الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبداعات نادرة.. و4 آلاف بيت تزينها صور الخيول والمجالس

إبداعات نادرة.. و4 آلاف بيت تزينها صور الخيول والمجالس
27 أغسطس 2009 00:47
من المخطوطات التي حرص الفنانون في إيران على نسخها وتزويدها بالتصاوير، ذلك الديوان الشعري الذي ألفه مشرف بن مصلح المعروق باسم سعدي الشيرازي لتكون أبياته الأربعة آلاف، أهم ما جادت به قرائح شعراء الفرس من الشعر التربوي والأخلاقي، إذ أراد به الشاعر سعدي أن يكون منهاجاً ومرشداً لسيرة الأمير بين الرعية. ويعرف هذا الديوان باسم «البستان» أو حديقة الفواكه، أما مؤلفه فهو، أحد أشهر شعراء الفرس الثلاثة مع كل من الفردوسي والأنوري. سيف الجهاد ولد مشرف في مدينة شيراز عاصمة إقليم فارس في عام 580 هـ - 1184م لابوين من الأسر المعروفة في مجال العلوم الدينية، فنشأ مثلهم وتعلم دروسه الأولى على يد أبيه وأمثاله من شيوخ شيراز، ولكن والده توفي عنه وهو صغير، وكان الوالد في خدمة الاتابك سعد بن زنكي السفري أمير فارس الذي رعى مشرف ومن ثم أطلق مشرف بن مصلح على نفسه اسم سعدي وفاء لهذا الأمير الذي أوفده لمواصلة تعليمه في المدرسة النظامية ببغداد. ونظراً لاضطراب أحوال الشرق في تلك الفترة نتيجة لتزامن الفتن الداخلية مع غزوات الصليبيين وهجمات التتار، غادر سعدي فارس في عام 623 هـ وراح يتنقل بين العراق والشام والحجاز وآسيا الصغرى ومصر وشمال أفريقيا وخلال تجواله الطويل حمل سيف الجهاد مرتين إحداهما في الهند والأخرى قبلها في الشام عام 627 هـ حين قاتل ضد الصليبيين ووقع أسيراً في أيدي الفرنجة حتى افتداه صديق شامي بعشرة دنانير، كما زوجه ابنته وامهرها عنه بمئة دينار. وعاد سعدي إلى شيراز في عام 654 هـ ليقضي بها بقية حياته فلم يغادرها إلا للحج وذاعت شهرته هناك كشاعر وأديب مهر في الفارسية والعربية. 23 ديواناً وترك سعدي ثلاثة وعشرين ديواناً أشهرها ديوان «البستان»، الذي وزعت أبياته الأربعة آلاف على عدد من القصص المنظومة مصنفة بين المقدمة والأبواب التي يبلغ عددها عشرة أطولها باب العدل وأقصرها باب المناجاة. ونظراً للنزعة الأخلاقية والصوفية التي ميزت «البستان»، فقد صادف هذا الديوان هوى كبيراً بين المسلمين في فارس وبلاد الترك، وظل النساخ يخرجون مخطوطات مصورة منه منذ وفاة سعدي في عام 692 هـ - 1292م وحتى نهاية العصور الوسطى. ومن أشهر النسخ المخطوطة والمصورة من البستان لسعدي الشيرازي، تلك المحفوظة بدار الكتب المصرية بالقاهرة، وكتب هذا المخطوط في مدينة هراة للسلطان حسين ميرزا بايقرا، أحد أحفاد تيمورلنك في عام 893 هـ -1488م. وشارك في إنتاج هذا المخطوط ثلاثة من مشاهير الفنانين في ديار الإسلام آنذاك وهم: الخطاط سلطان علي والمذهب ياري والمصور النابغة كمال الدين بهزاد الذي كان مديراً لمكتبة القصر في هراة وإشرف علي العديد من الفنانين من مصورين ومذهبين وخطاطين ومجلدين، بالإضافة إلى قيامه بتزويد المخطوطات بالرسوم التوضيحية. غرة الكتاب وتشمل المخطوطة «فاتحة»، أي غرة الكتاب، وهي من صفحتين متقابلتين تمثلان السلطان حسين ميرزا بايقرا، وهو يستقبل ضيوفه في مجلس طرب وموسيقى ونرى في ذلك المنظر شرفة إلى جوار برج سداسي الأضلاع وإلى جانبها سرادق مزدان بمجموعة متقاطعة من الدوائر تحتوي على أشكال طيور وغزلان وأرانب برية وتوريقات نباتية وزهور، كما جملت حوافها بنقوش كتابية، وفرشت في الأرضية سجاجيد متعددة الألوان والزخارف فوقها وسادة رقيقة تربع عليها السلطان وجلس أمامه ضيف مقرب وخلف هذا الضيف وقف حارس الباب متمنطقاً سيفه. أما بقية ضيوف البلاط فقد جلسوا في أماكن مختلفة بالقرب من عازف العود. مجالس وخيول نجح المصور في توزيع مجموعات الحضور ببراعة فائقة والتعبير عن انفعالاتهم، إذ يبدو الجميع وقد اندمجوا مع أنغام العود أو استخفهم الطرب حتى أن واحداً منهم غاب عن وعيه من شدة التأثر فأسرع إليه آخر لنجدته فوقعت عمامتاهما على الأرض. وكعادة بهزاد في تنويع حركات شخوصه لإضفاء الحركة والحيوية على تصاويره رسم ضيفاً آخر راكعاً على ركبته يقرض أظافره من فرط الإعجاب بينما يتمايل آخر راقصاً، وإلى اليمين في زاوية الصورة نلمح رجلاً يهز رأسه طرباً وخلفه من يقوم بتمزيق ملابسه من شدة تأثره، بينما حمل له أحد الاتباع ملابسه. وتعطي هذه الصورة فكرة واضحة عن مجالس بلاط التيموريين وما كان يدور فيها من احتفالات. وفي صورة ثانية، جسد بهزاد الملك الفارسي داراً وراعي خيوله، وهي من روائع فن التصوير الإسلامي ويظهر في الصورة الملك فوق فرسه وحيداً بلا أتباع أو حراس ويقف أمامه في خضوع تام أحد رعاة الخيل، ونلاحظ هنا مهارة بهزاد في تصوير الأشخاص والحيوانات والمناظر الطبيعية في توافق وانسجام تامين. وتتجلى عبقريته في رسوم الخيول التي وزعها في جنبات الصورة، خاصة في التعبير عن عاطفة الأمومة لتلك المهرة الصغيرة، وهي ترضع من ثدي أمها التي راحت تقضم بعض أعشاب الأرض، وذلك في أعلى يمين الصورة، وراح بهزاد يركز على الفكرة ذاتها في مقدمة الصورة من ناحية اليسار، ولكنه رسم المهر في هذه المرة، وهو يركع على قدميه الأماميتين، بينما رفعت الأم رقبتها لتنظر في التفاتة رشيقة نحو الملك دارا• ومن المعروف أن هذا المخطوط من بستان سعدي كان ضمن مقتنيات خديو مصر إسماعيل وأودعه الكتبخانة الخديوية التي تعرف اليوم بدار الكتب المصرية. وتوجد أيضاً نسخ من هذا الكتاب أُنتجت في الهند المغولية وزودت بالصور.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©