الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام والغرب .. صراع حضاري أم مجرد سوء فهم

الإسلام والغرب .. صراع حضاري أم مجرد سوء فهم
25 أغسطس 2009 00:26
لم يكن دخول الإسلام إلى العالم الغربي من البوابة الأندلسية متأخرا فقط عن بعض القارات الأخرى مثل القارتين الآسيوية والأفريقية اللتين بدأ نشر الإسلام فيهما منذ العصور الأولى للإسلام، بل كان انتشار الإسلام في الغرب عامة وأوروبا خاصة بطيئا فبرغم أن الإسلام دخل إلى أوروبا منذ سنة 652 ميلادية لكن لم يكن هناك انتشار واسع جدا له إلا بعد أن تم فتح بلاد الأندلس مما ساهم في انتشاره، ثم جاءت بعد ذلك الإمبراطورية العثمانية التي فتحت شبه جزيرة البلقان مما جعل الناس يدخلون في الإسلام لأنهم رأوا صدقا وأمانة وخصالا حميدة في المسلمين. ويرجع المؤرخون بطء انتشار الإسلام في أوروبا والغرب إلى أنه عندما انتشر الإسلام في العصور الأولى ظل المسلمون الأوائل أوفياء للمبادئ الإسلامية الأصيلة، فظهر مجتمع خال من الأرستقراطية لا نظريا فحسب بل عمليا أيضا مما أشاع روح المساواة والديمقراطية وهي ظاهرة لم يكن العالم قد عرف لها مثيلا من قبل وهذا الوضع مكن الإسلام أن ينتشر بسرعة وأن تثبت جذوره في البلاد التي انتشر فيها، ولو كان قد وجد اتصالا بين المسلمين وأوروبا في ذلك القرن لكان انتشار الإسلام أوسع وأشمل ولكن الزمن كان قد مر وضعف الدعاة المسلمون فضعفت أداة التوصيل والتنوير في الفترة التي بدأ الإسلام فيها يطرق أبواب أوروبا. وفي الوقت نفسه ظهرت في العالم الإسلامي فرق ومذاهب كالشيعة والخوارج والمعتزلة، ثم ظهرت حركات هدامة كالشعوبية والقرامطة والزنادقة وغيرها، فدفعت هذه الفرق إلى الفكر الإسلامي ما ليس منه من تعقيدات وغموض، وهي البيئة التي بدأت فيها تقوى صلات العالم الإسلامي بأوروبا، فلم يصل صوت الإسلام الحقيقي إلى القلوب، ولذلك كانت مسيرة الإسلام بأوروبا مسيرة بطيئة وغير راسخة. وهكذا ظلت إشكالية العلاقة التاريخية بين الإسلام والغرب تتأرجح عبر العصور ما بين سوء الفهم والصراع غالبا والحوار والتفاهم في أحيان قليلة، وفي هذا السياق يقول فرانكو كارديني في كتابه «أوروبا والإسلام.. تاريخ من سوء التفاهم» إن الميل الأوروبي الشائع هو النظر إلى الإسلام على أنه عدو محتمل، وبنظرة تاريخية يمكن القول إن حروب المسلمين المتكررة على أوروبا بين القرنين السابع والعاشر، وبين القرنين الرابع عشر والثامن عشر، ساهمت في تشويه صورة الإسلام ونشر الأكاذيب والخرافات عنه، في ظل صعوبة التواصل والنقل المباشر بين الشعوب. وأوضح كارديني أن الأوروبيين كانوا يرون أن المسلمين عبدة أصنام، وأن عقيدتهم تدفعهم لكل أنواع الشرور والمفاسد، وفي مرآة الشعر الملحمي المشوهة كان المسلمون يكتسبون صفات أسطورية سحرية وحتى شيطانية، وكانت هذه رؤية شعبية قدر لها أن تبقى قوية في الخيال الجماعي لمدة طويلة. واعتبر أن الاتصال بالثقافة العربية والإسلامية منذ القرن العاشر الميلادي أصبح أكثر عمقاً نتيجة