الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

السراية الخضراء

السراية الخضراء
27 يونيو 2008 02:34
يعمل ''سيمون باكامارته''؛ طبيب الأمراض العقلية، وبمساعدة كل سلطات المجتمع، على تقرير مصير الجميع، حيث يضع تصوراً نظرياً لفكرة العاقل والمجنون، وهو تصور سيظهر بالتدريج أن أي شيء يفعله أحد، حتى ولو كان تنفسه للهواء، سيحيله إلى المستشفى، ويتم ذلك كنوع من الرغبة في جعل كل شيء مكتمل، أي باسم التطوير وجعل كل شيء أفضل مما هو عليه·· عجلة لا يمكن إيقافها، وعلى الجميع الامتثال· تتبنى السلطات المشروع، ورويداً رويداً يتسع حجم المستشفى، ويضيق حجم المجتمع، فنظرية الطبيب عن العقل والجنون لا تقف عند حد معين، لكنها لا تتهاون أيضاً وبطريقة أمومية في ضرورة إنقاذ هؤلاء المجانين ليعودوا إلى مجتمعهم بأحسن حال، والذين يبدو أنهم لن يعودوا بالتأكيد· يحدث ذلك في الرواية القصيرة، ''السراية الخضراء'' لمؤلفها البرازيلي ''ماشادو دى آسيـس'' (1838-1908)، إذ يقدم قراءة مكثفة ومبالغاً فيها لطريقة تفكير السلطة، وكيفية إدارتها المتناقضة، والشبيهة تماماً بالدبة التي أرادت أن تدفئ أبناءها، فأماتتهم· يدخل ذلك في إطار ''الجريمة النظرية'' كما يشير ''خليل كلفت'' مترجم الرواية، مشيراً إلى أنه ربما كانت الجريمة النظرية إطاراً عاماً لحياة الإنسان منذ فجر التاريخ، لكنها وصلت طوال القرن العشرين إلى أبعاد لم تخطر من قبل على بال، معاملة البشر بوصفهم موضوعاً للتاريخ، وأيضاً فئراناً لتجاربه الجماعية· إن هيكل النظم الإدارية الحديثة، بالتزامن مع التطور التكنولوجي، وضع العالم تحت نظم رقابية تعمل لصالح فكرة مركزية، تقول إن العمل لصالح الناس شرط أساسي للإدارة، بينما ما يتم عكس ذلك تماماً، وهذا ما تأخذه الرواية كنموذج لتوضيح المآل الجديد للمصير الحديث للبشر· لقد مثل القرن التاسع عشر إرهاصاتٍ مهمةً على صعيد الفلسفة والاكتشافات، والتحذيرات أيضاً، فقد كان واضحاً أن شكل الصراع مع الحياة سيؤدي ومع التكنولوجيا الحديثة إلى تحييد دور الفرد، مقابل هرسه في آلة الانتماء الجبري لواقع الحال، وقد قام العديد من الجماعات من مختلف النطاقات، فنية وغير فنية، باعتراضات مباشرة وحدسية، للإعلان عن أن المصير البشري يصير إلى كارثة محتمة، ورأى البعض أنه تحوّل في القيمة الإنسانية المعاشة، ليس بالضرورة أن نقوم بمقارنته مع الشكل القديم لحياة الإنسان، لكن ذلك بالتأكيد مخالف لإنسانية الإنسان، إذ يقوم وجودنا أولاً وأخيراً الآن تحت مرأى من طبيب الأمراض العقلية ''سيمون باكامارته''؛ مُتجسساً على الكرة الأرضية كلها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©