السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صبر أيوب.. 25 امرأة في كوميديا الحرب السوداء

صبر أيوب.. 25 امرأة في كوميديا الحرب السوداء
27 أغسطس 2009 01:39
تنفتح الستارة لتطل أم فلسطينية تبحث عن أبنائها بين أنقاض منزلها الذي دمره الطيران الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على غزة، ولتبدأ بهذا المشهد الدرامي أحداث المسرحية الفلسطينية «نساء غزة صبر أيوب» التي تجسد معاناة المرأة الفلسطينية عبر التاريخ, والتي تعرض على مسرح «مركز رشاد الشوا» الثقافي في مدينة غزة. معاناة المرأة، والانقسام الفلسطيني، والأسرى والأسيرات والمفقودين في الحروب التي مرت على هذا الشعب، هي الموضوعات التي تتناولها المسرحية بكثير من الحزن، وببطولة نسائية شبه مطلقة، فكل شخوص العمل من النساء، باستثناء المخرج سعيد البيطار الذي مثل بجانب 25 شخصية نسائية فلسطينية يقفن لأول مرة على خشبة المسرح، وذلك ضمن طاقم مكون من 50 شخصاً ساهموا في خروج هذا العمل الفني إلى النور. تتكون المسرحية من 7 لوحات مختلفة لكنها غير مرتبة ترتيباً زمنياً تاريخياً، كما يقول المخرج سعيد البيطار، مؤكداً أنها «مسرحية من النوع الصعب، فهي عبارة عن عدة لوحات مختلفة وإن كان بينها خيط واحد، وبالتالي كل مشهد يحتاج إلى نمط وأسلوب إخراجي مختلف حتى نستطيع من خلاله إيصال الرسالة، كما أن الممثلات لم يمتلكن أي خبرة سابقة». لم يكن من السهل أن ترى هذه المسرحية النور، وربما لا يعلم الجمهور الغفير الذي شاهدها وأعجب بها وصفق لها طويلاً، أن المخرج واجه صعوبة حقيقة لإنجازها، لأنه لم يكن يملك المال اللازم من جهة، ولا يرغب في الحصول على التمويل من مؤسسة هنا أو هناك حتى لا يحسب على أي طرف، من جهة ثانية. وجاء الحل كما يقول المخرج من خلال «أحد رجال الأعمال الذي وافق على أن يقرضني مبلغاً من المال حتى أتمكن من تنفيذ العمل، وذلك على أمل تسديده من التذاكر». ويتوقع البيطار أن يستمر عرض المسرحية لسنوات، خصوصاً أنه تلقى دعوات لعرضها في مصر والإمارات وسوريا والسويد، لكن الحصار وضعف الإمكانات المادية يحولان دون ذلك، لافتاً إلى أنه يريد أن يقول للعالم بأن غزة تستحق الحياة. أيوب الفلسطيني يقول المخرج الفلسطيني مصطفى النبيه محللاً العمل: تجسد اللوحة الأولى مشهد الحرب على غزة مستعينة بديكور يرسم تفاصيل البيوت المدمرة، فيما نلمح أماً تنزل من الطابق العلوي على بقايا درج وهي تنوح وتبكي باحثة عن عائلتها تحت الأنقاض. وبعد ذلك نشاهد أناسا يخرجون من تحت الأنقاض، ويقومون بحركات إيمائية دائرية منغلقة تعبر عن حالة التشتت التي يعيشها المواطن الغزي ثم تتحول الحركة إلى حركة واسعة تعبر عن طيور تحلق. وفي هذا المشهد ينتقل المخرج من الرمزية إلى أسلوب الرواية حيث تم تبادل الأدوار في سرد قصة (أيوب)، ومع نهاية القصة نشاهد مجموعة من الفتيات يحملن (أيوب) في سلة إشارة إلى الإنسان الصبور المقهور المعذب. وقد جذبت انتباه المشاهدين قدرات الفنان (سعيد البيطار) في تجسيد هذا الدور. كما تميزت الفنانة (إيناس السقا) بصدق المشاعر عندما جسدت دور زوجة (أيوب) المرأة المخلصة الصبورة الواثقة من نفسها الصادقة في مشاعرها. وبعد أن عبرت عن انتمائها لزوجها يدور الحديث بينها وبين صديقاتها للانصراف قبل الليل خوفاً من الحيوانات المفترسة التي تنتظر الليل لتمارس بشاعتها. ويخرج الجميع من المسرح وتأتي (هيفاء فرج الله) بصوتها الشجي وتعبيراتها الصادقة تشدو أغنية أيوب يا بن عمي، وبهذا تنتهي اللوحة الأولى ما بين سرد الراوي، والتمثيل والغناء. الملكة هيلانة جاءت اللوحة الثانية بعنوان: «الملكة هيلانة» وهي نموذجٌ للمرأة الجميلة القوية الصلبة، واثقة الخطى (لعبت دورها