الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التعليم الصحيح يحرر النفس ويرتقي بالوجود الإنساني

التعليم الصحيح يحرر النفس ويرتقي بالوجود الإنساني
27 أغسطس 2009 00:37
الأديبة الإماراتية ظبية خميس حملت على عاتقها عبء ترجمة كتاب «التعليم وقيمة الحياة» وهو من تأليف كريشنا مورتي، الذي يعد أحد أهم المفكرين والمتأملين الروحيين في العالم. والكتاب يتحدث عن إشكالية تنشئة الشباب في ظل عالم الاستلاب المادي، والحروب والتعصب، والانغلاق العقلي والروحي، الذي ضاعفه الزمن الحالي تحت وطأة تسطيح الكائن الإنساني، وجعل عقله وروحه خاضعان، لمعتقدات متصلبة يقودها الخوف من المؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية. مصدر الخطر يسعى مورتي من خلال الكتاب إلى تحرير النفس والوعي والارتقاء بالوجود الإنساني، كذات متأصلة ومدركة لنفسها لا تنعزل عن الكل ولا تقع تحت تأثير الاستبداد العام والمتعارف عليه، فنجده ينتقد التعليم التقليدي، متهماً إياه بالنمطية، التي تنتج نوعاً من الكائنات البشرية يدور اهتمامها الرئيسي حول العثور على الأمان، ويحصلوا على أوقات هانئة بأقل عناء فكري ممكن. ونراه يؤكد أن هذا هو مصدر الخطر «أن نعبد النجاح»، فالنزعة إلى نيل المكافأة والبحث عن الأمان الداخلي والخارجي والرغبة في الراحة، جميعها تضع حداً للتلقائية وتنمي الخوف الذي يحجب عنك الذكاء لتفهم الحياة. ومع مضي العمر نصبح كائنات خائفة من خوض الصراع والتجارب الجديدة، ونخشى من أن نفكر بشكل مغاير للأفكار الراسخة في المجتمع، وذلك يرجع إلى خطأ في أساليب التنشئة والتعليم، التي تقضي على روح الثورة في دواخلنا، تلك الثورة التي يصنفها مورتي إلى نوعين، عنيفة وهي مجرد ردة فعل، ونفسية وهي التي تعمق الذكاء. ثم يعود كاتبنا ليتحدث عن أهمية وقيمة الحياة، قائلاً،» إذا كنا نتعلم من أجل أن نحقق التميز فقط، ولكي نعثر على عمل أفضل، ونكون أكثر كفاءة للحصول على فرص أوسع للسيطرة على الآخرين، فإن حيواتنا ستبدو خاوية وسطحية. إذا كنا نتعلم فقط لكي نكون علماء، أو أساتذة نعيش مع الكتب، أو متخصصين مدمنين للمعرفة، فإننا إذاً سوف نساهم في خراب وبؤس العالم». ويضيف، أن هناك قيمة أعلى وأوسع للحياة، فما هي قيمة تعليمنا إذا لم نكتشف ذلك؟ قد نكون على قدر كبير من التعليم، غير أننا إذا لم نكن على مستوى عميق من المزج بين الفكرة والإحساس، فإن حيواتنا تكون ناقصة، متناقضة وممزقة ومحاطة بكثير من المخاوف، وحين يعجز التعليم عن تنمية وجهة نظر متكاملة للحياة فإنه يغدو بلا قيمة. الفشل المطلق ويهاجم كريشنا مورتي التعليم المعاصر بشدة، واصفاً إياه بالفشل المطلق لأنه قام بالتركيز المبالغ فيه على قيمة التقنية. وفي هذه المبالغة تدمير للإنسان، أننا ننمى القدرة والكفاءة فيه دون أن نتركه يفهم الحياة، موضحاً، أن المعرفة التكنولوجية مهما كانتا ضروريتين، لن تحلا بأي شكل من