للتطور الكبير في الاقتصاد والتجارة، كما بدأت حركة ترجمة واسعة لكتب الجغرافيا والرياضيات والطب والفلك والصيدلة والأدب والفلسفة وغيرها، وأشار إلى أول ترجمة للقرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي على يد روبرتو دي كيتون موضحا أنها أعدت على ما يبدو من خلال الترجمة من العربية إلى العبرية إلى القشتالية ثم اللاتينية، وعلى الرغم من أنها كانت مضطربة ومليئة بالثغرات وغير مكتملة، فإنها كانت مهمة حتى أنها بقيت أساسية في القرون الأربعة التالية. ولفت إلى أنه ومع ظهور المطبعة على يد يوحنا جوتنبرج في القرن السادس عشر، انتشرت كتابات تتحدث عن الإسلام بصورة سيئة للغاية، حيث كانت تقدمه بصورة غير صحيحة، أو تكيل له السباب، ولكن الاهتمام الذي أثاره تقدم المسلمين الأتراك في أوروبا، مع تزايد عدد التجار والرحالة الأوروبيين إلى أرض الإسلام، بدأ يغير هذا الواقع بالتدريج إلى رؤية اكثر اعتدالا. وفي مقابل هذه الرؤية التحليلية الموضوعية لتاريخ الصراع بين الإسلام والغرب وجذوره نرى نظرة أخرى أكثر تطرفاً تتمثل في رؤية «لوران أرتور دو بلسيس» في مؤلفه «الإسلام والغرب.. الحرب الشاملة» حيث يرى أن الغرب عملياً في حرب بدون إعلان رسمي لكنها حرب حقيقية مع الإسلام زاعما أن الإسلام اليوم مثل بداية انتشاره هو مصدر العنف، وأن الألفية الثالثة بدأت بانتقال عدوى التطرف في العالم الإسلامي في أوساط شباب محبط يعاني البطالة ومصغٍ لنداءات الجهاد التي يطلقها الأئمة الأصوليون. وينطلق في مؤلفه من فكرة مركزية تقول إننا نعيش «حرباً عالمية ثالثة» بين الإسلام والغرب وأن هذا الأخير سيخرج منها منتصراً، وهي حرب ستتشكل فيها التحالفات كالآتي ..اليابان والهند وروسيا ستتحالف مع الغرب، فيما ستتحالف الصين مع الإسلام. ويوضح أن هذه الحروب والتحالفات ستقام لمنع وصول الأصوليين إلى السلطة في دول ذات ترسانة نووية مثل باكستان حيث ستستخدم أميركا القوة خوفا من أن تقع الترسانة النووية في أيدي الأصوليين، أو قد تترك الهند تقوم بذلك نيابة عنها، مما سيشعل النار في المنطقة، أما في الشرق الأوسط، فإن نشوب ثورات أصولية سيجعل إسرائيل تشعر بالتهديد مما يجعلها تستخدم ترسانتها النووية ضد دول محيطها، أما في المغرب العربي، فإن الأصوليين سينتهون بالاستيلاء على الحكم، وبالتالي يهددون أوروبا. ويتبين من هذا العرض السريع لطبيعة وجذور العلاقة بين الإسلام والغرب خصوصية ما يتعرض له المسلمون في الغرب من مشكلات ذات طابع مختلف تنبع من البيئة المغايرة التي يعيشون فيها، ومن كونهم يمثلون دائما أقليات داخل تلك المجتمعات الغربية التي يحاولون الاندماج فيها، فهم يتحملون دائما عبء الدفاع عن الإسلام في هذه المجتمعات ويعيشون على خط المواجهة مع ما تفرزه ظاهرة «الإسلامو فوبيا» من سياسات عدائية تجاه المسلمين في تلك الدول والمجتمعات ويتعرضون بشكل مستمر لأشكال مختلفة من التمييز والتفريق في المعاملات.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©