الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفلام عن الحرب وما بعدها

أفلام عن الحرب وما بعدها
12 مايو 2010 22:08
يمكن القول إن السينما باتت هي الأداة الأكثر حضوراً بين جميع الأدوات الإبداعية الأخرى، في تقديم قضية الشعب الفلسطيني للعالم، تشهد على ذلك عشرات الأفلام التي تشارك سنوياً في مهرجانات السينما البارزة شرقاً وغرباً، وتلاقي حفاوة في مهرجانات مرموقة مثل مهرجانات كان وبرلين وفينيسيا. ويدخل “مهرجان الأفلام الفلسطينية” في بريطانيا ضمن هذه الرسالة الثقافية التي يشرف عليها شباب فلسطينيون، وقد دخل هذا العام سنته العاشرة، متقارباً في توقيته مع ذكرى النكبة في منتصف مايو. أما البرنامج، فقد قسم إلى نخبوي، يقدم من خلال المركز الثقافي “باربيكان” الذي يضمن حضوراً بريطانياً، وآخر مجانيّ يقام في مقرّ كلية الدراسات الشرقية “سواس” بحضور شبابي فلسطيني وعربي. تساعد هذه العروض على تغيير الصورة النمطية التي تقدم عن الشعب الفلسطيني، برشاشات ووجوه ملثمة وعمليات انتحارية، إلى شعب يحب ويعشق ويمارس حياته مثل غيره من البشر، يطمح بحياة عادلة وآمنة لأجياله الحالية والقادمة. وقد تعددت الأشكال والتقنيات وأسلوب السرد في الأفلام المعروضة هذا العام، التي تراوحت ما بين الوثائقي والروائي، أو خلطت بينهما. وكان هناك اعتماد واضح على السيرة الذاتية للمخرج الفلسطيني، وسيرة أهله ومدينته ووطنه. ويلفت في الأسماء المشاركة تزايد حضور الأسماء النسائية التي دخلت عالم الإخراج في السنوات الأخيرة. شاهد عيان حسناً فعل المهرجان ببرمجة فيلم “الزمن المتبقي” لإيليا سليمان، ليفتتح الفعالية في أمسيتين متلاحقتين، ثم تختتم بفيلم “ميناء الذاكرة” لكمال الجعفري، فكل من المخرجين حصد الجوائز ولفت الانتباه إليه عالمياً. الأول بات مخضرماً الآن، والآخر شاباً يسير بصعود واضح في عالم السينما. ينبش إيليا سليمان في فيلم “الزمن المتبقي” في الذاكرة الفلسطينية، الخاصة والعامة معاً، وتتمثل بمذكرات أبيه التي كان طلب منه أن ينجزها قبل أن يتوفى، رسائل أمه التي كانت تتبادلها مع الأقرباء والجيران الذين نزحوا عن مدينة “الناصرة” وما حولها، عشية الاحتلال الإسرائيلي لها. ثم هناك يومياته الخاصة، ذاكرته وما تبقى منها عن أيام الطفولة والشباب والنضج. يوهمنا بكونه شاهداً محايداً، لكنه بحضوره الشخصي في بعض المشاهد يؤكد لنا أنه يمتح من ذاكرته وتجربته وأنه شاهد عيان حيّ على ما يحصل في أرضه ولشعبه. نراه في مستهل الفيلم في تاكسي الأجرة مع سائق يهودي أضاع الطريق في ليلة ماطرة راعدة. المشهد لا يقود إلى تفاصيل رثاء، بل إلى ليلة سقوط تلك المدن والقرى في أيدي الصهاينة. لتستمر الحياة بعدها، يعمرها الفلسطينيون بالتفاصيل التي تتطلبها تلك الحياة ويبقون شهوداً على أشياء كثيرة، من بينها سرقة الجنود الإسرائيليين لبيوت من فروا إلى مناطق أخرى آمنة. تصدح “أغنية أنا قلبي دليلي” من الغرامافون عندما يحاول أحد الجنود اللصوص تشغيله لتفضح السارق. تبقى الأصوات العربية جزءاً من تكوين ذاكرة الفلسطيني الذي عاش في الدولة التي سرقت أرضه، دوماً هناك أصوات عربية: نشرات أخبار من الإذاعات وأغنيات لفيروز وليلى مراد وغيرهما. يشير سليمان في النقاش التالي لأحد العرضين، إلى أن الرقابة الإسرائيلية ليس لديها خطوط واضحة في المنع، ولكنها تحاول أن تعوق عمل الفيلم من خلال الإجراءات. هي لا تعترض على مشهد يظهر قتل طفل أو امرأة... إلخ؛ لأنها تعتبر الفعل دفاعاً