الأشكال الضغوط النفسية والصراعات العميقة، ولأننا قد امتلكنا المعرفة التقنية دون أن نستوعب حياتنا، فقد أصبحت التكنولوجيا وسيلة لتدميرنا. و لهذا فإن الشخص القادر على شطر نواة دون أن يمتلك حباً في قلبه سيتحول إلى وحش. كائنات هشة ويعود ليؤكد أن التعليم الصحيح ينبع من فهم الطفل كما هو، دون إرغامه على نموذج نطمح أن يكونه، ولهذا على المربي الذي يرغب أن يفهم طفله أن لا ينظر إليه عبر عدسة المثاليات، والهروب إلى الأنموذجية، بل عليه أن يراقبه ويدرس رؤية توجهاته، وذلك بالاستعانة بكثير من الصبر والحب، لأنه يتعامل مع كائنات حية، هشة، سريعة الانطباعية. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يكذب، فما قيمة أن نصنع أمامه نموذجاً للصدق، علينا أن نعرف ما الذي يدعوه للكذب، وبالتالي نساعده على تخطي ذلك، وهذا يقتضي الصبر والحب والعناية. ويضيف، أن من أهم أهداف التعليم الصحيح، هو تنمية العلاقة الصحيحة، ليس بين الأفراد فقط، ولكن بينه وبين مجتمعهم، ولهذا فمن الضروري أن يكون التعليم قادراً قبل أي شيء آخر على مساعدة الفرد ليفهم عمليته النفسية. كما أن التعليم الصحيح لا بد وأن يكون مشجعاً للتفكير المتأني والاحترام للآخرين دونما تحفيز أو تهديد من أي نوع، بأن نجعل كل من الطالب والمعلم متحررين من أي خوف وعقاب والسعي وراء نيل مكافأة جراء ما نقوم به، لأن الخضوع للسلطة والتبعية لها تجعل المرء مستفيداً منها إذا ما فكر بالدافع الشخصي والربحي أولاً ليكون بعد ذلك ضمن تركيبة اجتماعية تقوم على أساس التنافس والصراع والقسوة، مثلما كانت ولا تزال معظم طرائق التربية المعروفة. ويشدد مورتي أيضاً على أن التعليم الصحيح يأتي مع التحولات في ذواتنا، حيث يتوجب علينا أن نعيد تعليم أنفسنا، أن لا يقتل أحدنا الآخر لأي سبب، بغض النظر عن مدى صحة ذلك، ولا لأي أيدلوجية، بغض النظر عن الوعود البراقة فيها عن مستقبل سعيد للعالم. يتوجب علينا أن نتعلم كيف نكون إنسانيين، ويكون لدينا رحمة وعاطفة، أن نرضى بالقليل، وأن نسعى إلى السمو، عند ذلك فقط يمكن أن يكون هنالك خلاص حقيقي للبشرية. ثم يتحدث بعد ذلك عن علاقة التعليم بأزمات العالم، ملقياً باللوم على النظم التعليمية في إذكاء هذه النزاعات داخل نفوس النشأ، من خلال غرس قيم ومبادئ تقوم على المصالح الذاتية والنزعات التملكية، ومن ثم تصبح تركيبة المجتمع تنافسية وعازلة للذات، ويرى أن هناك سبباً أخر للفوضى الحالية، ويتمثل في الاعتماد على القادة سواء في الحياة اليومية، المدرسة الصغيرة، الجامعة، فالقادة وسلطاتهم عوامل تفسخ أي حضارة، أو ثقافة، لأننا عندما نتبع الآخر نتبعه لا لأننا على فهم وقناعة بدوره، ولكننا نتبعه خوفاً منه وخضوعاً له، وهذه التبعية ستؤدي إلى شيوع القسوة وتعصب في الدين، وكل هذا سينشأ بشكل منظم وتدريجي. إن أحد الأسباب الرئيسية للكراهية والشقاق هي المعتقد بأن طبقة أو عرق بشري محدد هو