الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام سبق الحضارة الحديثة في الحرية والعلم والمدنية

الإسلام سبق الحضارة الحديثة في الحرية والعلم والمدنية
27 أغسطس 2009 01:51
أصدرت الهيئة العامة المصرية لقصور الثقافة ضمن سلسلة «ذاكرة الكتابة» كتاباً كاد ينساه الجميع وهو «المدنية والإسلام» من تأليف محمد فريد وجدي عام 1898، وصدرت منه عشرات الطبعات وترجم فور صدوره إلى التركية والفارسية والأردية والتتارية والبوسنية فضلا عن الإنجليزية. والكتاب وضعه صاحبه أصلا باللغة الفرنسية وكان يحاول به أن يواجه الحملات الغربية على الإسلام والمسلمين والتي كانت عنيفة آنذاك. وبقوله هو «تفهيم الأوروبيين حقيقة الدين الإسلامي وماهيته وإثبات انه يضمن للإنسان السعادتين ويكفل له راحة الحياتين. وأما كونه ضرورياً لا مناص منه فهو أن الغربيين أصبحوا بجدهم ونشاطهم أصحاب السلطان والنفوذ على معظم العالم الإسلامي، وما داموا جاهلين بحقيقة الإسلام ومعتقدين بصحة ما يهذي به بعض كتابهم ضده فإنهم لا يستطيعون أن يروا في ديانة محكوميهم إلا عبئاً ثقيلاً على عقولهم وحملاً مضنياً لمداركهم فلا يثنون عليه الا احتراماً لعواطفهم فقط راجين من العلوم العصرية والمعارف الطبيعية القيام بتهذيبه في المستقبل». وهو يلقي باللوم على المسلمين وعلى العالم الإسلامي في الموقف الذي اتخذه الغربيون من الإسلام: «نقول بتمام الحرية إن الأوروبيين معذورون في تصديق التهم ضد الإسلام والمسلمين، ولهم الحق في العمل ضده ما داموا لا يرون أمام أعينهم من مظاهر الدين الا البدع التي اخترعها صغار العقول وقبلها منهم العامة وزادوا عليها أشكالا من الأوهام والأضاليل تنفر منها الطباع البشرية وتنافي أصول المدنية». ويحمل محمد فريد وجدي بشدة على الطرق الصوفية وما تقوم به من منكرات وبدع تؤدي حتى الى «الإخلال بعقيدة التوحيد النقية». وفي ذلك الوقت وإلى اليوم كانت الطرق الصوفية لها ممارسات خاصة، بعضها لا يمكن أن يكون له علاقة بالدين، مثل عادة «الدوسة» التي قاومها بشدة الشيخ الإمام محمد عبده وغيره. حرّيات مصانة ومن أهم فصول هذا الكتاب، ذلك الذي سماه «جهاد الإنسان لنيل الحرية» وتناول فيه الحرية التي ارتقى بها العالم الغربي، حتى أن بعض مفكريه طالبوا باستبعاد الدين نهائياً من حياة البشرية ضمانا للحرية التي نالوها وحفاظاً عليها. وهو يرى «أن الإسلام فضلا عن كونه لا يعارض تلك الحرية التي رفعت الغرب من وهدته فإنه يحتوي على قسط منها لا تقارن به حريات العالم على أنواعها الا كما يقارن الخيال بالحقيقة». ويؤكد أن تقدم العالم تحقق بواسطة حريات ثلاث هي حرية النفس وحرية العقل وحرية العلم. وحرية النفس، تحققت في الغرب بعد أن كان هناك أوصياء على الإنسان يتحكمون في ضميره وروحه، لكن الإسلام من بدايته منح الإنسان حرية كاملة و»لم يعين طائفة من المسلمين لأمر خاص بامتيازات تعلو بهم أمام القانون الإلهي عن مرتبة أقل المسلمين مكانة وجاها، بل فتح للكل باب الفضل بلا احتياج ولا عوز لمرشد غير كتاب الله وسنة رسوله». وقرر الإسلام أن قبول الأعمال الصالحة هو من خصائص الله تعالى فليس للعبد أن يحكم على تقوى يراها في غيره بالقبول أو الرفض، بل يجب عليه أن يدع الحكم فيها للخالق جل شأنه حتى ولو بلغت تلك التقوى بصاحبها درجة رفعه عن سائر أصناف الخلق، وروى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ما معناه «ويل للمتألمين من امتي الذين يقولون هذا للجنة وهذا للنار» . ويقول عليه الصلاة والسلام ما معناه: «دعوا المحدثين من أمتي لا تحكموا لهم بجنة ولا بنار حتى يكون الله هو الذي يقضي بينهم يوم القيامة». وفي القرآن الكريم العديد من الآيات التي تؤكد انه لا سلطة لإنسان على إنسان ولا حكم بالصلاح والتقوى أو الضلال لإنسان، بل لله سبحانه وتعالى يوم الدين، والمعنى