الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فتش عن السياسة في صراع الأديان

23 مارس 2011 19:47
كانت نظرية داروين في القرن التاسع عشر، ومن بعدها الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، وما ترتب عليها إعلان في الغرب عن تراجع الدين وانهياره، فقد تصور كثيرون أن النتائج العلمية المبهرة والأفكار العقلانية تغني الإنسان بل والإنسانية كلها عن الدين عموما، لكن بدأت هذه التصورات في التراجع مع النصف الثاني من القرن العشرين ولعب استخدام الدين دورا مهما في حسم الحرب الباردة لصالح الولايات المتحدة والغرب. ولذا وجدنا مراكز الأبحاث والجامعات الكبرى تهتم بدراسة الأديان وتاريخها، وتصدر الكتب والموسوعات حولها، ومن بينها “موسوعة الأديان الحية” وهي موسوعة موجزة تصدر في مجلدين، الأول منها يتناول الأديان السماوية أو ما يسميه القائمون عليها أديان النبوات وهي بالترتيب التاريخي اليهودية والمسيحية والإسلام، ويضم المجلد الثاني الأديان غير السماوية. أشرف على هذه الموسوعة ر. س. ريتز أستاذ الأديان الشرقية بجامعة اكسفورد وشارك في اعداد موادها 15 أستاذا من المتخصصين في مقارنة الأديان وتقع المادة الخاصة بالإسلام في قرابة ستين صفحة وقام بكتابتها المستشرق المعروف “هاملتون جب”، صاحب الدراسات العديدة عن الاسلام والحضارة الإسلامية والعربية ومعظمها تم نقله إلى اللغة العربية. حية ومنقرضة الموسوعة تهتم بالأديان الحية ومن ثم لم تتوقف عند الأديان التي يمكن القول إنها انقرضت أو لم يعد لها أتباع او أشياع مثل الديانة المصرية القديمة والديانة البابلية أو ديانات أهل الرافدين قديما، وهي عموما تندرج فيما يعرف بأديان الشرق القديمة. ويذهب “ريتز” المشرف على الموسوعة ومحررها إلى أن البوذية انتشرت في الغرب في الزمن الذي تراجع فيه مفهوم الدين بعد ظهور دارون، ذلك أن البوذية ديانة لا تطلب من أتباعها ـ هكذا يقول ـ الإيمان بالله أي أن هؤلاء اختاروا ديانة سهلة لا تطلب منهم ذلك الإيمان العميق ولا تلزمهم بأشياء أخرى، بل تهتم بالخلاص الفردي فقط لمن يعتنقها. ويقسم “ريتز” العالم إلى عقليتين غربية وشرقية، الغربية عنده هي التي تعتنق الديانة المسيحية في المقام الأول، بكل قيمها وأخلاقها، أما الشرقية فتتمثل عنده في الشرق الأقصى وتحديدا الهند والصين، العقلية الغربية تعتنق ديانة من “أديان النبوات” أما الشرق الأقصى فيؤمن أهله بما يسميه محرر الموسوعة “أديان باطنية” وأحيانا يسميها أديان “الحكمة” ورغم ان الديانة الزرادشتية التي ظهرت في بلاد فارس تنتمي إلى الأديان الباطنية فهو يراها متأثرة بأديان النبوات، الأديان التي تقوم في المقام الأول على فكرة النبي المرسل من عند الله. وطبقا لمحرر الموسوعة فإن المسلمين، ينتمون إلى العقلية الغربية في الدين، فالإسلام هو حالة نموذجية لأديان النبوات، نبي مرسل يأتيه الوحي بكتاب منزل من عند الله هو القرآن الكريم. وفي الجزء الخاص بالإسلام، حاول “جب” أن يكون موضوعيا قدر الإمكان، يكتب عن النبي قائلا: “وشخصية محمد كما قدمها لنا القرآن الكريم والأحاديث النبوية الباكرة، هي