الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوم سفره لتجارة «خديجة».. وخطبتها له

يوم سفره لتجارة «خديجة».. وخطبتها له
25 أغسطس 2009 00:22
كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وسيم الطلعة، مبسوط الجبين، واسع العينين، مفلج الأسنان، كث اللحية، عريض الصدر، في نظرته سلطان الآمر. كما تحلى إلى جانب ذلك بالأمانة والخلق الحسن، ومن ثم ليس غريبا أن تعجب به السيدة خديجة لتنشأ الأسرة الفاضلة، وتلتقي على الحب في الله ومكارم الأخلاق. يوضح الدكتور فاروق حمادة في كتابه «أيام في حياة الرسول» مرت على مكة ونواحيها سنون عجاف، شحت السماء عنها بأمطارها، فاكفهر وجه الأرض، وجف ما عليها من الزرع، وتأثر بذلك الإنسان والضرع، فاعتصم الناس بالتجارة وعولوا عليها، فمن لم يكن تاجرا في مكة فليس عندهم ذا ثروة أو مال. وفى يوم قال أبو طالب لمحمد، يا بن أخي ليس لنا مال ولا تجارة، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، والشبان أترابك يمشون فيها فيأخذون أجرا يستعينون به على هذه النوائب، وأنت الأمين في هذه البطحاء، وكلهم يرغب أن تكون مؤاجرا معهم، ولكنى أرى أن أفضلهم لك هي خديجة بنت خويلد، فلو جئتها وعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك ولفضلتك على غيرك. فقال له رسول الله صلى الله عليه السلام» لعلها ترسل لى بهذا الشأن، وآنف أن آتيها بنفسى، وإن حصل ذلك فلن أتأخر فى الخروج مع القافلة»، وبلغ خديجة خبر هذه المحاورة، فأرسلت إليه سريعا، وقالت له: أيها الأمين، إنه دعاني أن أرسل إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك، وأنا راغبة أن تكون مؤتمنا على تجارتي ومالي، وها هو غلامي ميسرة معك، فما ترى؟ فقال لها محمد صلى الله عليه وسلم» وهل أجد تاجرا أفضل منك لأعمل له؟» علامات النبوة ويضيف الدكتور فاروق حمادة أن العير سارت تخب فى صحراء مترامية، وشمس لاذعة وحرارة مفرطة، وفى راكبة محمد بن عبد الله وميسرة غلام خديجة، وهو يرمقه في كل حركة وسكنة، فرأى أشياء لم يعهدها، رأى ميسرة أن محمدا حيث جلس يعلوه الظل وتحيطه السكينة والطمأنينة، وأعجب في هذه الطريق الممتدة أن نزلوا ذات يوم في حر الهاجرة في ظل شجرة، فأطل عليهم راهب من صومعته القريبة، لينظر من هؤلاء النازلون. فقال: يا ميسرة عرفتك وأنت تتردد في هذه الطريق جيئة وذهابا وتنزل تحت هذه الشجرة، فمن معك اليوم فإني أرى سكينة ظللت الشجرة ومن تحتها، وهذا من علامات النبوة؟ وتقدم ورأى محمدا فى حمرة عينيه، وخاتم النبوة بين كتفيه، ونعته المذكور فى التوراة والإنجيل، فأخبر ميسرة بذلك، فازداد ميسرة حبا له وأنسا به وطاعة. ولما وصلت العير سوق بصرة باع سلعته التي كان يحملها، وتزود أخرى ليعود بها بأعلى منازل الصدق والأمانة، فأربح الله هذه التجارة أضعاف ما يربح أمثاله ومن هو معه، وكروا عائدين إلى مكة وحطوا الرحال. وقام محمد فأدى الأمانة كاملة غير منقوصة، وافرة غير بائرة، فأعجبت خديجة بهذا الخلق، فأعطته ضعف ما قاولته به من الأجر، وجاءها ميسرة فحدثها ما رآه من سيرة محمد، وما يحوطه من عناية ربانية، ورعاية إلهية، وخديجة المرأة الحازمة العاقلة، وأعظم نساء مكة شرفا ومالا وأرفع النساء عفة وجمالا كانت متزوجة ثم تأيمت، فهي تعرف أقدار الشباب حولها والرجال المحيطين بها، فلم يعجبها أحد. موقف خطبة النبي ولما رأت من محمد ما رأت أسرعت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل بن أسد، وكان قد تنصر وقرأ الكتب السوالف، فذكرت له ما حدثها به غلامها ميسرة، فقال لها ورقة: إن محمدا لنبي هذه الأمة، وهذا زمانه. فأرسلت له نفيسة بنت منية – مرسلة خفية – فجاءته فقالت له: يا محمد ما يمنعك أن تتزوج؟ فقال:» ليس عندي ما أتزوج به أو ما أقوم به من تكاليف الزواج وتبعاته» قالت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى المال والجمال والشرف ألا تجيب؟ قال:» فمن هذه التي تجمع هذه الخصال الرائعة، وتقبل بمحمد وهو قليل ذات اليد وقد نشأ يتيما؟» قالت: والله ليس هناك فى قريش فتاة إلا وتراك كفؤا لها، ولكنى أدعوك إلى سيدة قريش خديجة بنت خويلد. قال: « وكيف لى بذلك؟». قالت: على الأمر. فقال:» وهل مثل خديجة ترد»، فبلغ الخبر إلى خديجة فقالت له: ائتنا في ساعة كذا. فتوجه أبو طالب وإخوته أعمام النبي -صلى الله عليه وسلم - إلى عمرو بن أسد عم خديجة وولى أمرها لطلب الزواج. وزيرة صدق ويوضح الكاتب محمد حسين هيكل في كتابه «حياة محمد» أنه تم زواج محمد من خديجة بعد أن أصدقها عشرين بكرة. وانتقل إلى بيتها ليبدأ وإياها صفحة جديدة من صفحات الحياة، صفحة الزوجية والأبوة، ورزق منها البنين والبنات، وكان عمر محمد - صلى الله عليه وسلم - خمسا وعشرين سنة، وعمر خديجة يفوقه بسنين عديدة، وذهب البعض إلى أن عمرها إذ ذاك أربعون سنة. ومرت خمسة وعشرون عاما بعد هذا اليوم، كانت مليئة بالدفء والمحبة، وكان لها أبلغ الأثر فى حياة الرسول، فكانت أم أولاده، أغناه الله بمالها قال تعالى: (ووجدك عائلا فأغنى) سورة الضحى :الآية 8 وثبته برجاحة عقلها وصبره على أذى الناس بمواساتها وهو يأوي إليها بعد العناء والتعب في فجاج مكة وأنحائها. كما جعلته يتفرغ للتعبد قبل النبوة، ونشر الدعوة بدأب وتحمل وصبر بعد النبوة، فكانت أول من أسلم من الخلائق معه لرب العالمين، فخفف الله بذلك عنه، فكان لا يسمع بشيء يحزنه أو أمر يكرهه من رد وتكذيب إلا فرج الله بها عنه إذا رجع إليها، فكانت وزيرة صدق للنبي- صلى الله عليه وسلم - على الإسلام، وأماً للمؤمنين والمؤمنات حتى توفاها الله قبل الهجرة، وسمى ذلك العام الذي ماتت فيه «عام الحزن»، ولكن ذكراها لم تغب عنه – عليه الصلاة والسلام – يوما واحدا وهو يرى الذرية الصالحة بنات خديجة حوله، فيذكرها صباح مساء، ولهذا جاءتها البشرى من السماء، فنزل جبريل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إن الله يقرئ خديجة السلام ويبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©