السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فنانة لبنانية ترسم لوحات تحاكي هموم الشعوب العربية وأحداثها

فنانة لبنانية ترسم لوحات تحاكي هموم الشعوب العربية وأحداثها
19 مارس 2012
عماد ملاح (بيروت) - ازدانت صالة «كاراجولا» في منطقة ميناء الحصن في العاصمة اللبنانية بيروت، بـ 6 لوحات للرسامة التشكيلية رندة أحمد، وسط بساط أخضر من أغصان وورق شجرة الكينا، التي امتزجت رائحتها الزكية العطرة بأفكار رسومات متنوعة ترمز إلى واقع الإنسان العربي بدءاً من التغيير، ومروراً بوطأة الموت، وانتهاء بما يعرف بـ»الربيع العربي». تلك العناوين التي تبدو للوهلة الأولى مرعبة وقاسية، إلا أنها في مدلولاتها، تحمل الأمل والطمأنينة وسكينة الإنسان الهادئ التواق إلى السلام من دون استسلام. التمثال الأصفر توضح أحمد أن الغاية من معارضها هو إيصال فكرة ما إلى الناس، الذين يعيشون في محيط يتأثرون به، ويعانون فيه أزمات عديدة، تتعلق بوجدانهم وحياتهم. وتزيد أن بعض لوحاتها تحمل العنف، لكن هذا العنف منضبط وهادئ، وهناك لوحات فيها مساحات بيضاء تثير تساؤلات وافتراضات وأوجاع مدفونة وقلقة على المصير، أي أنه لا بد من وجود صراع بين النهايات والطموحات. وتضرب مثلاً لوحة الأطباء في غرفة العمليات التي تدل على أفكار شتى، تبدأ من اللباس الأبيض للأطباء غير الملطخ بدم المريض، الذي لا يظهر منه إلاّ نور طفيف، قد يكون استغاثة من جراء الألم، وقد يكون دليلاً على نجاته من الموت. وتقول «هناك لوحة الثيران الهائجة التي تعبر عن التمرد والرفض. كذلك لوحة الرجال الذين يهتفون من أجل مطالب، وهذا الواقع له علاقة بـ«الربيع العربي» المشتعل حالياً، حيث تبدو الألغاز حائرة بين الرضوخ أو الانتفاضة أو المسايرة وهذه كلها معايير تبرز في نهايتها، حول من يمسك بواحدة من الصفات الثلاث». وتؤكد أحمد أن العرب وهمومهم، هم الأساس في أعمالها، وهم البداية والنهاية، لذلك كانت لوحة «التمثال» المصبوغ باللون الأصفر، والذي قطع رأسه، وجلس مسترخياً على الأرض، مطمئناً إلى مصيره، على الرغم من كل ما أصابه، وما حل به، إلاّ أنه ينتظر «الشفاء» التام. لمسات تقنية أعمال أحمد، وباعتراف نقاد زاروا المعرض، ابتكارات جمالية، تعدّت الألوان المنمقة والغنية، إلى لمسات في التقنيات المستحدثة، بطريقة ذكية خصوصاً لناحية «السينوجرافيا» (تصميم وتنفيذ عناصر مشهدية) التي تدل على موهبة ثقافية، وخصوصية تمثلت في كيفية إنزال اللون، وسكب المساحات، وملء الفراغات لإيصال ما تريده أحمد للمشاهد. وجاءت أعمال أحمد بعيدة عن الانتماءات التقليدية الضيقة، بمعنى أن الأفكار المطروحة في الرسومات هي خير دليل للخروج باللوحة إلى فضاء أوسع وأشمل، وصولاً إلى ما يشبه الجداريات الواضحة المعالم، التي يطغى عليها الطابع الأنثوي الانفعالي، في تشكيل تعبيري، بعيداً عن الزخرفة، لأن الفنانة الشابة أرادت التحكم بمقدرات اللوحة المعروضة. وعن لوحاتها، تقول أحمد إنها جامعة للغة التصويرية، وفيها الكثير من الأفكار التي تعيشها هي، والأهم في هذا الموضوع أن على الفنان معرفة، ماذا يريد؟ وماذا يقول؟ وماذا يقدم؟ ليكون العمل في النهاية، صادقاً ومعبراً وهادفاً. وتضيف «متى ترسخت هذه المزايا والصفات في أي عمل فني وثقافي، فإن الغاية المنشودة تكون قد وصلت بأمانة وصدقية». وما يربط المتفرج بلوحات أحمد في علاقة حميمة من الصعب انفصالها، حديثها عن همومه وآلامه ومشاكله وقضاياه الحية، بعفوية تصل إلى حدّ التفاصيل الصغيرة، تتمثل في استخدامها إشارات توحي بعطر الياسمين، والربيع والهواء والجسد والطيران واللهو البريء، وأيضاً أوراق الكينا التي تطغى برائحتها العطرة على تلوث البيئة. أبجدية الاهتمام تبرز أهمية الأعمال التشكيلية في معرض «كاراجولا» في حملها رسومات تحاكي الحياة والطبيعة والكون، ضمن قالب من الجمال الفني التجريدي وهي تمتاز بدقة النظر والملاحظة التصويرية، عبر توثيق الحياة بحرارتها أو ركودها في عملية خوض لعمق المظاهر الإنسانية، بدءاً برصد وتأطير أحاسيس وانفعالات المشاهد على اختلاف التفاصيل، وتحسس بعض الملامح، وانتهاء بطوفان المشاعر تجاه الأفكار المطروحة. فمدرسة الفنانة أحمد يصعب فيها التحديد والانتقال حسب أبجدية الاهتمامات، إلاّ أن التقنية المستعملة في اللوحات، تتسلل إلى خطوط وألوان عبثت فيها الرومانسية الذاتية، كما أن الرسومات جسدت وسكنت الساحة التشكيلية، لتنضوي تحت لواء الشاعرية المرهفة والانطباعات المتألمة. ففي بعض اللوحات تظهر اهتمامات قصوى لشفافية الألوان الزيتية، ويتم التجوال في المساحة الأوسع، ليرصد الزائر الفن الانطباعي والواقعي، والأسلوب الغني بالحرارة والانسجام، بين الموضوع والألوان الصارخة في فضاء اللوحة وعناصرها. ويبرز في معرض أحمد الأفكار التي تميزت ببراعة الشحنة التعبيرية، والتي ازدادت ديناميكية، فضجت بالحركة وانسابت برقة، حتى يمكن القول إنه تم جمع سحر الشرق بنبض الغرب، ويندرج الصدى القوي في خلفية اللوحة، ضمن أسلوب انتهج المرونة، وزاوج بين الواقعية والرومانسية، ما ساعد أحمد على ممارسة اللمسة التقنية والعفوية في حس موسيقي، وإيقاع فني سيطر على نماذج اللوحة التشكيلية في تجديد الخطوط والألوان، بوجودية منمقة مترفعة، مستقاة من تراث عالم لا يشوبه صدى الرؤية المبعثرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©