الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السرد بيت الفنون

السرد بيت الفنون
23 مارس 2011 19:47
يرصد الناقد المغربي الدكتور حسن ليشكر صورة بعض مستويات تشكل وانبناء الخطاب الروائي العربي الجديد لإبراز بعض مظاهر ارتياد التجريب كأفق للكتابة وانفتاح النصوص على الفنون السمعية البصرية في كتابه الصادر ضمن سلسلة كتاب المجلة العربية السعودية الجديد، الذي وزع محتوياته إلى أربعة فصول هي “السينما، البناء الموسيقي، الرسم والفنون التشكيلية، والمسرح” الذي أشار في مقدمته إلى أن كتابه: “خطاب متعدد الأبعاد والأنساق يستخدم وسائط تشخيصية متعددة لبناء المتخيل، كما يشغل عدة أنماط معرفية مستوحاة من علوم ومعارف وفنون ـ علم النفس، النقد، الخطاب الأيديولوجي، التاريخ، السياسة، والأسطورة ـ لإثراء العالم الدلالي وتخصيب فعل القراءة..”. السينما أولاً صدر المؤلف للفصل الأول “السينما” تمهيداً عرض فيه لإفادة الرواية العربية الجديدة من الفنون السمعبصرية وبخاصة الفن السينمائي، إذ استثمرت بعض تقنياته لتشكل نسقها السردي والتخييلي وتخصيب جمالياتها الخاصة. كما أوضح أن مرحلة نضج عملية تفاعل السينما بالأدب: خاصة في السنوات الخمس الأخيرة من الخمسينيات حيث اقتبست السينما من الأدب خمسة وعشرين فيلماً يعد أغلبها علامة مميزة في تاريخ هذه السينما مثل “دعاء الكروان” لطه حسين، و”رد قلبي” ليوسف السباعي، و”بداية ونهاية” لنجيب محفوظ... ثم حاول حسن ليشكر في هذا الفصل الوقوف عند اللغة السينمائية في نصوص نجيب محفوظ منذ الستينيات بعد ولوجه عالم الكتابة السينمائية بإيعاز من المخرج صلاح أبو سيف سنة 1945م، وأن موقع محفوظ في المشهد السينمائي لا يقل أهمية عن موقعه الروائي، حيث قدم حتى سنة 1988م تسعة وخمسين فيلماً منها خمسة وثلاثون مأخوذة من أعماله الأدبية. وقد ازداد هذا العدد بعد ذلك نظراً لخصوبة وثراء رواياته وقابليتها للإخراج السينمائي. ووقف مؤلف الكتاب عند استعارة الرواية الجديدة للتقنيات السينمائية، حيث اختار النماذج الأكثر تمثيلاً كرواية تحريك القلب لعبده جبير التي تبرز فيها ملامح التأثر بالسينما وإنجازاتها بشكل لافت للانتباه، من عدة مستويات يراها ليشكر كتقنية تركيب الأحداث والصور والمشاهد شارحاً بالتفصيل شواهد من ذلك. واستشهد المؤلف برواية العراقي عبدالرحمن مجيد الربيعي “خطوط الطول خطوط العرض” ضمن هذا التوجه الذي يؤسس كينونة النسق الروائي اعتماداً على أقيسة فنية حديثة توسع دائرة المتخيل الحكائي “تحطيم الوحدات الزمنية، تكسير البعد الأحادي والرؤية الحرفية، خلخلة الخط السردي الخطي وتنويع طرائق السرد”. هذا فضلاً عن توظيف تقنيات سينمائية كالفلاش باك وتجريب المونتاج الفيلمي، حيث يؤدي التقطيع بالحدث والشخصية من خلال المكان والزمان إلى تشكيل وحدة امتداد عضوية للرواية ضمن جوها العام. البناء الموسيقي يرى المؤلف في الفصل الثاني “البناء الموسيقي”، أن الرواية العربية الجديدة قد انفتحت على الموسيقى التي تعدّ معيناً لا ينضب أفاد منه الروائيون ونهلوا منه لتنويع مفازات ومسالك الحكي؛ لأن علاقة الموسيقى بالكلام وطيدة، لأنها تنبثق منه وقد تطوره، وقد تضخمه، كما أن الموسيقى برأيه يمكنها أن تلعب دوراً في بناء الفضاء الدرامي، فتربط بين الفضاء المتخيل المعروض والفضاء المتخيل المتحدث عنه. وأوضح ليشكر في هذا الفصل أبرز الدراسات الموسيقية التي تطرقت لمقارنة فرعين مختلفين من الإبداع يعتمدان أدوات متباينة في الأداء والبناء كالأدب والموسيقى، حيث استشهد بكتاب العراقي أسعد محمد علي “بين الأدب والموسيقى”، فنقل عنه قوله: “بالنسبة لي في كتابي بين الأدب والموسيقى الصادر عام 1985م، حاولت تقريب هذا الموضوع الصعب والجديد