الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إشعاعات «فوكوشيما»... محاذير التهويل واللامبالاة

إشعاعات «فوكوشيما»... محاذير التهويل واللامبالاة
23 مارس 2011 22:07
تتزايد في الوقت الراهن المخاوف من التعرض للإشعاع النووي في اليابان، في الوقت نفسه يكافح الخبراء النوويون، لاحتواء المخاطر التي طالت المكونات الأساسية في ثلاثة مفاعلات نووية على الأقل، بالإضافة لوحدة تحتوي على وقود منضب، في منشأة" فوكوشيما دايتشي" النووية. وتبذل حكومة "ناوتو كان" جهداً كبيراً من أجل تهدئة المخاوف، ليس بين أفراد الشعب الياباني فحسب، وإنما في أوساط مجتمع الاستثمارات العالمي، والمراقبين في مختلف أنحاء العالم. لدى اليابان أسباب تاريخية خاصة تدعوها للقلق الجماعي. فهذه الدولة التي تعرضت للقصف النووي لهيروشيما ونجازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية، تعرف جيداً مدى الضرر الذي يمكن للإشعاع النووي أن يلحقه بالجسم البشري، حتى وإن كان عدد اليابانيين الذين لقوا مصرعهم من الزلزال، وأمواج المد العالي"تسونامي" يفوق عدد من ماتوا نتيجة لسلسلة الأحداث النووية التي وقعت في منشأة "فوكوشيما" النووية. تفاصيل ما حدث في المنشأة على وجه الدقة غير معروفة لحد كبير... وربما تمضي شهور، بل وأعوام قبل أن يتبين نطاق الضرر الذي أحدثه الإشعاع النووي المتسرب سواء من ناحية النظائر المشعة التي تمكنت من التسرب، على الرغم من محاولات احتواء الأضرار التي تبذلها السلطات اليابانية في الوقت الراهن، والمستويات التي تم بها ذلك. وفقا لبيانات الهيئة الدولية للطاقة الذرية، وصلت مستويات الإشعاع عقب الانفجار الذي وقع في المفاعل يوم الاثنين الماضي إلى 100000 "مايكروسيفرت" في الساعة الواحدة وهو ما يزيد اربع مرات عن الحد الأقصى المسموح به من قبل الهيئة، ويزيد 100 مرة عن حد التعرض المسموح به للشخص الواحد سنويا. مع ذلك فشلت تلك الحقائق المقلقة في تقديم أدلة عن التأثيرات التي يمكن أن تلحق بالصحة العامة للسكان، كما أن التفاصيل الخاصة بأنواع النظائر المشعة التي كانت موجودة في السقط النووي، وكذلك أشكال الإشعاع الذي تقوم بتسريبه، لا تزال غير معروفة حتى الآن. وعلى الرغم من أن مستويات السقط النووي، كانت أعلى من المستويات المعهودة في اليابان، فإنها لم تقترب حتى الآن من تلك المستويات التي نتجت عن كارثة مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا في 25 أبريل 1986. عقب وقوع تلك الكارثة كانت البيانات الأولية التي أذاعتها السلطات السوفييتية غير دقيقة، وهو ما يرجع إلى رغبة تلك السلطات في التخفيف من درجة القلق الذي انتشر عقب وقوع الكارثة، خصوصاً أنها وقعت في سنوات الوهن الذي سبق الانهيار النهائي لتلك الدولة في بداية التسعينيات. في ذلك الوقت أعلنت السلطات الأوكرانية، أن عدد من تأثروا بصورة خطيرة بالإشعاع قد بلغ عشرة آلاف فرد، في حين أن نفس هذه السلطات أعلنت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي بسنوات أن العدد الحقيقي للناس الذين تأثروا بالإشعاع النووي يزيد عن 34 مليون إنسان في أوكرانيا والدول المجاورة لها مثل بيلاروسيا، وروسيا، ومولدوفا. وفي عام 2006، قدرت لجنة مكونة من أعضاء من عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة أن ما يقدر بـ200000 ميل مربع من أوروبا الشرقية، كان قد غُطي بآثار السقط النووي، وأن خمسة ملايين من سكان هذه المنطقة قد تعرضوا للإشعاع وأن 100000 شخص كانوا حتى ذلك العام مستمرين في التعرض لتلوث أشعاعي ناتج من الطعام الذي يأكلونه، والبيئة التي يعيشون فيها، بمعدلات تفوق المعدلات العادية. عقب حادث تشيرنوبل مباشرة تم تحديد ما يعرف بـ" منطقة عزل" محيطها 30 كيلومتراً حول المفاعل المنكوب. عندما زرت المنطقة عام 1997، وجدت السكان الأوكرانيين والروس الذين يعيشون في هذه المنطقة ينقسمون إلى قسمين يتبنى كل منهما موقفا متطرفاً من الإشعاع يتناقض تماماً مع موقف القسم الآخر. لقد وجدت