وعندما لم تهطل الأمطار في معظم أجزاء كينيا هذا العام، كان من السهل توقع آثار ذلك على نيروبي، حيث بدأت الحكومة العمل في تقنين استخدام الكهرباء والماء، وارتفعت أسعار الطعام بمعدلات كبيرة، وبدأت الأبقار تظهر بأعداد هائلة في قرى الريف الجافة، وضواحي المدن، ومناطقها الصناعية المغطاة بالغبار. وفي حي «كانجيمي» الذي يمتد على مساحة واسعة تقوم فيها المساكن المبنية من كتل الخشب والأسقف المصنوعة من الصفيح، وقف طابور طويل من الناس، يوم الجمعة الماضي، لمدة خمس ساعات تقريباً حتى يحين دورهم للحصول على نصيبهم من الماء الذي كان يسيل من حنفية بائسة تتساقط قطراتها في بركة صغيرة موحلة بشكل محزن. وفي هذا المقام تقول سارا أوبندا (47 عاماً) التي حل دورها لملء دلوها القديم المصنوع من البلاستيك الذي وضعته في البركة الطينية الموجودة أسفل الصنبور العمومي: «لقد اضطررت إلى الوقوف في الطابور لمدة ثلاثين دقيقة حتى أتمكن من ملء هذا الدلو». وفي الظروف العادية، تحصل «أوبندا» وجاراتها على الماء من صنابير عمومية مشتركة مقامة خارج البيوت ويتم تحميل قيمة استهلاك كل بيت من تلك المياه على إيصال الإيجار الشهري. أما في الوقت الراهن فإن هؤلاء الذين لا يريدون الوقوف في الطابور للحصول على حاجتهم من المياه من الصنبور العمومي فيمكنهم شراء الماء مما أصبح يعرف بـ«مافيا المياه» وهم عبارة عن مجموعة من الحراس الذين يحرسون صنبوراً عمومياً يوجد بالقرب من الطريق العمومي الذي يلتف حول هذا الحي. وأحد هؤلاء الحراس يدعى «بول كيريوكي» كان منشغلا بملء عدة أوعية بلاستيكية سعة كل منها 20 لتراً من الماء يوم الجمعة الماضي، كان يخطط لبيع كل وعاء منها بـ30 شلناً كينياً أي ما يعادل 40 سنتاً. ولكن مع معاناة الأسر بسبب ارتفاع أسعار الطعام، فإن مشروعه لبيع المياه لم يعد من المشروعات الجيدة هذه الأيام. ولاشك أن: «كل المشكلات التي نواجهها الآن سببها الحكومة... إنه لأمر فظيع» هذا ما يؤكده «كيريوكي» وقد لاحت على وجهه علامات الضيق والغضب. ستيفاني ماكرومين - نيروبي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©