أرقى من الآخرين. أن الطفل ليس على وعي بالعنصرية الطبقية أو العرقية، إنه معنى بالبيت أو أجواء المدرس، أو كلاهما معاً، ذلك الذي يجعله يشعر بالانعزالية. في داخله لا يهتم إن كان يلعب معه زنجياً أو يهودياً أو من طبقة البراهمة أو طفلاً من الأطفال العاديين، لكن التأثير لكامل التركيبة الاجتماعية التي تغرس في دماغه باستمرار وتؤثر عليه وتشكل عقليته، فالمشكلة ليست لدى الطفل ولكن لدى من خلقوا بيئة لا حس لها تقوم على قيم خاطئة وانفصالية، وهو ما يستلزم تحطيم كل أشكال التعصب بداخله، ومن ثم في بيئته. ويتم تربية الطفل بحكمة وإذكاء روح المناقشة والاستماع إلى الغير، والبحث، والتي هي موجودة بالفعل داخله، وبذلك نساعده ليكتشف بنفسه ما هو حقيقي وما هو زائف. تراكمية الوقائع ثم يعرج الكاتب إلى ضروري إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية، التي تهتم بتوظيف معلمين يعتمدون على النظام بدلاً من كونهم منتبهين وملاحظين في علاقتهم بالطلبة طالباً، وهو ما يشجع تراكمية الوقائع والمعلومات وتطوير القدرات، والتفكير الآلي بحسب نموذج ما، وينفي مورتي، أن يكون ذلك مساعداً للطلاب في أن يصبحوا بشراً متجانسين ومنسجمين مع ذواتهم، حيث يشدد على عدم وجود قيمة حقيقية يمكن اكتسابها عبر التعليم الجماهيري، ولكن من خلال الدراسة الدقيقة والفهم للمشاكل والميول والقدرات لدى كل طفل، وعبر الواعين ذلك، والراغبين بصدق في فهم أنفسهم ومساعدة الأطفال. ويرى أنه من الواجب على الجميع أن يجتمعوا ويبدأوا معاً في إنشاء مدرسة يمكن لها أن تشكل أهمية حيوية في حياة الطفل، والذين يبدأون بإنشاء مثل هذه المدرسة لا يحتاجون لانتظار الوسائل والإمكانات الضرورية، فالإنسان يمكن أن يكون معلماً حقيقياً ويمارس مهنة التعليم في بيته شريطة أن يتوافر الصدق والنية الحسنة لتحقيق ذلك. ومع ذلك لا ينكر مورتي أن انشاء مدرسة صغيرة من النوع الصحيح تحتاج للتأمين المادي، ولكن إذا كان الأهل يحبون أطفالهم بصدق فإنهم سوف يستخدمون التشريعات ووسائل أخرى لتأسيس مدارس صغيرة توظف النوع الصحيح من المعلمين، ولن تعيقهم الكلفة المادية ولا صعوبة العثور على معلمين من النوع الصحيح، لأن العامل المادي هو الأقل أهمية، لأن المدرسة تزدهر عبر التضحية الذاتية وليس عبر فتح حساب مصرفي كبير.. لأن الأموال ستذهب هباء ما لم يكن حب وفهم كامل للمهمة. وفي نهاية الكتاب يتحدث المؤلف عن علاقة المعلمون والأهل بالعملية التعليمية، قائلاً أنها عملية تكاملية مشتركة، وتحتاج من المعلمين أن يقومون بإعادة فهم ذواتهم، وأن يتحرروا من النماذج المؤسساتية للفكر، وأن تسير العملية التعليمية إجمالاً في الطريق الذي يرسخ لإعلاء قيمة الحياة لدى النشأ ولا تكون مجرد مناهج وأدوات معدة سلفاً يتم تفريغها في عقولهم، وهو ما يعني إهداراً لقيمة كل من التعليم والحياة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©