شخصية بشر عادي مهد الله له برسالة كرسّ لها نفسه دون توان أو انقطاع. الفرق الإسلامية وفي دراسته للفرق الإسلامية كان واضحا في انه لا توجد خلافات عقائدية بينها أو بين معظمها ولكنها نشأت لخلافات سياسية او بسبب المصالح والمنافع، هذه الفرق جميعها تلتزم بالقواعد وأركان الاسلام الخمسة وتؤمن جميعها بنبوة محمد وان القرآن الكريم نص إلهي، نزل به الوحي من عند الله على النبي، بينما ليس الحال كذلك في بعض الديانات الأخرى، ففي الفصل الخاص بالمسيحية تتحدث الموسوعة عن ثلاث ديانات، الكنيسة الشرقية أو الارثوذكسية ثم الكاثوليكية وأخيرا البروتستانتية، وتستعرض الموسوعة الخلافات في الرأي بينها حول طبيعة السيد المسيح عليه السلام، وهذا الخلاف ينعكس في سائر الممارسات الدينية والعقائدية. وفي حديثه عن منهج تناول كل ديانة ذكر المحرر “هدفنا هو تقديم كل دين من خلال سياقه، مما أدى إلى تمسكنا بتطوره الداخلي في خطوط خاصة به، البوذية ـ على سبيل المثل ـ لا يمكن معالجتها بمصطلحات مسيحية، كما أن المسيحية لا يمكن معالجتها بمصطلحات بوذية، لأن الديانتين لا تتعاملان مع نفس الموضوع، وكان من مهام المحرر أن يرى ما اذا كان كل دين قد تم تقديمه من خلال خلفيته لا ضدها”. هذه الموسوعة صدرت أول مرة باللغة الانجليزية في بريطانيا عام 1959، وهذا التاريخ مهم، وقتها كانت الأفكار الماركسية تجتاح شباب أوروبا، وكان هناك تخوف في أوروبا والولايات المتحدة، لذا سعى فريق من الأكاديميين الى تأكيد ان الدين مازال موجودا وله دور فاعل في حياة الإنسان الفرد وحياة المجتمعات والامم وكان ذلك جزءا من الحرب الباردة الثقافية والفكرية. والآن في عام 2011 تتم ترجمتها إلى اللغة العربية، أي بعد 52 عاما على ظهورها، ومن مقدمة المترجم د. عبدالرحمن الشيخ، يبدو لنا انه رأى فيها شيئا مهما الآن، خاصة في الصراع الديني الذي يحاول البعض النفخ فيه بين المسلمين والمسيحيين، تحديدا، منذ 11 سبتمبر 2001 أو الصراع المذهبي بين المسلمين مما يهدد بحروب أهلية وصراعات طائفية ومذهبية بغيضة. ويقدم المترجم ثلاث ملاحظات يمكن أن نوجزها على النحو التالي: اولا: أن التوحيد أي لا إله إلا الله هو جوهر الأديان السماوية الثلاثة، وان التباين يظهر في تصور اتباع كل دين لمعنى التوحيد وماهيته وكل منها يؤمن بالوحي وبالكتاب المنزل. ثانيا: أن الخلافات في الأديان كلها، من الناحية التاريخية، نشأت لأسباب وأغراض سياسية ويتضح ذلك بشكل خاص في الخلاف والانقسام داخل الكنيسة، ما بين كنيسة شرقية “ارثوذكسية” والكنيسة الغربية “الكاثوليكية”. ثالثا: إن جوهر القيم الأخلاقية في هذه الأديان واحد، كل الأديان توصي الانسان لا تقتل، لا تسرق، لا تزن، لا تظلم وهكذا. وبهذا الفهم فإن الموسوعة يمكن ان تكون عنصر وعامل تقارب ثقافي وفكري، وقد التزم المترجم بالأمانة العلمية، فقد نقل النص الأجنبي كما هو وحين كان يبدو لديه اعتراض ما أو ملاحظة يود أن يبديها أو معلومة يقوم بتصحيحها، كان يدون ذلك في الهامش وبتوقيعه، حتى لا يختلط الأمر على القارئ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©