الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

(في ذكرى الإسراء والمعراج)

12 ابريل 2018 22:17
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: يقول الله سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(سورة الإسراء الآية 1). في مثل هذه الأيام من كل عام تمرُّ بالمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ذكرى محببة إلى نفوسهم، إنها ذكرى الإسراء والمعراج، الإسراء برسولنا- صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بالقدس الذي بارك الله حوله، والعروج به- صلى الله عليه وسلم - من المسجد الأقصى بالقدس إلى ما بعد سدرة المنتهى، كما ورد في صدر سورة النجم. وقد سُمِّيت سورة الإسراء بذلك تخليداً لتلك المعجزة الربانية التي أكرم الله بها سيّدنا محمداً- صلى الله عليه وسلم- حيث خصَّه الله - سبحانه وتعالى- بالإسراء والمعراج دون سائر الأنبياء، ليطلعه على ملكوت السموات والأرض، ويريه من آياته الكبرى، فقد أيّد الله تعالى رسولنا محمداً-عليه الصلاة والسلام- (بمعجزات كثيرة)، وكان من أظهر معجزاته-عليه الصلاة والسلام- (معجزة الإسراء)، وهي السفر ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم العروج به إلى السموات العلى، حيث رأى من آيات ربه الكبرى، كما جاء في قوله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} (سورة النجم الآية 17)، وكانت معجزة الإسراء والمعراج مظهراً من مظاهر التكريم الربانيّ لرسولنا محمد -عليه الصلاة والسلام-. الإسراء والمعراج تكريمٌ لرسولنا إن معجزة الإسراء والمعراج تدل على تكريم الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد – صلى الله عليه وسلم-، وقد سُجِّل هذا التكريم في القرآن الكريم في صدْر سورة الإسراء، حتى تبقى هذه الذكرى خالدة في النفوس لا يضعف تأثيرها، يتعبد الناس بتلاوتها إلى يوم القيامة، حيث اجتمع الأنبياء – عليهم الصلاة السلام – لرسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم – في بيت المقدس وصلّى بهم الحبيب -صلى الله عليه وسلم – إماماً في المسجد الأقصى المبارك، كما استقبلوه – عليهم الصلاة والسلام- بحفاوة وتكريم في معراجه – صلى الله عليه وسلم – إلى السماوات العُلى. فكان لهذه الرحلة العظيمة أثر كبير في نفس رسولنا- صلى الله عليه وسلم-، فقد استيقن بتكريم الله عز وجل له، وأنه لن يتخلى عنه وسيؤيده بنصره، وكذلك في نفوس أصحابه الكرام- رضي الله عنهم أجمعين-، حيث كان الإسراء امتحاناً لإيمانهم. فالإسراء في حقيقته أمرٌ خارق للعادة، جعله الله تعالى معجزة لنبيه- صلى الله عليه وسلم، ثبّت الله- سبحانه وتعالى- بها فؤاده على الحق، وشدَّ أزره للنهوض بالدعوة الإسلامية، مُستيقناً أن الذي طَوَى له الأرض في جزء من الليل، لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. لماذا كان الإسراء إلى بيت المقدس؟ لقد كان الإسراء إلى بيت المقدس دون غيره من الأماكن، لِمَا شرَّفه الله تعالى به من بعثات الأنبياء السابقين، وزيارات الرسل الكرام- عليهم الصلاة والسلام- جميعاً له، ولإقامة أكثرهم حوله، وصلاتهم جميعاً فيه، فقد ذكر مجير الدين الحنبلي رواية مقاتل بن سليمان في بركة هذا المكان المقدس: (... ما فيه شبرٌ إلا وقد صلّى عليه نبي مرسل أو قام عليه ملك مقرب... وتاب الله على زكريا وبشره بيحيى في بيت المقدس، وكان الأنبياء-عليهم الصلاة والسلام- يُقَرِّبون القرابين في بيت المقدس، وَأُوتيت مريم-عليها السلام- فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء في بيت المقدس، وَوُلِد عيسى- عليه الصلاة والسلام- وتكلم في المهد صبيا في بيت المقدس، وَرَفعه الله إلى السماء من بيت المقدس، وأُنزِلَت عليه المائدة في بيت المقدس، وَأَعْطَى الله- سبحانه وتعالى- البراق للنبي- صلى الله عليه وسلم- تحمله إلى بيت المقدس) (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل للحنبلي 1/‏‏361-362). ولما للقدس من أهمية في تاريخ المسلمين، فلقد رغّب الله- سبحانه وتعالى- السكنى فيها لِمَا ورد في الحديث القدسي: (قال الله عزّ وجلّ لبيت المقدس: أنت جنتّي وقدسي، وصفوتي من بلادي، من سكنك فبرحمة مني، ومن خرج منك فبسخط مني عليه) (فضائل القدس لابن الجوزي ص95)، والله عز وجل اختارها مسرى لرسوله الكريم- صلى الله عليه وسلم-، كما اختارها من قبل مستقر الخالدين من إخوانه الرسل الكرام، ففيها قبور الأنبياء والصالحين كما أنها مهد النبوات ومهبط الرسالات. فمن هنا نعلم سبب اختيار الله تعالى بيت المقدس ليكون توأماً خالداً لمكة، فهو قبلة المسلمين الأولى، وهو أرض المحشر والمنشر، كما جاء في الحديث عن ميمونة مولاة النبي- صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: (يَا رَسُوَلَ اللهِ، أَفْتِناَ فِي بَيْتِ الْمَقِدْسِ، قَالَ:« أَرْضُ َالْمَحْشَر ِو الْمَنْشَر...)(أخرجه ابن ماجه)، كما أنَّ الرسول الكريم يأمرنا بالبقاء في بيت المقدس حين الابتلاء ونزول المصائب، لما ورد في الحديث الشريف عَنْ ذِي الأَصَابِعِ، قَالَ:(قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ، أَيْنَ تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكَ ذُرِّيَّةٌ، يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَرُوحُونَ)(أخرجه أحمد). والمسلمون اليوم وهم يُحيون هذه الذكرى يجب أن يتذكروا مسرى نبيهم الذي أصبح أسيراً في يد المحتلين، يعتدون عليه بالاقتحامات اليومية، وينتهكون الحُرُمات حوله، ويمنعون الأوقاف من ترميمه، ويحولون بين المسلمين والوصول إليه لتكتحل عيونهم بالصلاة فيه، ويعملون على تقويض بنيانه وزعزعة أركانه، كمقدمة لهدمه وإقامة ما يُسمى بهيكلهم المزعوم بدلاً منه- لا سمح الله-. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. بقلم الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©