الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العدالة··· عندما تضل طريقها في دارفور

العدالة··· عندما تضل طريقها في دارفور
28 يونيو 2008 22:23
هل ضلت ''المحكمة الجنائية الدولية'' طريقها مؤخرا في دارفور؟ نخشى أن يكون الأمر كذلك بالفعل، والسبب في تقديرنا يرجع للنهج الذي يتبناه رئيس المدعين بتلك المحكمة ''لويس مورينتو- أوكامبو'' في التعامل مع أزمة هذا الإقليم، والذي نعتقد أنه محفوف بالمخاطر لجميع الأطراف، هناك تحديدا جانبان يشغلان بالنا في نهج ''أوكامبو'' بالشكل الذي قدم به إلى مجلس الأمن في موعد سابق من هذا الشهر، الجانب الأول يتعلق بحقيقة مؤداها: إنه على رغم إقدام حكومة الخرطوم على ارتكاب جرائم شنيعة في ''دارفور'' إلا أن تشبيه ''أوكامبو'' لهذه الحكومة بـ''ألمانيا النازية'' فيه قدر كبير من المبالغة، أما الجانب الثاني، فيتصل بالتداعيات السياسية لمثل هذا النهج، فحاجة هؤلاء السكان في الوقت الراهن للسلام، والاستقرار، والعدالة القابلة للتطبيق تفوق حاجتهم للحظة ابتهاج بالنصر في إدانة ''الحكومة السودانية''، كما إنها إدانة قد تقوض كافة الجهود الرامية لتحقيق السلام، والاستقرار، والعدالة بسبب بقاء المدان ورجاله في السلطة· في كلمته أمام مجلس الأمن في الخامس من يونيو، وصف ''أوكامبو'' درافور أخرى، غير تلك التي نعرفها حيث تحدث في تلك الكلمة عن مسرح جريمة واسع تم فيه ''حشد جهاز الدولة السودانية برمته لتدمير مجتمعات محلية كاملة ماديا ونفسيا''، وتوعد بالسعي إلى إدانة مسؤول حكومي كبير الشهر القادم -نخمن أنه'' البشير'' نفسه، كما تحدث ''أوكامبو'' عن مؤامرة إجرامية يجري تدبيرها داخل الحكومة، لتدمير النسيج الاجتماعي لدارفور بدأت عام 2003 ومازالت مستمرة لمرحلة مقبلة في معسكرات اللاجئين· لقد كنا من أوائل من وثقوا المذابح في دارفور عام 2002 -حتى قبل أن يعلن المتمردون انتفاضتهم-، ولكننا لم نر انتهاكات خطيرة ومستمرة لحقوق الإنسان، ولم نر كذلك أثرا للخطة ذات المرحلتين التي تحدث عنها'' أوكامبوا''، وقد نوافق على أن هناك عقبات تعترض طريق جهود الإغاثة، وعلى وجود الكثير من العنف داخل وحول المعسكرات، ولكن الحكومة ليست هي الوحيدة التي تمارس هذا العنف، فتعريف العنف الذي يحدث حاليا في دارفور بأنه ''حملة منظمة'' الهدف منها تدمير مجتمعات ''كاملة'' ينطوي على قدر كبير من المبالغة، فما نراه الآن هو أن الحكومة السودانية القائمة حاليا قد تخلت عن خططها الطموحة لتحويل السودان عرقيا ودينيا، وكل ما تسعى إليه في الوقت الراهن هو التشبث بالسلطة· كما أن منظمات الإغاثة، وثّقتْ نمط إساءة المعاملة والانتهاكات في ''دارفور'' منذ عامي 2003-،2004 وهما العامان اللذان وقعت فيهما معظم أعمال القتل، كما قام عدد من كبار الموظفين في المحكمة الجنائية الدولية، بترك مناصبهم خوفا من أن يجدوا أنفسهم في النهاية مضطرين إلى الدفاع عن وضع غير قابل للدفاع عنه، نحن نؤيد المحاسبة عن الجرائم المرتكبة في دارفور، بما في ذلك تلك التي تُعزى المسؤولية عنها إلى أشخاص يحتلون مناصب رفيعة في الحكومة السودانية، ولكننا ننبه إلى أن تلك المحاسبة والمحاكمات التي ستجرى بناء عليها، يجب أن تكون محققة لمصالح الضحايا، قليلون هم من يجادلون اليوم أن مصالحهم يتم خدمتها اليوم، من خلال تعزيز وحماية قوة حفظ السلام التابعة لمهمة الاتحاد الأفريقي، أو يجادلون بأن مصالح جميع السودانيين سيتم خدمتها من خلال العمل مع الحكومة، من أجل المحافظة على استمرار اتفاقية السلام الموقعة بين الشمال والجنوب، وضمان عقد انتخابات ديمقراطية العام المقبل لانتخاب حكومة تحظى بدعم شعبي حقيقي· بيد أن الشيء الذي يزيد الأمور تعقيدا هو أن زعماء السودان يعتقدون أن الأمم المتحدة تعمل كشرطي تابع للمحكمة الجنائية الدولية، وأنها في انتظار تنفيذ أوامر القبض عليهم، وهو ما يجعلنا نتوقع أن يكون رد فعلهم على مثل هذه الإهانة متسما بالغضب الشديد، كما يدل على ذلك تاريخهم، فإذا ما كانت حكومة الخرطوم ''وحشا'' كما وصفها ''أوكامبو''، فهل من الحكمة مواجهتها بهذا الشكل؟ وألا يجعلها ذلك أكثر ميلا للانتقام حتى من منظمات الإغاثة ذاتها؟ وإذا ما كانت الحكومة السودانية برمتها هي عبارة عن مشروع إجرامي، فكيف يمكن للمنظمات الدولية والسفارات العمل معها إذا ما رأت أن ذلك يصب في مصلحة السلام؟ إن هؤلاء الذين يرون أن السلام والعدالة صنوان لا يفترقان، يرون أيضا أن المحاسبة تردع الطغاة بيد أن دروس التاريخ تعلمنا أن الطغاة ينظرون إلى السلطة على أنها سلاحهم الوحيد، ولا يسمحون لأي أحد أو أي شيء بالوقوف في طريقهم، وهي الحقيقة التي تدفعنا للقول إن المخاطر في السودان الآن جسيمة للغاية، بدرجة تدفعنا إلى توخي الحذر الشديد في تطبيق أدوات العدالة· في عمل من أعمال الابتزاز المعنوي المشين، اتهمت حكومة الخرطوم ''أوكامبو'' مؤخرا بالتحريض على حرب جديدة، هذا ما لا نوافق عليه، لأننا نرى أن الحكومة السودانية يجب ألا تلوم إلا نفسها على المشكلات التي تواجهها، وألا تلقي بالمسؤولية عنها على ''أوكامبو'' ولكن يجب أيضا أن نقول إن رئيس المدعين في المحكمة الجنائية الدولية قد أخطأ أيضا، فهناك جرائم عديدة ارتكبت في السودان، ومنها الاستئصال المنهجي لجماعات كاملة، ولكن توجيه تهم بهذه الخطورة لمسؤولين كبار في الحكومة -وفي هذا الظرف- سوف يكون بمثابة مقامرة بمستقبل الأمة السودانية برمتها· جولي فلينت وأليكس دي وال مؤلفا كتاب: دارفور: تاريخ جديد لحرب طويلة ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©