أن هناك نوعاً مصاباً" بفوبيا الإشعاع" ونوعاً آخر مصاباً بـ"اللامبالاة نحو الإشعاع". القسم الأول كان يخشى كل لقمة يأكلها، وكل جرعة ماء يحتسيها، وكل ذرة هواء يتنفسها، بصرف النظر عن بعد المسافة التي يعيش من تشيرنوبل، أو قربها منها. أما النوع الثاني فكان يرى أن المخاوف المتعلقة بالإشعاع ليست سوى نوعا من الهيستيريا الجماعية التي لا داعي لها.. وبناء على ذلك كان يأكل ويشرب ويتنفس بالقرب من المنطقة العازلة دون أدنى خوف من التعرض لآثار الإشعاع. وقد حاولت الإدارات المتعاقبة في كل من كييف وموسكو التخفيف من حدة التناقض بين الموقفين من خلال إقناع كل طرف من الأطراف بضرورة التخفيف من غلوائه، وتبني موقف معتدل لا يبالغ في الخوف من آثار الإشعاع، ولا يتعامل بمبالاة تامة تجاهه. كان أوضح الأدلة على مدى الأضرار التي ألحقتها كارثة تشيرنوبل بالصحة الإنسانية هي تلك الأضرار التي ألحقتها بالغدد الدرقية - وهي تلك الغدة الموجودة في الرقبة والتي تفرز الهرمونات المهمة مباشرة في الدم - لأعداد كبيرة من سكان المنطقة، والمناطق المجاورة سواء في أوكرانيا، أو الدول القريبة. فبعد 13 عاماً على وقوع الكارثة كانت معدلات الإصابة بسرطان الغدد الدرقية للأطفال والكبار في منطقة تشيرنوبل تزيد عن المستويات التي كانت موجودة فيها قبل وقوع الكارثة بـ32 مرة. وزادت هذه المستويات في دولة مجاورة مثل بيلاروسيا عن المستويات التي كانت سائدة فيها قبل وقوع الكارثة بـ 113 مرة. وحتى لحظتنا هذه تعد مستويات الإصابة بهذا المرض في الدولتين هي الأعلى في العالم، بل أنها تفوق المستويات التي كانت موجودة في اليابان عقب قصف هيروشيما ونجازاكي في الحرب العالمية الثانية. بعد هذا العرض المفصل للآثار المدمرة لكارثة تشيرونوبل على صحة البشر، يقفز إلى الذهن سؤال حتمي هو: ما هي الدروس التي يمكن أن تخرج بها اليابان من تلك الكارثة والتي يمكن أن تفيدها في التخفيف لأقل حد ممكن من الأضرار الناتجة عن كارثتها الحالية؟ على النقيض من رد فعل السلطات السوفييتية عام 1986، استجابت حكومة "ناوتو كان" في اليابان بسرعة لكل مرحلة من مراحل كارثة فوكوشيما، حيث قامت بإخلاء المواطنين من المنطقة على عجل، كما كانت شفافة لحد كبير في توفير المعلومات الخاصة بمستويات الإشعاع بمجرد الحصول عليها. وبدلاً من تبني مواقف متطرفة تتمثل في الخوف المبالغ فيه واللامبالاة المبالغ فيها بين السكان في المنطقة كما حدث في منطقة تشيرنوبل بعد الكارثة، وفيما بعدها بكثير، عملت الحكومة اليابانية على توصيل المعلومات التي توجه السكان إلى اتباع استجابة عقلانية تجاه الكارثة، التي جاءت على هامش الزلزال، والمد البحري"تسونامي"، وهو إنجاز كبير يحسب لها في الحقيقة. مع ذلك، يجب التنبيه على أن الأخطار على صحة البشر، لا تزال باقية ليس فقط بالنسبة للعاملين المتواجدين داخل منشأة فوكوشيما النووية، ولكن بالنسبة لجميع الأشخاص الموجودين داخل دائرة يبلغ قطرها ثلاثين كيلومتراً من موقع تلك المنشأة. وحتى يتم جمع البيانات الدقيقة حول (العناصر المشعة) وما إذا كانت تلك العناصر قد بثت في الجو، ستبقى طبيعة الآثار الصحية لما وقع في المفاعل على سكان اليابان، ضرباً من التكهنات. كارثة تشيرنوبل تعلمنا أن الغدة الدرقية هي ذلك الجزء من الجسم الأكثر تعرضاً لمخاطر التسرب الإشعاعي، وأن الوسيلة الأكثر فعالية لحمايتها هي من خلال حقنها بأقراص الأيوداين. تبين هذه الكارثة أيضاً أن الأطفال هم الفئة الأكثر تعرضاً لاحتمالات الإصابة نتيجة امتصاص المواد المشعة في أنسجتهم وعظامهم أثناء نموها. وتلك الكارثة تبرز أيضاً أهمية الإجراء الخاص بإجلاء عشرات الآلاف من السكان بعيداً عن السقط النووي المحتمل. في النهاية تبين لنا تشيرنوبل أن الامتصاص البيئي لنواتج السقط النووي من خلال الإشعاع المستمر يؤثر على النبات، والحياة البرية، والمياه لآلاف السنين. لوري جاريت زميل رئيسي للصحة العالمية بـ«مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©