السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركي يكشف زيف عبارة زيوت زيتون «العصرة البكر الخالصة»

أميركي يكشف زيف عبارة زيوت زيتون «العصرة البكر الخالصة»
20 مارس 2012
احتفظ زيت الزيتون منذ سنين قديمة بتقدير فريد من نوعه أضفى على هذا الغذاء المفضل في ثقافات مختلفة وضعاً ذا طابع خرافي. فهو ليس ملحقاً غذائياً أساسياً فحسب، بل إنه استخدم لأغراض عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر منع الحمل، وإبادة الحشرات، والتنظيف، وحتى التجميل والتعطير. وهو لا يزال إلى يومنا هذا يحظى بهذه المكانة السامية، فعشاقه يحيطونه بهالة خاصة، فلا يتناولونه إلا في أقداح خاصة، ولا يبيعونه إلا بأسعار تليق بمقامه العالي. ولذلك فلا عجب أن نشهد العقدين الماضيين ينصرمان بزيادة مبيعات زيت الزيتون أكثر من ضعفين، حسب آخر إحصاءات المجلس الدولي للزيتون. ولكن العجب كل العجب هو استغلال بعض الصناع إقبال المستهلكين هذا وبيعهم زيوتاً مغشوشةً رديئة الجودة تحت مسميات كاذبة خادعة. إذا نحينا كل هذه الأمور الإيجابية لزيوت الزيتون جانباً، وجُلنا بأنظارنا في رفوف المراكز والمحال التجارية، لوجدنا صُنوفاً شتى من زيوت الزيتون تعلو غالبيتها لاصقات براقة جذابة كتب عليها “زيت بكر خالصة” أو “عصرة باردة أولى” و”زيت خالصة ممتازة”، وغيرها من الأوصاف. وإذا كان زيت الزيتون استطاع الحفاظ على مكانته طوال العصور، فهل استطاعت هذه الزيوت الحفاظ على الجودة العالية لهذا المنتج السرمدي الخالص والحفاظ معه على ثقة المستهلك؟ توعية المستهلكين نُشر مؤخراً كتاب بعنوان “الزيت البكر الخالصة: العالم الفضائحي الراقي لزيت الزيتون” لمؤلفه الأميركي توم مولر الذي يعيش في مقاطعة ليجوريا شمال غربي إيطاليا، والذي سبق له كشف الفضائح التي تحيط بصناعة زيوت الزيتون من خلال مقال نشره في جريدة “ذا نيويوركر” سنة 2007. وهو يعود هذه المرة لنفس الحكاية ليفتح أعين المستهلك المغرر به على مجاهيل قاع الغش الغذائي السحيق الذي يطال هذا المنتج. وشملت هذه الفضائح خلط زيوت خضراوات رخيصة مثل عباد الشمس أو البندق ثم وسمها بلاصق خاص وبيعها بسعر غال تحت اسم “زيت بكر خالصة”، أو تغيير خصائص زيت متدنية الجودة ونزع مكوناتها التالفة أو نكهاتها الفاسدة. ومن بين أشكال الخداع الأخرى استيراد زيوت رديئة الجودة إلى إيطاليا ثم بيعها كما لو كانت منتجةً ومصنعةً هناك. ويمضي الكاتب في فضح هذه الأعمال المشينة لأباطرة صناعة زيوت الزيتون، ويسأل القارئ بصوت عال حول ما إذا كان يمكنه الجزم في كل مرة يقتني فيها قنينة “زيت عصرة أولى ممتاز” بسعر غال بأن جودة هذا الزيت مطابقة للوصف المكتوب على لاصقه، مشككاً في الأمر من جهته، ومتسائلاً في الوقت نفسه عن الكيفية التي قد تجعل المستهلك يكتشف الجودة الحقيقية لكل زيت زيتون مغشوش صوْناً لحقه كمستهلك، ومُحملاً سلطات الرقابة الغذائية المسؤولية عن تقصيرها في ترك زيوت الزيتون المغشوشة تتُداول في رفوف المراكز التجارية على أنها زيوت ممتازة وذات عصرات أولى وما إلى ذلك من أوصاف. الافتقار للمواصفات في مقابلة حديثة معه، قال مولر “إن قنينات زيوت الزيتون المكدسة على رفوف الأسواق والمراكز التجارية هي ذات جودة متدنية جداً جداً وتفتقر إلى مواصفات زيت الزيتون عالية الجودة بسبب الغش في إنتاجها بطريقة أو بأخرى”. ويعتقد مولر أيضاً أن إطلاق صفة “بكر خالصة” على زيت الزيتون هي عبارة افتراضية جوفاء وعديمة المعنى. ويضيف مولر “حسب القانون الأميركي ومثيلاته من القوانين الموجودة في جميع إدارات وزارات الزراعة الأميركية والأسترالية، ولدى جميع المنظمات والوكالات العضوة في المجلس الدولي للزيتون، فإن تصنيف “بكر خالصة” يُشير إلى جودة متدنية. فزيت الزيتون الجيدة يجب أن تتوافر فيها مجموعة من الخصائص الكيميائية والمواصفات المعيارية، وينبغي أن تكون لها نكهة أو رائحة الزيتون، بالإضافة إلى خلوها من أية عيوب إنتاجية أو تصنيعية. وهذا دون أن يعني ذلك تثميناً