السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مختار الحكم ومحاسن الكلم» محاولة لتبسيط الفلسفة اليونانية

«مختار الحكم ومحاسن الكلم» محاولة لتبسيط الفلسفة اليونانية
25 أغسطس 2009 00:21
في بداياته الأولى التقى الفكر الإسلامي بالفكر المسيحي في دمشق وبالفلسفة اليونانية في بغداد، فقام نشاط جدلي بين المفكرين النصارى والمسلمين،لا سيما على عهد الخليفة العباسي المأمون الذي احتضن حركة الترجمة من اليونانية والسريانية وغيرهما من لغات الشرق القديم. وكانت هناك مسألتان دار حولهما النقاش أكثر من غيرهما وهما مسألة القدر ومسألة خلق القرآن. ومن أهم الكتب التي لقيت رواجا في القرن الخامس الهجري «الحادي عشر الميلادي» كتاب ألفه المبشر وهو مؤلف عربي لم يقدر له أن يحظى بشهرة كبيرة لافتقاد كتابه «مختار الحكم ومحاسن الكلم» لروح الإبداع• وكان من الكتب الفلسفية القليلة التي وصلت منها نسخ مخطوطة مزوقة بالتصاوير. ومنذ عهد هذا الخليفة أخذ العرب في الاطلاع على تراث الفلسفة اليونانية وحسبما يقرر «جورج قنواتي» في تراث الإسلام «فإن الفلسفة التي تلقاها العرب لم تكن فلسفة أفلاطون وأرسطو فحسب بل كانت أيضا تلك الفلسفة التي صيغت خلال عدة قرون على يد من واصلوا الإضافة إليها وشرحها. وبعد استيعاب المسلمين فلسفة اليونان، أخذوا يتجاوزن حدود الترجمة إلى عرض هذه الأفكار الفلسفية على العقل النقدي الذي تشبع بروح الإسلام وأشرب أيضا باتساع المدارك الفلسفية والعلمية من خلال الاحتكاك بمجتمعات الشرق. وكان كتاب «المبشر» من الكتب الفلسفية القليلة التي وصلت منها نسخ مخطوطة مزوقة بالتصاوير، وأهمها تلك النسخة المحفوظة في متحف طوبقا بوسراي باسطنبول، ورغم أنها لا تحمل تاريخ نسخها فإن صفحة العنوان بها قد زينت بكتابة ذهبية تشير إلى أنها قد كتبت لحساب أحد أمناء سر «الاتابك يلماي» وهو ما حمل على الاعتقاد بانها ترجع إلى النصف الأول من القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) وعزز من هذا الاعتقاد الطابع الفني لتصاوير المخطوطة التي انتجت علي ما يبدو في إحدى مدن سوريا. و لم يترجم كتاب «مختار الحكم ومحاسن الكلم» مباشرة عن اليونانية وإنما تم وضعه عن حياة وأقوال حكماء الاغريق من أمثال هوميروس وأرسطو وفيثاغورث وجالينوس وغيرهم ويبدو أن مؤلفه «المبشر» كان على اطلاع جيد ومعرفة وثيقة بالكتب التي ترجمت عن اليونانية وأراد أن يعرض موجزا شافيا لها في كتاب واحد لغير المتخصصين في علوم الفلسفة والكلام. ومن أسف أن بعض الصفحات كانت تضم تصاوير قد اختفت بين دفتي هذا المخطوط الذي آل إلى حوزة السلطان العثماني أحمد الثالث في القرن الحادي عشر الهجري «السابع عشر الميلادي». ولكن ما تبقى من تصاوير هذا المخطوط يدلنا على أن تقاليد مدرسة التصوير العربية كانت هي الغالبة على الصور التي ألحقت بنص الكتاب من أجل توضيح بعض الموضوعات الواردة فيه. وهذه الحقيقة لا تنفي وجود بعض التأثيرات البيزنطية، ذلك أن المصور افتتح غرة الكتاب بصورة غرة مزدوجة في كل قسم منها صور لسبعة من الحكماء وضعت داخل سلسلة من المنمنمات وأشكال رباعية الفصوص نتجت عن شكل هندسي يغطي كل الصفحة• وكان استخدام صور لسبعة من الحكماء وفي إطار هندسي أمراً شائعاً في المخطوطات البيزنطية. والأمر نفسه نراه في خاتمة الكتاب المزدوجة التي تضم صورا لستة من الحكماء في كل صفحة أي أن عددهم الإجمالي ثلاثة عشر، وهو يماثل ما كان يرسم من صور في بدايات المخطوطات البيزنطية، ولأن فاتحة المخطوطات البيزنطية كانت تأتي من جهة اليسار فإن المصور العربي استخدم الصور البيزنطية التقليدية ذاتها من الجهة نفسها ولكنها بالنسبة للكتب العربية التي يبدأ تصفحها من اليمين تعتبر خاتمة الكتاب• وبعيدا عن هذا التأثر بالتقاليد البيزنطية فإن وضعيات الأشخاص وملابسهم والألوان المستخدمة في تزويق صور المخطوط كلها من نتاج مدرسة التصوير العربية. ومن أمثلة المنمنمات الرائعة في مخطوط «مختار الحكم ومحاسن الكلم « تلك التي تمثل سقراط واثنين من تلاميذه يسألانه في مسألة يفكر فيها، وقد اختار المصور للحكيم سقراط هيئة شيخ كبير له لحية بيضاء اعتمر عمامة عربية ذات طيات متعددة وجلس على ربوة في منظر خلوي فيه بعض رسوم لزهور تم رسمها بأحجام كبيرة وبطريقة اصطلاحية إلى حد بعيد وتبدو طيات ثوب سقراط أشبه بموجات المياه المتجمعة وهي الطريقة الأثيرة لدى مصوري المدرسة العربية عند تجسيدهم طيات الملابس أما التلميذان، فقد مثلا على هيئة رجلين في مقتبل العمر ولذا رسمت لحية كل منهما باللون الأسود، وملابسهما تكشف نوعية من الزخارف التي كانت تزدان بها ملابس تلك الفترة من تاريخ بلاد الشام. ونرى الزخارف الهندسية ذاتها المستمدة من الأشكال النجمية أيضا في ملابس أحد فلاسفة الإغريق وهو يتجادل مع أربعة آخرين في تصويره ثانية من هذا المخطوط ونلمح كذلك زخارف التوريق العربية «الأربيسك «في ملابس أحد المواجهين لهذا الحكيم. وفي صورة ثالثة نجد الفيلسوف «صولون» يتحدث إلى تلاميذه وقد أضفى المصور عليها كما فعل في الصورة السابقة قدراً كبيرا من الحيوية بفضل حركات الأيدي وإيماءات الرؤوس المختلفة. ومن أجمل تصاوير مخطوط «مختار الحكم ومحاسن الكلم» تلك التي تظهر أحد الحكماء وهو يواجه مجموعة من الرجال يلقي عليهم أحد الدروس، ونجد الأستاذ يحدق في كتاب على صفحاته ما يشبه الكتابة اليونانية في صورة أخرى يمسك بآلة والإيماءات تتكرر باستمرار في صور المخطوطة، ولكنها مزجت بمهارة كبيرة بحيث أن كل صورة بحد ذاتها تخلق انطباعات عن حادث فريد ممثل بطريقة طبيعية وفي الوقت ذاته فإن الألوان وحذف كل التفصيلات غير الضرورية ضمن أبنية أو منظر خلوي يضيف إلى الانطباع المميز نوعا من الأبهة التي نجحت هذه الرسوم ( رغم صغرها) في نقلها.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©