عن النفس، ولكنها ترفض مشاهد سرقة الجنود لممتلكات الفلسطينيين! الأسلوب المرح الساخر يسم الفيلم، وكذلك الصمت وندرة الحوارات، تحل محلها أصوات الطبيعة والموسيقى والأغاني المنطلقة من الراديو. مراحل أربع مرّ بها الفيلم، تبدأ بليلة سقوط الأراضي العربية تحت الاحتلال الإسرائيلي وتنتهي بمشهد قريب زمنياً، جيل من الفلسطينيين الشباب يرقص على أنغام “الديسكو” التي تغطي على أصوات سيارات الجيش تعلن منع التجول، فما عاد البعبع الإسرائيلي يعني له شيئاً. فيلم “كما قال الشاعر” للمخرج نصري حجاج، هو أنشودة غنائية لحياة وإبداع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. يقوم المخرج بجولات في المدن التي عاش فيها الشاعر، يلتقي بالكتاب المعاصرين الذين ارتبط بهم بعلاقة صداقة، يتركهم يقرأون من أعماله. لا يحتوي الفيلم على شهادات من أي منهم، فالفيلم أقرب إلى تحية شاعرية ترثي شاعراً ألهمت كلماته أجيالاً. السجين والزوجة تقارب المخرجة نجوى النجار في فيلمها “المرّ والرّمان” موضوعاً حساساً لا يتم الاقتراب منه عادة في مسار مقاومة الشعب الفلسطيني، وهو موقف زوجة السجين السياسي في زنزانة الاحتلال الإسرائيلي عندما يطول اعتقال زوجها. قمر الشابة التي تمتلئ بالرغبة في الحياة وتفيض حيوية وأحلاماً، يقبض على عريسها زيد بعد أيام من زواجهما في رام الله، بسبب أرض أهله التي يريد الإسرائيليون أن ينتزعوها لصالح المستوطنات الجديدة. هل تتوقف الحياة عندما يعتقل واحد من أفراد العائلة؟ سؤال أخلاقي تطرحه النجار في فيلمها الروائي الأول الذي تتناول فيه حياة الفلسطينيين في رام الله والقدس. يثور الجدل بين الزوجين على موضوع التوقيع للإسرائيليين مقابل الإفراج عنه، لكن زيد يثبت على موقفه بنصيحة من محامية إسرائيلية للدفاع عن أرضه. تعود العروس إلى ممارسة حياتها الطبيعية، فتنضم إلى فرقة رقص فلسطيني تقليدي يشرف عليها قيس، الفلسطيني اللاجئ القادم من لبنان (يقوم بدوره الممثل المتميز علي سليمان بطل فيلم “الوقت المتبقي”). في ظل الحرمان العاطفي والضغوط التي تعيشها قمر كامرأة شابة غاب رجلها، تنشأ جاذبية جسدية وعاطفية بين قمر وقيس. يناقش الفيلم مفردات كثيرة تكشف عن يوميات الاحتلال الإسرائيلي لأرض وشعب، فالأعراس تنتهك والأغاني تقاطع؛ لأن أصحابها مروا على حاجز إسرائيلي. اللقاء في مقهى مسالم يصير غير آمن بالقوات التي تشتبك مع امرأة قوية تملك المقهى وما عاد يهمها تهديدهم. في الفيلم تراكم من التفاصيل المهمة الخاصة بالحياة اليومية للفلسطينيين، ولكنها لم تبرر للمشاهد تماماً مآل العلاقة ما بين الثلاثي زيد، قمر، قيس، ليس بالمعنى الأخلاقي فقط، بل حتى بالمعنى الدرامي المقنع. “المرّ والرّمان” عنوان مستمد من أمثال شعبية ترى أن في ثمرة الرمان دوما هناك واحدة مرة بين حباته الحلوة تحمل الطعم المرّ. الفيلم كتجربة أولى روائياً، يكشف عن تمكن شديد في الإخراج والرؤية البصرية، ولكن ربما كان على المخرجة الاستعانة بكاتب سيناريو يشاركها المعالجة الدرامية، وهو ما ينطبق على أفلام فلسطينية تتألق في الجانب الفوتوغرافي وتحريك الكاميرا وترتبك على مستوى السيناريو. على أية حال، يبقى فيلم “المّر والرّمان” متعة للمشاهدة بإخلاصه في تقديم البيئة الفلسطينية الحالية. نساء عن نساء في الأفلام الوثائقية القصيرة الأربعة، المنتجة تحت اسم “مسارات” بإشراف مؤسسة “شاشات” الفلسطينية وبدعم مالي أوروبي، تتابع أربع مخرجات قضايا نساء فلسطينيات داخل الأرض