السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زمن القص (2)

زمن القص (2)
27 أغسطس 2009 01:57
ما الذي أعنيه بزمن القص؟ أعني دائرة أوسع من دائرة زمن الرواية، لكن تشير إليها إشارة الجزء إلى الكل، فزمن القص لا يشير إلى ازدهار الرواية فحسب، سواء من خلال وسائط السينما أو الدراما التلفزيونية، فضلا عن الروايات التي أصبحت تنشر عبر الإنترنت، في الـ (facebook) أو غيره، وإنما تشمل كذلك القصة القصيرة التي اكتسبت قوة دفع الرواية، وإن لم توازها في الوجود والرتبة، وأضيف إلى ذلك السير الذاتية التي أصبحت أقرب في ازدهارها من الرواية. وأحسب أن كثيرا من الروايات الحديثة تنطوي على نوع من السير الذاتية ولا أعني بذلك رواية السير الذاتية بالمعنى القديم، بل أضيف إليها التنويعات الحداثية التي يبين فيها المؤلف المضمر عن المؤلف المعلن بأكثر من وسيلة فنية، تغدو بها الذات الساردة جانبا من الموضوع المسرود. ولا ينفصل عن حدود هذه الدائرة الواسعة اندياح الفواصل بين الأنواع السردية، وذلك في نوع من المرونة التي تسمح للرواية بالأخذ عن الشعر والمسرح والموسيقى وغيرها على السواء. وغالبا ما يحدث ذلك في الروايات الحداثية على وجه التحديد، وذلك مثل روايات إدوار الخراط، القامة الشامخة في رواية الحداثة العربية، وهو يقع في المجال الروائي في المنزلة نفسها التي يحتلها أدونيس في المجال الشعري. وفي روايات إدوار الخراط، نجد ظاهرة المحاكاة الصوتية للأفعال بأحرف الكلمات المتصاقبة، والتصاقب في تعريف ابن جني هو محاكاة أحرف الكلمات للأصوات والأفعال، مثل خرير المياه وحفيف الريح ومواء القطة وحمحمة الخيل... إلخ، وما أكثر ما يتلاعب إدوار بأحرف الكلمات في المواضع التي يفرضها السياق، وتحتمها رغبة التجريب. وأضيف إلى ذلك استغلال الشعر في كتابة روايات صغيرة هي أقرب إلى الشعر في كثافة لغتها، ناهيك عن استغلال القدرة الحوارية والتلاعب بها على نحو ما يحدث في انزياح الحدود بين القصة القصيرة والقصيدة، وذلك على أساس من الصفات اللغوية المشتركة: كثافة اللغة، ارتفاع درجة المجازية، والصور الاستعارية والكنائية. والحق أننا إذا تأملنا ما يحيط بنا وجدنا أن السرد هو جزء من نسيج حياتنا التي تشبه نوعا من أنواع السرد، نحن أبطاله وأحداثه في آن ولذلك لا يفارق السرد كتابة المؤرخين، فالتاريخ الذي ننتمي إليه في الماضي كالتاريخ الذي نعيشه في الحاضر هو نوع من القص، دائما أبطاله وأحداثه من صنع البشر، وينطوي على صراعاته التي يتولد بها توتر القص، ولا يخلو من مصادفات القدر التي تتحكم في حركة الأحداث على نحو مباغت، وهو مبني على قانون السببية، وروايته لا تخلو من وجهة نظر المؤلف الذي هو المؤرخ الذي يشبه الروائي في أحيان كثيرة، خصوصا في المناطق المشتركة التي قد ينقلب بها المؤرخ روائيا والروائي مؤرخا فيما نسميه الرواية التاريخية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©