على القارئ بكلمات سهلة، فقلت إن اللحن الأول واللحن الثاني في السيمفونية يماثلهما في الدراما عطيل ودزدمونة، والألحان التي يبدعها كاتب المسرحية وهم شخوص ثانويون يتفاعلون مع الشخوص الرئيسية عطيل ودزدمونة عبر تقنية وصفية وتداخلات وتشابكات تسمى الحبكة، تتصاعد الذروة تماماً مثل هايبن وبيتهوفن بشكل خاص الذي تتضح عنده الذروة قوية صارمة بعد أن استطاع أن يحقق تطويراً لألحانه الرئيسية والمتضاعفة والمتمازجة المتشابكة مع بعضها من خلال ما يسمى بالتطور”. ثم تطرق حسن ليشكر في هذا الفصل إلى المبدعين الغربيين الذين واصلوا كتابة بعض رواياتهم في ضوء الأشكال والمعارف الموسيقية. مع العلم أن الموسيقى هي الأخرى تأثرت بالأدب في مستويات متعددة: بيتهوفن تأثر بالأسطورة، فكتب افتتاحيات برومثيوس وكتب أوبرا فيدليو، ثم وجد المعين في قصيدة شيلر نشيد الفرح التي حولها إلى سفر من عطاء غنائي فتح به أفقاً جديداً في العلاقات بين السيمفونية والغناء من جهة، إلى أغان اتسمت بسموّ التعبير والأداء المكثف الذي احتوى المعنى والإيقاع الموسيقي. الرسم والفنون التشكيلية يرى مؤلف الكتاب في الفصل الثالث من كتابه “الرسم والفنون التشكيلية” أن مرجعيات السرد الروائي العربي الجديد تتعدد فيه، فضلاً عن الصورة الفوتوغرافية، الخطاب الصحفي، الرسائل، المذكرات، الشعر، الموسيقى... ونجد أيضاً الرسم والفنون التشكيلية بسبب قوة الصلة بين الرواية والفنون المكانية لأنها تجعل ـ هي الأخرى ـ الصورة مرئية، مما يجعلها مرتكزاً للرؤية البصرية المتخيلة. ويذكر ليشكر نماذج من الروائيين العرب الذين أفادت نصوصهم من إنجازات الرسم والفن التشكيلي نحو عبدالرحمن مجيد الربيعي في “من الأفق إلى الأفق، وفي الخروج من بيت الطاعة، أو تجربة جبرا إبراهيم جبرا الذي مارس الرسم، وكذلك شكل نسق الرسم مرتكزاً سردياً عند محمد برادة وخاصة في الضوء الهارب، لأن الشخصية المحورية رسام مثقف عندما تستبد به الأفكار والأحلام يحولها إلى أشكال تحرك القلم والفرشاة”.. وأدرج ضمن هذا السياق تجارب آخرين منهم صنع الله إبراهيم الذي استفاد في تشكيل نصوصه من الفن التشكيلي... وتناول روايات سليم بركات التي استقت عناصرها التشكيلية من الرسم التجريدي بيكاسو، سيزان أعمال السورياليين. المسرح رابعاً عقد المؤلف الفصل الرابع “المسرح” الذي وظفت الرواية العربية الجديدة له ضمن تقنياته - الحوار، الديكور، المونولوج ـ لبناء المتخيل الروائي واستيعاب مستويات الخطابية والسردية كمجموع مسرحي، الذي يجد أن توفيق الحكيم كتب ـ بحكم اهتمامه البالغ بالمسرح ـ نصاً يراوح بين الجنسين “مسرواية” عنوانه بنك القلق. ويتألف من عشرة فصول كل فصل يبتدئ بمقاطع سردية، يعقبها منظر واحد كتب بطريقة الحوار الدرامي، وعدد المناظر يعادل عدد الفصول. كما استمر الانفتاح على المسرح وتقنياته بمستويات مختلفة، إلى أن وقع الاندماج بين الحقلين في بعض التجارب الإبداعية كـ”السد” لمحمد المسعدي و”النجوم تحاكم القمر” لحنا مينه، حيث نجده يقول في صفحته الخامسة: “هذه رواية ومسرحية معاً. فمن شاء أن يقرأها رواية ففي وسعه ذلك، ومن شاء أن يقرأها مسرحية، ففي ميسوره أن يفعل، وهو مشكور على الحالين”. وتناول الحديث عن روائيين عرباً آخرين مثل يوسف القعيد في روايته “يحدث في مصر” التي ضمنها جملة من التقنيات المسرحية، منها تدخله الشخصي في شكل تعليقات على الأحداث، وتورطه في نطاقها، وكذلك من خلال اعتماده الحوار المسرحي والوثائق، والتقارير الرسمية، والأمثال الشعبية الشيء الذي جعل الخيال يمتزج بالحقيقة الموضوعية. كما عرض لاستلهام وتوظيف المسرح لدى عبده جبير وإبراهيم نصر الله في بعض رواياتهما.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©