السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شريك النخعي.. نصير الحق وحامي حمى المظلومين

شريك النخعي.. نصير الحق وحامي حمى المظلومين
25 أغسطس 2009 00:22
ولد شريك بن عبد الله النخعي في مدينة بخارى في أوزبكستان سنة 95 هـ، ونشأ وتعلم بها وبدأ طلب العلم بحفظ القرآن الكريم وأتمه وعمره تسع سنوات ثم درس اللغة العربية والمنطق والفقه والحديث على شيوخها وأصبح من حفـاظ أحاديث رسـول الله- صلى الله عليه وسلم- وروى عن أبي صخرة جامع بن شداد وجامع بن أبي راشد وزياد بن علاقة وسماك بن حرب وعبد العزيز بن رفيع وزبيد بن الحارث وبيان بن بشر ويعلى بن عطاء وإبراهيم بن مهاجر وعثمان بن أبي زرعة وغيرهم• ويقول الدكتور سعيد أبو الفتوح، أستاذ الشريعة بجامعة عين شمس، أنه رحل إلى مدينة الكوفة لسماع الحديث وتحقيق الروايات والتبحر في الفقه وكان محدثا فقيها فاشتهر بعلمه وفضله والتف حوله الناس يعلمهم ويفتيهم في أمور دينهم، وكان لا يبخل بعلمه على أحد ولا يفرق في مجلس علمه بين فقير وغني فيحكى أن أحد أبناء الخليفة المهدي دخل عليه فجلس يستمع إلى دروس العلم التي يلقيها وأراد أن يسأل سؤالا فسأله وهو مستند على الحائط وشعر شريك من طريقته بأنه لا يحترم مجلس العلم فلم يلتفت إليه، فأعاد الأمير السؤال مرة أخرى ولم يلتفت إليه وأعرض عنه فقال له الحاضرون: كأنك تستخف بأولاد الخليفة ولا تقدرهم حق قدرهم؟ فقال شريك: لا ولكن العلم أزين عند أهله من أن تضيعوه فما كان من ابن الخليفة إلا أن جلس على ركبتيه ثم سأله فقال شريك: هكذا يطلب العلم• وعرف بالبراعة في علم الحديث وحفظه والدراية براويته ورجاله والإسناد والضبط والإتقان وكان منهجه في الرواية يقوم على التحقيق والتدقيق وتوثيق المتن، وأثنى على علمه العلماء بالتقدير وقال علي بن الحسين بن الجنيد الرازي: «سمعت أبا ثوبة الحلبي يقول: كنا بالرملة فقالوا: من رجل الأمة؟ فقال قوم: ابن لهيعة• وقال قوم: مالك، فقدم علينا عيسى بن يونس، فسألناه، فقال: رجل الأمة شريك، وكان شريك يومئذ حيا». شديد على أهل البدع وقال معاوية بن صالح الأشعري: «سألت أحمد بن حنبل عن شريك ، فقال: كان عاقلا صدوقا محدثا وكان شديدا على أهل الريب والبدع قديم السماع من أبي إسحاق»، وقال عيسى بن يونس: «ما رأيت في أصحابنا أشد تقشفا من شريك ربما رأيته يأخذ شاته يذهب بها إلى الناس وربما رأيت ثوبيه قبل القضاء بعشرة دراهم وربما دخلت بيته فإذا ليس فيه إلا شاة يحلبها ومطهرة وبارية وجرة فربما بل الخبز في المطهرة فيلقي إلي كتبه، فيقول: اكتب حديث جدك ومن أردت»، وقال النسائي: « ليس به بأس»، وقال الذهبي: « الحافظ الصادق أحد الأئمة «، وذكر إسحاق الأزرق أنه أخذ عنه تسعة آلاف حديث• وعرض على شريك أن يتولى القضاء بالكوفة لكنه امتنع وأراد أن يهرب من هذه المسؤولية العظيمة، خوفا من أن يظلم صاحب حق، ويروى أن الخليفة المنصور دعاه ، وقال له: إني أريد أن أوليك القضاء، قال شريك: أعفني يا أمير المؤمنين، قال: لست أعفيك «• فقبل القضاء ثم عزله، وأعاده المهدي، فعزله موسى الهادي، وأخذ ينظر في المظالم ويحكم فيها بالعدل ولا يخشى في الله لومة لائم• تحدي الأمير ويحكى أنه جلس ذات يوم في مجلس القضاء ودخلت عليه امرأة من ولد جرير بن عبد الله صاحب سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقول له: أنا بالله ثم بك يا نصير المظلومين، فنظر إليها شريك وقال: من ظلمك؟ قالت: الأمير موسى بن عيسى ابن عم أمير المؤمنين، فقال لها: وكيف؟ قالت: كان عندي بستان على شاطئ الفرات وفيه نخل وزرع ورثته عن أبي وبنيت له حائطا، وبالأمس بعث الأمير بغلمانه فاقتلعوا الحائط فأصبحت لا أعرف حدود بستاني من بساتينه فأرسل القاضي شريك بن عبد الله قاضي الكوفة إلى الأمير يطالبه بالحضور إلى مجلس القضاء، فلما قرأ الأمير كتاب شريك غضب غضبا شديدا، وبعث إليه بصاحب الشرطة ليبلغه بكذب دعوى المرأة وبأن الأمير لن يمثل أمام القاضي فحبس شريك صاحب الشرطة فأرسل الأمير الحاجب ليبلغه أن صاحب الشرطة أبلغه رسالة وليس من حقه حبسه، فأمر القاضي بحبس الحاجب، ولما علم الأمير بذلك أرسل إلى وجهاء الكوفة وفيهم اسحق بن الصباح وطلب منهم إبلاغ القاضي أنه استخف به وأنه ليس من العامة ولما أبلغه وجوه الكوفة رسالة الأمير أمر القاضي باقتياد الوسطاء إلى الحبس. فاغتاظ الأمير لذلك فتوجه ليلا إلى الحبس وأطلق سراح المحبوسين ولما علم القاضي بما كان من الأمير رحل إلى بغداد ليطلب من الخليفة إعفاءه من ولاية القضاء إلا أن الأمير لحق به وناشده العودة ولم يجبه القاضي إلا عندما رد أعوانه إلى حبسهم وقال لهم: « لقد كان حبسهم لأنهم مشوا في أمر لم يجز لهم المشي فيه. «وبعد ذلك جلس القاضي شريك وأتت المرأة المدعية ومعها الأمير المدعى عليه فأجلسها القاضي بين يديه وصادق الأمير على الدعوى فحكم القاضي عليه ثم أطلق سراح المحبوسين ولما انتهى من نظر الدعوى أخذ بيد الأمير وأجلسه وقال: «السلام عليك أيها الأمير ذلك الفعل حق الشرع وهذا القول من الأدب». وتوفي القاضي شريك بالكوفة سنة 177هـ.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©