الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تابوت الشافعي والمشهد الحسيني شاهدان على إبداع ابن معالي

تابوت الشافعي والمشهد الحسيني شاهدان على إبداع ابن معالي
26 أغسطس 2009 00:15
العديد من القطع الفنية التي تعرضها متاحف الفنون الإسلامية، هي أصلا منتجات يدوية قصد بها توفير أدوات للاستخدام اليومي، وأنتجها حرفيون توارثوا مهنهم كما كانت العادة في أقاليم العالم الإسلامي. ورغم ما تحويه هذه الأعمال من لمسات الفن وروائعه، فإن أحدا من أولئك الحرفيين لم يهتم بأن ينقش عليها اسمه• ولكن خرج بعض هؤلاء الصناع على هذا التقليد وسجل اسمه على بعض الأعمال التطبيقية، من قبيل الاعتزاز بعملهم• وغالبا ما كان هؤلاء الحرفيون من أسر عريقة توارثت تقاليد مهنها حتى صار اسم الشخص منهم علامة ودلالة على الدقة والجودة• ومن هؤلاء الصناع المعتدين بما تصنعه أيديهم «عبيد النجار» المعروف بابن معالي، والأسرة التي ينتسب إليها من أشهر أسر النجارين خلال العصر الأيوبي، وتوجد أعمال خلدها التاريخ من من إنتاج أحد أبناء تلك الأسرة:( سليمان بن معالي) ومنها المنبر الخشبي في المسجد الأقصى، وهو المعروف بمنبر نور الدين الشهيد «محمود بن زنكي» وقد ترك عليه توقيعه «صنعه سليمان بن معالي»• أما عبيد النجار، فقد ترك أثرين خالدين في تراث فن النجارة الإسلامي، أحدهما يحمل توقيعه بينما ينسب الثاني إليه لتشابه الأسلوب ولتزامن فترة صناعته مع الأول. تابوت الشافعي القطعة الفنية الأولى هي التابوت الخشبي لقبر الإمام الشافعي بالقاهرة، وهو من أعمال الناصر صلاح الدين في هذا الضريح، ولهذا التابوت الخشبي الفاخر غطاء هرمي الشكل، أما التابوت فهو مستطيل الأبعاد وحافل بالنقوش والكتابات الكوفية والنسخية، وجميع أوجه التابوت مكونة من أطباق نجمية كبيرة منقوشة بزخارف نباتية دقيقة من غصون مفرعة وأوراق في مجاميع تتخللها أشكال نجمية وسداسية الأضلاع. وعلى رأس هذا التابوت نص تاريخي سجل بالخط الكوفي نسب للإمام الشافعي وتاريخ مولده ووفاته. أما تاريخ صناعة التابوت واسم صانعه، فقد سجل على هذا النحو: «عمل هذا الضريح المبارك للإمام الفقيه أبي عبدالله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبيد بن عبد يزيد بن الهاشم بن المطلب بن عبد مناف «رحمه الله»• وصنعه عبيد النجار المعروف بابن معالي عمله في شهور سنة أربع وسبعين وخمسمئة، «رحمه الله» ورحم من ترحم عليه ودعا له بالرحمة ولجميع من عمل معه من النجارين والنقاشين ولجميع المؤمنين»• ويتضح من سياق هذا النص أن عبيد النجار كان رئيسا لفريق من النجارين والنقاشين يقوم على تنفيذ الكتابات والزخارف. ونلاحظ في هذا التابوت أنه صنع وفق مقاييس مسبقة وتصميم نموذجي استوعب خلاله ابن معالي كل فنون وطرق الحفر على الخشب، من حفر غائر وتفريغ وتحزيز، فضلا عن الإتقان الكامل لطريقة الحشوات المجمعة التي تعتمد على شكل الطبق النجمي، إذ جمعت الأجزاء المختلفة داخل إطارات خشبية، مما يتيح لها التمدد خلال فصل الصيف، دون أن يؤدي ذلك إلى تقوس التابوت• وأتاح أسلوب الحشوات المجمعة لابن معالي الإفادة من القطع الصغيرة