السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رمضان.. شهر الرحمة والغفران

رمضان.. شهر الرحمة والغفران
28 أغسطس 2009 00:03
خطيب المسجد الأقصى المبارك الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وبعد لقد جاء شهر رمضان في دورة زمنية جديدة يحمل معه إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها البشرى والأمل بفتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار، وتصفيد الشياطين، لقوله – صلى الله عليه وسلم – وهو يبشر أصحابه: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين) (متفق عليه). كما جاء شهر رمضان يحمل في طياته الأمل للعصاة والمذنبين واليائسين والقانطين بأن باب التوبة والمغفرة مفتوح، كما جاء في الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحدٌ (متفق عليه)، ولقوله – صلى الله عليه وسلم - أيضا: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه) (متفق عليه)، كما وبشّر شهر رمضان الأمة بأن النصر آت لا ريب فيه إن صدقنا النية والعزيمة، ونصرنا الله ورسوله: «إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» (سورة محمد الآية)، ونصرة الله ورسوله لا تكون إلا بتطبيق شرع الله والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه، ودون ذلك لن تتحقق لنا السعادة، ولن نهنأ بالأمان والاستقرار النفسي «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى» (سورة طه الآية (124). لقد خص الله سبحانه وتعالى المؤمنين برحمات تتنزل عليهم كالغيث الذي يحيى الله به الأرض بعد موتها ولقد عبرت الآية القرآنية الكريمة، تعبيراً واضحاً جليلاً على سعة رحمة الله بعباده المؤمنين، حيث يقول الله تعالى: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» ( سورة الأحزاب الآية( 43). والإنسان المؤمن يعيش دهره كاملاً مع هذه الرحمات الإلهية التي جعل الله سبحانه منها زيادة عظيمة في أوقات مخصوصة وأماكن معلومة ليسعى الإنسان إليها ويستثمرها ويغتنم رحمة الله وعطاءه وغفرانه وكرمه فيها، ولقد عبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حديثه الشريف عن مثل هذا المعنى، وحث المؤمنين على أن يسارعوا لنيل كرم الله سبحانه ونفحاته الرحمانية في هذه الأوقات المعلومة، يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ( إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها، عسى أن تصيبكم منها نفحة خير، فلا تشقوا بعدها أبداً) (أخرجه البخاري وأبو داود) وإن من أعظم تلك الرحمات التي تتنزل على العباد دون عدٍّ وحساب ما يكون في شهر رمضان المبارك، حيث تفتح أبواب رحمة الله سبحانه ومغفرته فلا تغلق على مدى أيام هذا الشهر الكريم، فلا يرد الله سبحانه تائباً ولو بلغت ذنوبه عنان السماء، ولا مستغفراً حتى لو أتى الله بقراب الأرض خطايا، ولا سائلاً حتى لو سأله الجنة بحذافيرها، ولا مستغيثاً ولا مضطراً حتى لو بلغ به السوء مبلغه، ولا صاحب حاجة إلا قضى له حاجته، ولا مريضاً لم يحضره الموت إلا عافاه وشافاه، ولا صاحب عسرة إلا فرج عنه عسرته، ولا مبتلى إلا عافاه من بلواه، ولا رفعت له يد مضطر في هذا الشهر الكريم فردها خائبة حزينة، كما جاء في الحديث القدسي: ( ... يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُري فتضروني، ولن تبلغوا نفعى فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئاًَ، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ، إذا أُدخل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثم أُوفيكم إياه، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه) (أخرجه مسلم). وحين يهل رمضان تمتلئ النفوس الإنسانية بعبق من الروحانية، وتكتسي حلة من الجلال، حيث تصفو النفوس من الأدران البشرية، ونزعات الهوى التي تكاد تأتي على البشرية لتودي بها وتضعها في موطن الهلاك، حيث يمثل هذا الشهر موسم خير للبشرية، لا سيما للمسلمين، الذين يستنيرون به في شؤون حياتهم كافة، فالصوم مدرسة متكاملة، مدرسة غاية في تأصيل التربية وتهذيب السلوك، ومدرسة أخلاقية، للارتقاء بالمستوى الأخلاقي، ومدرسة، بل جامعة اجتماعية، صحية، بل مدرسة جامعة لأصول الحكمة والآداب، وقد أكرم الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر المبارك الأمة الإسلامية، فقد ورد في الحديث أنه قد أعطيت لأمة محمد – صلى الله عليه وسلم - خمس خصال في شهر رمضان لم تعط لغيرهم حيث يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «أعطيت أمتي في شهر رمضان خمساً لم يعطهن نبي قبلي، أما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم ومن نظر إليه لم يعذبه أبداً، وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك، وأما الثالثة فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة، وأما الرابعة فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي، وأما الخامسة فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعاً، فقال رجل من القوم: أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ألم ترَ إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم» (أخرجه الترمذي). لذلك يستحب للمسلم أن يكثر من الأعمال الصالحة في هذا الشهر المبارك، ومن بين الأمور المستحب فعلها فيه: * قراءة القرآن الكريم: فقد كان جبريل – عليه السلام – يلقى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في رمضان، ليعرض عليه نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – القرآن، وقد حرص سلفنا الصالح – رضي الله عنهم أجمعين - على استغلال أوقاتهم في شهر رمضان بقراءة القرآن الكريم، والآثار في ذلك كثيرة. * الجود والتصدق: فقد ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – كان النبي – صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل – عليه السلام -، وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان، يعرض عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – القرآن، فإذا لقيه جبريل – عليه السلام- كان أجود بالخير من الريح المرسلة (متفق عليه ). * السحور: عن أنس – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «تسحروا فإن في السحور بركة « (متفق عليه)، قال ابن حجر – رحمه الله –: (المراد بالبركة، الأجر والثواب، أو البركة لكونه يقوي على الصوم وينشط له، ويخفف المشقة)، كما أن السحور من خصائص هذه الأمة، وفصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر. *تعجيل الفطر: عن سهل بن سعد: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» (متفق عليه). *الكف عن اللغو والرفث، واستغلال الأوقات في الصالحات والبعد عن كل ما فيه إساءة في هذا الشهر العظيم. لذلك يجب علينا أن نغتنم حلول هذا الشهر المبارك لنجمع شملنا، ونوحد كلمتنا، وأن نتعاون سوياً في رسم البسمة على الشفاه المحرومة، وإدخال السرور على القلوب الحزينة، ومسح الدمعة من عيون اليتامى والثكالى، وأن نردد معاً قول الرسول – عليه الصلاة والسلام -: (من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©