الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«كايلاش» يوثق عذابات الطفولة بصرياً

«كايلاش» يوثق عذابات الطفولة بصرياً
12 ابريل 2018 21:53
إبراهيم الملا (أبوظبي) قدم الفنان الألماني فولكر غيرلينغ أمس الأول بمنارة السعديات، تجربته الفنية الخاصة في اقتناص اللحظات الإنسانية المؤثرة التي وثقها بشكل مبتكر أثناء رحلاته الطويلة مشياً على الأقدام، انطلاقاً من العاصمة الألمانية برلين، وصولاً لعدة مدن أوروبية، والتي يبعد بعضها آلاف الكيلومترات عن برلين مثل مدينة بازل السويسرية، استخدم الفنان غيرلينغ وسيطاً بصرياً يجمع بين الثبات والحركة، وتخطّي خدعة الانطباع الأول والفضول المشوش، كي يقدم في النهاية حكايات وقصصا مكثفة عبر التحريك السريع لدفتر الصور، محولاً بذلك الملامح والوجوه إلى بورتريهات ناطقة، تعبّر في لحظة زمنية لا تتعدى 12 ثانية أو 12 فريماً عن كم هائل من المشاعر العفوية العابرة للأمكنة والساكنة أيضا في عمق الذاكرة أثناء تلاشيها وتمزقها وسط رياح الزمن. وذكر الفنان أنه التقط صوراً لأناس صادفهم في المقاهي ومحطات القطار والغابات والبحيرات أثناء رحلاته الطويلة تلك، متذكراً طقوس وسرديات المشائين الكبار عبر التاريخ، حيث لا يمكن لوسائل النقل السريعة اليوم أن توفر هذا القدر الكبير من الصبر والتأمل وملامسة تفاصيل الطبيعة والبشر، مقارنة بما يوفره المشي على القدمين لساعات وأيام ممتدة، حيث يصبح الغرباء أكثر ألفة بالنسبة لك، وتصبح الهوامش الصغيرة حاضرة في صلب اهتمامك ومعاينتك وتحليلك النفسي والجمالي والشعري أيضاً. اعتمد الفنان على أسلوب ال flipbook أو دفتر التقليب مستغلا اللقطات المتلاحقة في صياغة صور متحركة بإيقاع سينمائي، كما أن اعتماده على اللونين الأبيض والأسود منح هذه الصور مجالا خصبا للنوستالجيا وتدفق الأحاسيس بحيث يتحول كل كليب بصري للوجوه إلى رواية مكثفه تقول أحيانا ما تعجز الكلمات والمفردات الأدبية عن وصفه، لأنها تجمع بين توثيق اللحظة الطازجة، وبين مراقبة النسيان، وهو يتسلل إلى حاضر مختلف. وفي سياق فني متصل بفعاليات القمة الثقافية أبوظبي 2018 احتضنت قاعة فندق الفور سيزونز مساء أمس الأول عرضا للفيلم السينمائي الوثائقي «كايلاش» الفائز بجائزة مهرجان صندانس السينمائي العام الجاري 2018، ويحكي الفيلم الذي نفذه المخرج «ديريك دونين» قصة كفاح الناشط الهندي «كايلاش ساتيارثي» في مجال حقوق الأطفال، والحائز جائزة نوبل للسلام في لعام 2014 بعد كشفه وتتبعه للممارسات الفظيعة والمؤلمة بحق الأطفال والمراهقين الذين يتم استغلال فقرهم وحاجة عائلاتهم للمال كي يتحولوا إلى عبيد تتحكم بهم مافيات الليل وعصابات الشوارع. هناك حيث تتحول البراءة في الكادر السينمائي إلى صور ممسوخة وحيوات محطمة ولحظات مدنسة بالخوف والقلق والانكسار، استثمر المخرج في توثيق هذه اللحظات المريعة أسلوبين في تكنيك التصوير بدتا أقرب لسينما الإثارة والحركة، حيث استخدم الكاميرا المتلصصة حتى تحتفظ المشاهد بعفويتها الجارحة، بينما أتى استخدامه للكاميرا المحمولة لتكون ملاصقة للحدث وتحولاته منذ البداية وحتى لحظة المجابهة وتعرية المناطق المعتمة والمسكوت عنها فيما يخص عمالة الأطفال، خصوصا بعد أن قام الناشط كايلاش بإنشاء منظمة حقوقية أطلق عليها اسم: «أنقذوا حركة الطفولة». يبدأ الفيلم بمشهد صاخب عندما تشن السلطات الهندية في مدينة نيودلهي حملة مفاجئة على مصنع يشغل الأطفال بشكل مجحف وغير قانوني ويرافق الشرطة في هذه الحملة مجموعة من الناشطين وأفراد من السلطة القضائية. يعبر الفيلم عن الصوتي الاحتجاجي والسؤال المرير الذي أطلقة كايلاش مبكراً عندما أعلن متسائلاً: «لماذا يولد بعض الأطفال كي يعملوا فقط، لماذا لا يعيش هؤلاء حياتهم الطبيعة في البيوت والمدارس بدلا من الشوارع والمصانع؟؟» هي صرخة سوف نجد صداها متحققاً في هذا الفيلم الطموح والمختلف في أسلوبه وبنائه وطريقه طرحه لمسيرة نضالية شامخة، يمثلها هنا كايلاش ساتيارثي في بقعة جغرافية محددة، ولكنها صرخة تتقاطع وتشتبك مع الوقائع المؤلمة التي يعيشها الأطفال في مناطق عديدة حول العالم، ما يثير أسئلة أكبر وأكثر إلحاحا لتفكيكها وفهم الدوافع التي أدت لإثارتها رغم الأشواط البعيدة التي قطعتها حركة حقوق الإنسان في الإضاءة على معاناة المهمشين والمعذبين والمظلومين في كانتونات الفقر والاستبداد والعنف الفكري والجسدي. يخبرنا الفيلم أيضاً أن كفاح كايلاش لم يذهب سدى حيث استطاع من خلال جهده الاستثنائي أن يحرر 85 ألف طفل من العبودية، مساهما بذلك في إنقاذهم من معاناتهم الإنسانية وعذاباتهم المتراكمة التي بدت أثقل وأطول من أعمارهم، جهد سوف يكون ملحوظا في الفيلم شكلاً ومضموناً، لأن منطلقات هذا العمل الوثائقي خرجت من نوايا نبيلة وفائضة بالحب والتعاطف الإنساني، ولذلك كان أثره طاغياً وملموساً على كل من شاهد الفيلم، واستحوذ عليه في لحظات فارقة وعميقة ومليئة بالمراجعات النقدية والأخلاقية حول الأزمات والإشكالات الإنسانية حول العالم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©