لجودتها. ويتجلى دليل رداءة جودة زيت الزيتون “البكر الخالصة” في كونها تُباع بأسعار بخسة في مختلف المحال والمتاجر ومراكز التسوق، ما يجعل المنتجين الحقيقيين لزيوت الزيتون ذات الجودة العالية أكبر الخاسرين والمتضررين نظراً لإعراض المستهلكين عن منتجاتهم باعتبارها غاليةً، ونظراً لوجود بدائل عنها تُسوق زيفاً على أنها روح زيت الزيتون وخلاصته تحت مسمى “بكر خالصة”، إلى درجة أن هذه الصفة الخادعة أصبحت بحد ذاتها بمثابة علامة جودة أو علامة تجارية عالمية موثوقة في أذهان شريحة واسعة من المستهلكين في مختلف أنحاء العالم. ويقول مولر “نظراً لكون إنتاج زيت الزيتون يمر بدورة إنتاجية طويلة يشترك فيها العديد من العمال والمنتجون الصغار في مختلف المناطق الغنية بأشجار الزيتون، فإنه يُصبح من الصعب عليهم بيع هذا المنتج اليدوي بأقل مما تُباع به زيوت “البكر الخالصة” التي تغرق الأسواق. ولعل هؤلاء المنتجون هم من ابتكر الزيوت المنكهة والحارقة المختارة التي تقدم حالياً في أفخم الفنادق وأفضل المطاعم وأرقى المتاجر. جولة ميدانية كل فصل خريف، يقوم روث روجرز، صاحب مقهى مطعم “لندن ريفر” بالشراكة، بتخصيص جولة للعاملين في مطبخ المقهى إلى مواقع إنتاج الزيوت في شمال إيطاليا لتقييم أنواع زيت الزيتون التي تختلف حسب عصراتها وطرق إنتاجها. ويحرص روجرز على مطالبة المنتجين بتعبئة بعض الزيوت التي تجتذب أنظار عامليه وتحظى بإعجابهم حصرياً لفائدة مقهاه، ويوصي بوسمها وسماً خاصاً يُفصل كل التفاصيل المتعلقة بحصادها وإنتاجها. وفي الآونة الأخيرة فقط، عمد عمال المقهى إلى تذوق عشرات زيوت الزيتون بإيعاز من روجرز لاختيار تشكيلة صغيرة من أجل استخدامها بالمقهى. ويقول مولر “بعد أسبوع من ذلك، ذهبت لتناول وجبة الغذاء في هذا المطعم، فشرح لي الشيف سيان أوين أن الوجبة التي قُدمت لي اسُتخدمت فيها أربعة زيوت مختلفة على الأقل، وذلك حسب الطبق”. فبعضها يتواءم مع الأكل المطبوخ، وآخر يتناسب أكثر مع الأكل المقلي أو المشوي، وآخر مع السلاطات، وغيره مع المقبلات، وبعضه مع السمك، وهكذا. وعلى الرغم من النقد اللاذع الذي يوجهه مولر لصناعة زيوت الزيتون، فإنه يقول إنه ليس متشائماً بشأن مستقبل زيوت الزيتون. ويوضح “لدي حدس يميل أكثر نحو التفاؤل بخصوص المستقبل، فالمستهلكون بدأوا يطرحون أخيراً الأسئلة الصحيحة بشأن منتجي هذه الزيوت ومدى صحة طراوتها و”عذريتها”، وحول عدم احتواء لاصق المكونات على تاريخ حصادها، وعن سبب تميز بعضها بروائح غير طيبة أو مذاقات مرة أو حارقة. غير أنه حينما يأتي الحديث عن إعمال القانون واللوائح التنظيمية، فإن مولر يبدي حيرته وقليلاً من التشاؤم الواقعي القائم على ظروف الأزمة المالية التي تمر بها أوروبا، ويتساءل قائلاً “ما الذي عساه يحدث في جنوبي إيطاليا وإسبانيا عندما يتوقف تدفق الإعانات المالية للاتحاد الأوروبي الزراعي لمنتجي زيوت الزيتون سنة 2013؟”. ويعتبر مولر أن هذه مشكلة حقيقية قد تجعل الأمور تسوء أكثر. ففي الاتحاد الأوروبي، يقول مولر، التأثير من فوق سلبي إلى حد كبير، فهم يرغبون فقط في زيادة استهلاك زيوت الزيتون دون أن يهتموا قيد أنملة بجودة هذه الزيوت. ويضيف مولر أن المجلس الدولي للزيتون لم يرد على استفساراته ولم يُدل بأي تعليق عن الموضوع. وفي هذا الصدد، يقول مولر “أعتقد في هذه الحالة أن المستهلك سيقول كلمته في هذا الموضوع ويردد بأعلى صوته “أريد زيت زيتون تم حصاده مبكراً”، أو يصرخ في وجه أصحاب المراكز التجارية “لماذا تبيعونني زيت زيتون كريه الرائحة؟!”. ويختم مولر بالقول إنه يؤمن أن ذكاء المستهلك سيُسعفه في نهاية المطاف في فرض خياره، تماماً كما فعل سابقاً مع صُناع القهوة والجبن عندما مارسوا خداعهم، فثار في وجوههم، وما كان منهم إلا أن تابوا عن ممارساتهم وتوقفوا عن بيع الأوهام ورضخوا لمطالب المستهلك الخاصة بتحسين جودة منتجاتهم من القهوة أو الجبن. ترجمة: هشام أحناش عن “وول ستريت جورنال”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©