الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوندي الديمقراطية !

28 يونيو 2008 22:25
في عام 2000 كتبت ''رايس'' وزيرة الخارجية الأميركية الحالية، التي كانت تعمل في وظيفة بروفيسور بجامعة ''ستانفورد'' ومرشحة حينها لتولي منصب كبير مستشاري بوش للشؤون الخارجية مقالاً عن ''حفز المصلحة القومية'' نشر بمجلة ''فورن افيرس''، وفيه دعت إلى الدفع بتلك المصالح إلى مركز الاهتمامات والأولويات الأميركية، والعمل على خدمتها بعيداً عن غباء السعي لتحقيق النقاء الأيديولوجي، وقالت صراحة: إنه ليس صحيحاً ولا ممكناً تجاهل الدول القوية التي لا تشاطر أميركا قيمها، وإن على السياسات الواقعية العملية أن تنتصر على مثاليات النزعة الأيديولوجية، وضمن ذلك الطرح، حذرت ''رايس'' من استنزاف طاقات أميركا العسكرية، خاصة وأنها بلغت أقصى مراحل إنهاكها، إثر ثماني سنوات مستمرة من التدخل العسكري القائم على خدمة القيم المثالية الأميركية في ظل إدارة الرئيس الأسبق ''بيل كلينتون''، وعلى رغم حديثها عن التفوق التكنولوجي للقوات الأميركية، القادر على تحقيق النصر لها في مواجهة أي منافس دولي آخر كما تقول: إلا أنها أخفقت في التنبؤ بخطر المنافس الجديد المتمثل في الإرهاب والتمرد المرتبط به، كما حذرت ''رايس'' في المقال نفسه من إسناد مهام بناء الأمم للجيش الأميركي، قائلة إن الجيش ليس قوة شرطية مدنية، ولا هو طرف التحكيم السياسي بين الأطراف المتصارعة في أي من الدول التي يراد إعمارها· وبعد مضي ثماني سنوات ونصف على ذلك المقال، نشر لـ''رايس'' في عدد يوليو-أغسطس من المجلة نفسها، مقال تحت عنوان ''إعادة النظر في المصلحة القومية''، وخلافاً لنزعة ''كيسنجر'' الدبلوماسية الواقعية التي سادت المقال الأول، يلاحظ أن المقال الأخير قد سيطرت عليه النزعة الأيديولوجية الجديدة التي سادت أروقة الإدارة في عالم ما بعد هجمات 11 سبتمبر، ويبدأ التعبير عن هذه النزعة بقولها: ''فقد وجه النداء لأميركا بأن تتولى قيادة هذا العالم الجديد، وفق رؤى جديدة، وبما تتطلبه هذه القيادة من آنية وهِمّة''، ولعل هذا ''النداء'' الموجه لأميركا، هو الذي دفع ''رايس'' إلى الدعوة هذه المرة إلى نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحفز التنمية الاقتصادية، خاصة في أفقر دول العالم وشعوبه، وفي معرض تناولها لجذور الإرهاب ومنشئه، بدت ''رايس'' في كثير من الأحيان في مقالها، كما لو كانت تتحدث باسم الحزب السياسي النقيض، فعلى سبيل المثال كتبت قائلة: ''فقد ساندت الولايات المتحدة لفترة طويلة من الوقت، الأنظمة الشمولية في الشرق الأوسط، إلا أن هذه الاستراتيجية لم تسفر عن استقرار منطقة لم تكن فيها أي قنوات شرعية للتعبير السياسي، وعليه فليس ثمة غرابة في أن يجد تنظيم القاعدة موطئ قدم عسكرية له بين مواطني المنطقة المغلوبين على أمرهم، وبالنظر إلى هذا الواقع، فإن نظريتنا عن تحقيق النصر هي أن نمنح هذه الشعوب طريقاً ديمقراطياً تستطيع حفز مصالحها سلمياً عبره، وكذلك تتمكن من خلاله من تطوير مواهبها، وأن تزيل المظالم وتمارس حياتها بحرية وكرامة إنسانية، وبهذا المعنى فإن الحرب على الإرهاب، تبدو أشبه بعملية دولية لمكافحة الظاهرة، على أن مركز هذه المعركة ليسوا هم الأعداء الذين نواجههم الآن عسكرياً، وإنما المجتمعات المستضعفة التي يحاول الإرهابيون استقطابها إلى صفوف التطرف''· إيجازاً فقد بدا مقال ''رايس'' الأخير أكثر حكمة وتواضعاً، وأكثر حزناً مما كان عليه مقالها السابق في عام ،2000 بل تستشف فيه أنفاس الندم والاعتذار عما حدث في بعض الأحيان، وإذا ما حذفت منه الفقرات التي دافعت فيها عن غزو العراق وغيره من الخطابيات المعروفة عن طاقم إدارة ''بوش''، فإنه يسهل جداً تصور أن يكون كاتبه أي من كبار قادة الحزب الديمقراطي الكثر، وهنا تكمن فجيعة المقال وتناقضه· هذا هو عين السبب الذي أدى إلى استقبال الكثيرين له بالتجاهل التام، وأياً يكن من أمر فلسفة ''كوندي'' الخاصة بالسياسات الخارجية، فلا يبدو أن أحداً يأبه لما تقوله في هذا الشأن، وربما يعود هذا التجاهل إلى شعور عام بالملل والإعياء من إدارة الرئيس ''بوش''، وربما كان مصدره مجرد تجاهل لما تقوله ''كوندي''، وفي البال أيضاً أن فلسفة ''كوندي'' هذه لن تحدث فرقاً في ممارسة إدارة ''بوش'' التي لن يحدث فيها أي تغيير يذكر، طالما أن على رأسها ثنائي الصقور، ''بوش ونائبه ''ديك تشيني''! روزا بروكس محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©