الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إثيوبيا··· على أبواب المجاعة

إثيوبيا··· على أبواب المجاعة
27 يونيو 2008 22:58
في قرية هاديرو الإثيوبية، يتم وضع الأطفال واحداً تلو الآخر في سطح ميزان معلق على قائمة خشبية· وفي أثناء ذلك تجحظ عيون الأمهات متوسلة إلى عامل الإغاثة التابع لمنظمة ''أطباء بلا حدود''، بينما ينشغل هذا الأخير عنهن بإطالة النظر إلى أرقام الميزان كي يحدد إلى أي مدى تستلزم الحالة المرضية للطفل ضرورة إطعامه وجبة غذائية اليوم! ويشير وصول هذا النوع من الميزان إلى قرية هاديرو الإثيوبية النائية، إلى مدى فداحة المستوى الذي بلغته أزمة الغذاء العالمي· فليس من المساعدات الإنسانية المتوفرة لضحايا هذه المجاعة الطاحنة، سوى ما يكفي من العلاج الطبي، وقليل جداً من زبدة الفول السوداني لإنقاذ الحالات الشديدة الخطورة· وإلى جانب هذه الحالات التي تعطى أولوية الدخول، تجلس مئات النساء والمزيد من أطفالهن في الفناء الخارجي لمبنى العيادة، وكلهن أمل أن يحظين بإجراء الاختيار ''الوحشي'' نفسه، بينما يتولى حراس أشداء مهمة دحرهن للخلف لإفساح الطريق أمام الطفل القادم الذي وقع عليه الاختيار· وفي هذه الدولة الإفريقية، البالغ تعدادها السكاني نحو 10 ملايين نسمة، هناك نسبة تزيد على 12 في المائة منهم، هي الآن في أمسِّ الحاجة للمساعدات الإنسانية الغذائية العاجلة، على إثر موجة من الجفاف ضربت البلاد وأسفرت عن أسوأ الكوارث والأزمات الإنسانية التي مرت بها إثيوبيا منذ أزمة المجاعة الشهيرة التي ضربتها في عقد الثمانينات بفعل الضرر الذي ألحقه الجفاف بالمحاصيل الزراعية حينئذ· والأسوأ من الجفاف أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت اليوم في إثيوبيا ليتضاعف سعرها مرتين عما كانت عليه قبل عام واحد فحسب، هذا إن وجدت ما يشتريه الناس أصلاً· فالحقيقة التي لا ريب فيها أنه ليس هناك من الغذاء ما يكفي في إثيوبيا لإطعام جميع الأفواه الجائعة· هذا ويحذر الكثيرون من عمال الإغاثة من أن يؤدي تضافر هذه العوامل مجتمعة، إلى مرور إثيوبيا بكارثة غذائية أسوأ من تلك التي حصدت أرواح من يقدر عددهم بحوالي مليون نسمة، وكانت قد شاهدها الملايين في مختلف أنحاء العالم من خلال صورها البشعة المبثوثة عبر تلفزيونات العالم وفضائياته في منتصف الثمانينات· وهذه هي التحذيرات التي تعيدنا مرة أخرى إلى مسألة تحديد أولويات توزيع الإغاثة الإنسانية على المتضررين· وعلى رغم اضطرار المسؤولين الحكوميين وعمال الإغاثة في أنحاء شتى من العالم، إلى تحديد هذه الأولويات حسب حرج وخطورة الحالات، إلا أنه لم يصل إلى هذا المستوى من القسوة والصرامة اللتين بلغهما هنا في إثيوبيا· وكما قال ديفيد بيكمان -رئيس منظمة "Bread for the World": ''خبز من أجل العالم'' ومقرها بواشنطن دي سي- فإن الناس لا يدركون بعدُ مدى فداحة واتساع نطاق انتشار أزمة الجوع التي ضربت العالم مؤخراً· وربما تكون هذه الأحداث المأساوية المثيرة للقلق التي ضربت إثيوبيا، أول مثال لدولة دُفعت دفعاً إلى هذه الأزمة، بسبب أحوال الطقس وموجة الجفاف من جهة، وكذلك بسبب الارتفاع الذي حدث مؤخراً في أسعار الوقود والمواد الغذائية· وبالنتيجة، فإن من المفترض أن يقوم برنامج الغذاء العالمي بدوره في التخفيف من وطأة هذه الأزمة، وذلك بشراء المساعدات الإنسانية الطارئة -الدوائية والغذائية- الكافية لحوالي 4,6 مليون إثيوبي من المتأثرين بهذه الأزمة، إلا أن ارتفاع الأسعار أرغمه على شراء نسبة 50 في المئة فحسب من تلك المساعدات· والمشكلة الأكبر أنه ليس هناك من طعام كاف يمكن شراؤه في إثيوبيا الآن· فعلى رغم قدرة نظام الرعاية الاجتماعية الحكومي -الممول من قبل وكالات وهيئات أجنبية- التحايل على أزمة الغذاء الراهنة، عن طريق توزيع المساعدات النقدية لمواطنيه المستفيدين من هذا البرنامج، إلا أن المشكلة هي أنه يمكن توفير السيولة النقدية اللازمة لسد حاجة المواطنين من المواد الغذائية، ولكن المفقود والنادر هو الغذاء نفسه الذي لم يعد معروضاً بما يكفي في الأسواق· ولا يعني هذا شيئاً آخر سوى احتمال تزايد أعداد المرضى المتأثرين بأزمة الغذاء، من الجالسين حول عيادة قرية ''هاديرو'' الآنفة الذكر· وفيما لو تفاقمت الكارثة وازداد أعداد المتأثرين بها -خاصة من النساء والأطفال- فإن ذلك سوف يجعل من علاج حالاتهم أكبر تحدٍّ وأكثر تكلفة من العمل الوقائي السابق للمرحلة العلاجية· إذاً فإن الواجب العاجل هنا ليس تحديد الأولويات -على رغم أهمية هذا في الوقت الراهن- إنما الأكثر إلحاحاً هو توصيل كميات كافية من الطعام لإثيوبيا· ذلك هو رأي فرانسوا كولاس، المدير الإقليمي لمنظمة ''أطباء بلا حدود، ومضى مستطرداً بالقول: ''فما لم يتم توزيع كميات كافية من الطعام للمواطنين، فإننا سوف نرى المزيد منهم وهم يقعون فريسة لسوء التغذية''· يذكر أن الحكومة الإثيوبية أعلنت في وقت مبكر من الشهر الجاري أن 75 ألف طفل يواجهون خطر الجوع الناتج عن الجفاف· ومع أن الجزء الغالب من هؤلاء يكاد ينحصر في الجزء الجنوبي من إثيوبيا، إلا أن تأثيرات موجة الجفاف وارتفاع الأسعار تواصل زحفها نحو أجزاء أوسع من البلاد· نيكولاس بنكيستا-إثيوبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس مونيتور''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©