المحتلة في الضفة الغربية. المخرجة ديمة أبوغوشة تسأل شابات فلسطينيات عن الحب الأول، وإن كان لا يزال له وجود في حياتهن. سوسن أبو قاعود في “بعيداً عن الوحدة” تتابع نماذج من النساء المزارعات اللواتي يتحملن مسؤولية رعاية الأرض وزرعها وحصد المحصول ثم بيعه في السوق، إضافة إلى أعبائهن المنزلية ورعاية الأطفال، تغطية لفراغ تركه الرجل، إما لوفاة أو لاستهانة ورفض منه بالقيام بدوره. محاسن ناصر الدين، تتابع جهد سامية المعلمة القديمة التي تسعى لتأمين سكن للمعلمين في منطقتها، أثناء ذلك تحكي عن نضال الجسم التعليمي لتأمين مناهج عربية في التدريس وفتح مدارس عربية، بعد أن فرضت إسرائيل بعد 1967 مناهجها التعليمية. أما المخرجة غادة طيراوي، فتلامس موضوعاً حساساً هو التحرش الجنسي بالفتيات من قبل أقارب، وتأثير ذلك على سيكولوجية الفتاة وحياتها الاجتماعية تالياً مستخدمة، إضافة إلى المقابلات، مقاطع درامية تحكي فيه امرأة حكاية “فرط الرمان الدهب”، التي فقدت بيتها وهي طفلة، ثم أبناءها وزوجها وحياة القصر، نتيجة سكوتها وخوفها من أن تبلغ عن الشيخ الذي شاهدته يأكل طفلاً. “138 جنيها في جيبي” عنوان فيلم وثائقي للمخرجة ساهرة درباس، والرقم هو مجمل ما كانت الشابة الفلسطينية هند الحسيني تملكه عشية مذبحة دير ياسين في أبريل 1949 في السنة التالية لإنشاء الدولة الإسرائيلية. استخدمت الحسيني المبلغ للإنفاق على مجموعة الأطفال الذين بقوا من دون أهل بعد المذبحة. جمعت أولئك الأطفال في بيتها الذي حولته إلى ملجأ للأيتام يهتم بتربيتهم وتعليمهم، وصار مع الأيام يعرف بـ”مؤسسة الطفل العربي”. تتابع المخرجة درباس المقيمة في إيطاليا، مسار تلك المؤسسة من خلال استضافة واحدة من أطفالها الذين كبروا، وباتت تعمل فيها وتشرف على استمراريتها. يستفيد الفيلم من عشرات اللقطات الوثائقية والفيلمية من أرشيف المربية المعلمة الراحلة هند الحسيني، التي فرّغت نفسها لرعاية الأطفال اليتامى ولم تتوقف عند الدفعة الأولى فقط. الفيلم يلقي الضوء على تاريخ فلسطين وشعبها الذي لم يكف الإسرائيليون عن تشريده من أرضه طوال ستة عقود، لينتجوا مزيداً من الأطفال المشردين بعد كل عدوان. إسرائيليون ينبشون “يافا الساعة البرتقالية”، فيلم وثائقي جديد للمخرج الإسرائيلي إيال سيفان (الطريق 181: أجزاء من رحلة مع ميشيل خليفي، عبيد الذاكرة وأفلام أخرى). الفيلم أقرب إلى مراجعة سياسية تنبش بصرياً وسياسياً في تاريخ البرتقال الذي زرع في مدينة فلسطينية وطور أهلها نوعيته حتى اشتهر في كل أنحاء العالم باسم “البرتقال اليافاوي”. ثم سرق هذا البرتقال ليصير رمزاً للمشروع الصهيوني ولدولة إسرائيل. ومن خلال سبر تاريخ هذه العلامة التجارية بالصور، يعكس الفيلم الأوهام الغربية والحكايات الاكزوتيكية نحو الشرق و”الأرض المقدسة”. إنه فيلم يكشف عن المسكوت عنه نحو ما كان يوماً رمزاً لإنتاج مشترك بين العرب واليهود في فلسطين. الفيلم آسر بصرياً وجريء سياسياً. والمخرج سيفان يبحث في المواد الأرشيفية القديمة ويجري المقابلات مع شهود العيان، ليصل في نهاية المطاف إلى سؤال، حول ما يمكن أن يقدمه الماضي الخاص ببرتقال يافا، لآفاق المستقبل في فلسطين وإسرائيل. فيلم إسرائيلي آخر هو “أشكنازي” للمخرجة راشيل ليا جونز، تفضح من خلاله التمييز العنصري في مجتمع إسرائيل الذي يدعي الديمقراطية والمساواة بين سكانه اليهود على الأقل. الأشكنازي القادم من مجتمعات أوروبا هو رمز للتفوق والهيمنة، وهو الذي يحكم