الفنانة إيناس السقا) التي خطفت الأبصار بشموخها من اللحظة التي هبطت فيها من الدرج إلى الأرض، وأخذت تسير بخطوات عمودية ثابتة وبإيماءات تعبر عن الحالة النفسية للملكة. وقد ساعدها في ذلك المساحة الصوتية التي تتمتع بها وقدرتها على ضبط انفعالاتها وتلوين صوتها. وفي إشارة إلى ما ينتظر الطهارة والجمال من مصائر بشعة، تظهر الملكة هيلانة فيما أخوها السكير الممتلئ بالأحقاد وصاحب الشخصية الانتهازية (سعيد البيطار) يصب جام غضبه عليها، ويتهمها بعلاقة غير شرعية مع أحد حراسها ليقتلها بطعنة من الخلف بخنجره المسموم. أما مشهد القتل فكان عبارة عن صورة فوتوغرافية جميلة. المفقودون في اللوحة الثالثة تناول المخرج قضية الأسيرات من خلال قصة الأسيرة (مريم) التي أنجبت طفلاً داخل المعتقل، ووثّقها بعرض سينمائي حي أثناء خروجها من المعتقل. وكانت الصور تخرج من بين يدي الممثلة التي اقتربت من شاشة العرض ورفعت يديها بإشارة النصر. بينما خصص اللوحة الرابعة لحكاية الوجع الفلسطيني والمأساة التي تطارد أكثر من 1200 عائلة فقدت أبناءها، وفي كل يوم يكبر السؤال: هل هم في السماء أم على هذه الأرض؟ تألق الفنان (سعيد البيطار) في مشهد الراوي، وسحر المشاهدين في أدائه ربما لأنه يعاني بشكل حقيقي من هذا الموضوع، ولأن هذا الألم هو ألمه الشخصي أيضاً، فهو يروي قصة أخيه (أسعد) المفقود في حرب 1956 أثناء قصف مدرسته وهروبه للمجهول. يربط المخرج الماضي بالحاضر ليقول إن الزمان يعيد نفسه فمدارس الطلاب في شمال القطاع ما زالت تقصف وكارثة التهجير والمفقودين لا تزال قائمة. أخوَّة الوطن العلاقة بين المسلم والمسيحي هي موضوع اللوحة الخامسة، وهي علاقة تقوم على التعايش والاحترام المتبادل، فالفلسطينيون لا يفرقون بين مسلم ومسيحي وتجمعهم أخوَّة الوطن الذي ضحى كلاهما من أجله. وهو المعنى الذي يظهر في المسرحية، حيث نرى الشيخ المسلم (سعيد البيطار) يقرأ آيات من سورة المائدة وأثناء تلاوة القرآن يتم نصب الديكور وهو عبارة عن لوحة للمسجد والكنيسة، وتظهر الراهبة (كرستين) تصلي داخل الكنيسة. وعند سماعها طلقات نارية تخرج إلى الشارع فتشاهد مقاوميْن في حالة انهيار نفسي، ويخبرانها أن هناك مقاوما ثالثا مصابا إصابة خطيرة وهو بحاجة للمساعدة، فتقرر مساعدته لتسقط شهيدة على أرض السلام أرض فلسطين. سخرية سوداء أثناء الحرب، وانقطاع الماء والكهرباء والغاز والخدمات كلها، لجأ الفلسطينيون في غزة إلى «البابور» لطهي طعامهم، وهو آلة تعمل على (الكيروسين) أو الكاز. البابور كان موضوع اللوحة السادسة التي أظهرت مدى الضغط النفسي والشعور بالعجز لدى المواطن الغزي نتيجة الحصار القمعي، حتى إن الرجل الفلسطيني من كثرة الهموم فقد قدراته الجنسية. وقد جسد المخرج (البيطار) هذه اللوحة بأسلوب غنائي ساخر ساعده على ذلك حضوره المسرحي وخفة حركته وأدائه الغنائي التمثيلي. وقد لاقى أداء الفنانة (فيروز الضبة) في دور العجوز الكفيفة استحسان الجمهور. أما اللوحة السابعة والأخيرة فجاءت كوميديا سوداء مؤلمة، وعبرت عن التناقضات المجتمعية المختلفة: ظلم المرأة للمرأة، وظلم المجتمع للمرأة، والتفرقة بين مهاجر ومواطن وبدوي وفلاح وأبيض وأسود، والتمييز بين الولد والبنت. وتميزت فيها الفنانة (هبة أبو خوصة) عندما لعبت دور العروس، لكن الألم بلغ مبلغاً عظيماً في مشهد (مونولوج) يتحدث عن طفل رضيع أثناء الحرب شعر أن ثدي أمه بارد لا يضخ الحليب فرفع رأسه ليعاتبها فلم يجد لها رأساً، ونظر إلى قدميها فوجدهما مبتورين فصرخ صرخة تقشعر لها الأبدان... وانتهت اللوحة ومعها المسرحية على إيقاع أغنية (آه يمَّة يا حبة عيني) التي أدتها هيفاء فرج الله وفيروز الضبة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©