أن نفس الإنسان مستقلة تماما. وحرية العقل معترف بها ومقدرة في الإسلام ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام ما معناه: «لا دين لمن لا عقل له» وقوله إيضا لأصحابه «تواصوا بالعقل» لقد تصور البعض أن العقل يقود الإنسان إلى الهلاك والضلال والبعد عن الحق.. حتى جاءت الثورة الفرنسية لتعيد للعقل دوره واعتباره، لكن المدنية الإسلامية كانت قد اعتمدت العقل وأقرته حكما ومعيارا لعمل الإنسان ودوره. وفتح الإسلام أبواب العلم والمعارف كلها أمام الإنسان وجعل السعي في طلب العلم واكتسابه من أعظم ما يتعبد به الإنسان، بقول الرسول: «أفضل العبادة طلب العلم»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «نظر الرجل في العلم ساعة خير له من عبادة ستين سنة»، فلم يحصر الإسلام العلم في بلد أو مكان دون آخر، ولا في فئة من الناس دون فئة، ولا في جنس دون آخر بل جعله متاحاً للجميع، وعلى الإنسان أن يتكسبه أينما وجده. ويؤكد محمد فريد وجدي في كتابه أن الإسلام جاء لسعادة الإنسان وليس لتعاسته ولا لإهانته أو إذلاله ومن ثم فإن حصول الإنسان على حريته والحفاظ عليها واجب ديني أقره الإسلام. أصول الإسلام وبذل فريد وجدي في هذا الكتاب جهداً علمياً وفقهياً غير عادي، لكن ما يؤخذ عليه أنه جعل أفكار الغرب ومفاهيمه هي معيار البحث وهدف الدراسة، ولذا نجد في بعض الحالات تعسفاً في قراءة النصوص وفهمها. كما أنه يستشهد بعدد من المفكرين الغربيين والفرنسيين تحديداً، ويحاول أن يجعل الإسلام متفقاً مع أو موافقا لما يقول به هؤلاء المفكرون مثل لاروس وغيرهم، ويبدو انه انتبه لذلك ولذا أضاف بعد عشر سنوات من إصدار كتابه فصلاً مطولاً بعنوان: «الأصول التي دعا اليها الإسلام»، وقد جعلها 11 أصلاً ، وهي: «بين الإنسان وخالقه» أي استقلال الإنسان من وصاية الكهنة ولا واسطة بين الإنسان وربه. والأصل الثاني تقرير المساواة العامة بين الناس. والثالث مبدأ الشورى في الحكومة وهو المبدأ الذي تعطل مع معاوية بن ابي سفيان الذي جعل الاحتكام إلى السيف معيار الصعود إلى السلطة. والرابع أن السعادة والشقاوة في العالم الآخر لا تقومات على الشفاعات والقرابات بل على الأعمال والصفات الذاتية للإنسان. والخامس الاعتراف بحقوق العلم والعقل فالعقل مناط التكليف. والسادس المؤاخاة بين الدين والمدنية ويقول فيه: «ظهر الإسلام فقرر أن الدين ليس عدوا للمدنية بل هو دليلها الصادق ومرشدها الخبير استنادا الى قوله تعالى: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق». ويذهب الى أن المسلمين قد انحرفوا في هذا المبدأ انحرافاً يناسب انحرافاتهم في كل ما عداه، فإن الحروب التي وقعت بين الأمراء المسلمين صرفت الأذهان عن نعم الحياة الأرضية، والتفتوا الى ما أعد لها في الحياة الآخروية، ولذا راجت الكتب والمفاهيم التي تمثل استهانة بالحياة ونعمها. وعلى هذا النحو يواصل فريد وجدي الأصول التي قرر أهميتها للمسلم المعاصر، مثل الاعتراف بناموس الترقي كأساس وهدف للحياة، بما يعني رفض الجمود والتقليد. ولد فريد وجدي عام 1878 بالإسكندرية، وتعلم في مدارسها. انتقل إلى القاهرة عام 1892 مع والده ولم يواصل تعليمه الرسمي بل علم نفسه بنفسه، وبدأ يكتب في الصحف ويعد الدراسات العلمية. اختاره الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر عام 1933 ليترأس تحرير مجلة الأزهر رغم أنه لم يكن أزهرياً وظل يتولاها حتى وفاته عام 1954، ويذكر له الباحثون أنه حين أصدر إسماعيل أدهم دراستة «لماذا أنا ملحد؟» رد عليه في مجلة الأزهر «لماذا هو ملحد؟» ثم «لماذا أنا مؤمن؟» ناقش فيه أفكار أدهم ولم يكفره ولم يطالب بمحاكمته وهو صاحب «دائرة معارف القرن العشرين». الكتاب: المدنية والإسلام المؤلف: محمد فريد وجدي الناشر: الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©