إسرائيل في الحقيقة، و”هم الذين دمروا فلسطين”، كما يقول نائب عربي في البرلمان الإسرائيلي. تلك النخبة جلبت اليهود السفارديم والمزراحي، أي القادمين من مجتمعات الشرق في تركيا وإيران والمنطقة العربية، ليكملوا الصورة كإكسسوار مساند. يميز الاشكنازي نفسه عن غيره من اليهود بسرعة وبعنجهية، فهو الأبيض بعيونه الملونة، وغيره ببشرة سمراء وعيون داكنة. هو المتحضر وغيره المتخلف. المفارقة أن الاشكنازي حول نفسه من كونه الآخر داخل أوروبا، إلى أوروبي بين الآخرين! تقول إحدى الإسرائيليات. عرب ضد إسرائيل فيلم “ما هتفت لغيرها” للبناني محمد سويد، يحمل للمتفرج مشاهدة ممتعة بسرده غير التقليدي الذي يستعير من الأدب نكهة يضيفها إلى السينمائي. سويد المتعاطف مع الثورة الفلسطينية منذ شبابه المبكر، يتساءل هنا عن مصير بيروت، ومصير اللبنانيين الذي تعلقوا بالقضية الفلسطينية وارتبطوا بحركة “فتح” في مدينتهم. كان زمناً رومانسياً في عمر القضية أراد فيه الفلسطينيون والعرب تحويل بيروت إلى هانوي أخرى. كان ذلك في زمن الأيديولوجيات اليسارية التي اندحرت لصالح تحويل المدن الثائرة إلى مدن تخضع للرأسمالية بشكل أو بآخر. وباتت أجيال من الشباب العربي تقصد دبي للعمل والاستثمار، بعد أن كانت تقصد بيروت للنضال والمقاومة. إنه فيلم روائي وثائقي بضمير المتكلم، تتداخل فيه تجربة المخرج مع تجربة الشاب اللبناني الذي يوهمنا أنه يتتبع سيرته. الاختصار هنا ليس من صالح هذا الفيلم الذي لديه الكثير ليحكيه، كأن مخرجه أراد أن يضع فيه مجمل أفكاره الكبيرة التي يمكن أن توزع على أكثر من فيلم. فيلم “بدي شوف” كان عرضه قبل سنتين مفاجأة في مهرجان كان السينمائي، فالمخرجان اللبنانيان الزوجان اللذان أخرجا أكثر من عشرة أفلام ما بين وثائقية وروائية، لم يجدا فكرة تهز ضمير العالم وتفضح ما حدث في حرب تموز 2006 في لبنان من وحشية القصف الإسرائيلي للأبرياء، بأفضل من إشراك نجمة سينمائية مرموقة فيه. إنه فيلم داخل فيلم يمزج الواقعي بالروائي، تمثل فيه الممثلة الفرنسية كاترين دونوف نفسها في شخصيتها الواقعية، تجول في لبنان وترى حجم الدمار الذي لحق بالأرض والإنسان، تعيش الخطر الذي يترصد البشر في تحركاتهم، ألغام أرضية قد تنفجر بأي عابر سبيل، غارات جوية تكسر حاجز الصوت وتشوش على هدأة الروح بإشعارها سكان المنطقة أنهم مهددون في أية لحظة بالقصف. شاركها في التمثيل الممثل اللبناني ربيع مروة. أختتم المهرجان بفيلم “ميناء الذاكرة”، وهو روائي قصير للمخرج الفلسطيني كمال جعفري المقيم في الولايات المتحدة. يتابع فيه التهديد الذي يقع على سكان مدينة يافا على الساحل الفلسطيني، لإخلائها من سكانها الأصليين، ولا تكف السلطات الإسرائيلية عن تهديد أهلها بنزع ملكيتهم لبيوتهم وأراضيهم. الفيلم يدين أيضاً المحامي الفلسطيني المهمل الذي أضاع أوراق ملكية البيت، في دلالة على تواطؤ داخلي أحياناً. يرصد المخرج من خلال كاميرا شاعرية بطيئة وثابتة أحياناً، حياة عائلة مكونة من شاب وأخته وأم عجوز. الصمت وندرة الحوار يهيمن على الفيلم، والشوارع خارج البيت شبه فارغة كأنها مهجورة. تطرق الباب فتاة يهودية تسأل أن كان البيت للبيع، ترد الفلسطينية عليها بحدة، وترفض أن تتركها تدخل لتتفرج على البيت العتيق. كأننا أمام درس مستمد من التاريخ، فاليهود سمح لهم أن يدخلوا إلى فلسطين نهاية القرن التاسع عشر، لكنهم انقضوا على الأرض كلها بعد ذلك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©