للأخشاب الثمينة في تكوين التابوت. وأجمل ما في عمل عبيد النجار تلك الزخارف النباتية الدقيقة والمعقدة التصميم والتي ألف بينها وبين الأشكال الهندسية المتعددة الأضلاع. وإزاء عمل بهذا التصميم العبقري والتوازن الفني، فقد كان من الطبيعي أن يستغرق إنجازه من فريق النجارين والنقاشين عدة أشهر كما يشير إلى ذلك النص التسجيلي. ويحسب لعبيد النجار أنه ترك لبعض العاملين معه الفرصة ليسجل اسمه على بعض أعمال النجارة بضريح الإمام الشافعي، فهناك مقصورة من الخشب المطعم بالصدف والزرنشان وقد سجل عليها اسم صانعها بما نصه «عمل عمر»، ويبدو واضحا أن هذا الصانع كان «المرصع» الذي قام على تطعيم أخشاب المقصورة بالصدف والزرنشان. تابوت الحسين وإلى جانب تابوت الإمام الشافعي الذي أنجزه ابن معالي في أيام السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، فإنه ينسب إلى ذات النجار عمل التابوت الخشبي لمشهد الإمام الحسين في نفس تلك الفترة. ورغم أن التابوت الأخير لم يشمل توقيع «عبيد النجار» فإن قاعدة الجمع بين الكتابات الكوفية والنسخية وتشابه زخارفه النباتية والهندسية مع تلك التي نراها في تابوت الإمام الشافعي دفع بالآثاريين إلى ترجيح قيام ابن معالي بعمل تابوت المشهد الحسيني بالقاهرة. ومن المؤكد أن هذا التابوت صنع بأمر من صلاح الدين عندما أمر بإنشاء مدرسة إلى جوار المشهد في تاريخ سابق على عام 578هـ «1182م»، إذ في تلك السنة قام الرحالة الأندلسي ابن جبير بزيارة المشهد الحسيني وكتب وصفا رائعا للمشهد أتى فيه إلى ذكر هذا التابوت الخشبي الذي كان تحت الأرض. وظل هذا التابوت في مكانه العتيد بعيدا عن أعين قصاد المشهد ولم يره سوى المتصلين بالخدمة في المشهد ثم اطلع عليه في ثلاثينات القرن العشرين المعلم «محمد سيور» النجار بغرض إصلاح بعض حشواته وأخبر الأثاري المعروف حسن عبدالوهاب بروعة هذا العمل فطلب إصلاحه ونقله إلى دار الآثار العربية «المتحف الإسلامي بالقاهرة»، وتم ذلك بالفعل في 22 يناير سنة 1945، وهو معروض إلى اليوم بقاعة الأخشاب بالمتحف• ولهذا التابوت ثلاثة جوانب، أما الجانب الرابع منه فكان حائط المكان الذي وضع فيه بالمشهد الحسيني وهو مصنوع من خشب الساج الهندي ومكون من جنب ورأسين ومقسم إلى مستطيلات رأسية وأفقية يحيط بها ويفصلها عن بعضها إطارات مكتوبة بالخطين الكوفي المزهر والبسيط وبخط النسخ الأيوبي. وتضم هذه المستطيلات حشوات نجمية وسداسية الأضلاع محفور بها زخارف نباتية مورقة تنوعت أشكالها. والذين يعاينون يوميا هذا التابوت، حيث يعرض بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة يندهشون لقدرة صانعه عبيد النجار على تنويع أشكال الحشوات وزخارفها، بحيث لم يلجأ قط إلى التكرار، فضلا عن تنوع أشكال الخطوط المستخدمة• ويبقى فن أولاد معالي شاهدا على جماليات فن النجارة الإسلامية وتقنياته الصناعية الفريدة ودليلا غير مكذوب على عراقة أسرة أبناء معالي في صياغة الخشب من منبر العادل نور الدين زنكي في المسجد الأقصى إلى تابوت الإمام الشافعي والمشهد الحسيني.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©