الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المجاهِرة بالعشق ..

المجاهِرة بالعشق ..
21 مارس 2013 15:52
هل اقتصرت قصص الحب على الرجال من شعراء هذه الأمة؟ ألا نجد في صفحات التاريخ الأدبي للعرب شاعرة تعيش الحب كما عاشه قيس ليلى وقيس لبنى وديك الجن الحمصي وغيرهم؟ نعم.. سجل لنا تاريخنا الأدبي قصة واحدة من الشاعرات الخالدات، والتي تحدّت الأعراف السائدة وأعلنت كما أعلن قيس بن الملوح قبلها أنها تحب.. وأن إعلان هذا الحب ليس جريمة يمكن لأحد أن يعاقبها عليها، خاصة أن من أحبته شاعر فارس يشار إليه بالبنان. الشاعرة هي ليلى الأخيلية. من هي ليلى الأخيلية؟ هي ليلى بنت عبدالله بن الرحال بن شداد بن كعب الأخيلية من بني عقيل. في أي زمانٍ كانت؟ لا نعرف سنة مولدها بالتحديد، ولكننا نعرف أنها عاشت في صدر الإسلام من خلال قصائدها التي مدحت فيها الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وواكبت الدولة الأموية وتوفيت حوالي 80 هجرية أو 704 ميلادية. وتتفق الحكايات التي سجلها لنا المؤرخون أن ليلى الأخيلية كانت رائعة الجمال، يفرض جمالها نفسه على كل رجل يراها، ولكن شخصيتها لم تعتمد على جمالها وحده.. بل اشتهرت بقوة حضورها، حيث كانت تفرض احترامها على الجميع لا فرق بين أمير وبين رجل عادي بسيط.. قصتها مع الحجاج بن يوسف الثقفي مسجلة في أكثر من مرجع. ملخص هذه القصة يقول: روى بعضهم أنه بينما كان الحجاج بن يوسف في مجلس ومعه عتبة بن سعيد إذ دخل الحاجب فقال: ـ مولاي الحجاج.. إن هناك امرأة في الباب تطلب الإذن بالدخول... ومن هي هذه المرأة؟ - رفضت أن تفصح عن اسمها... ولكنها.. ولكنها ماذا؟ قل أيها الحاجب.. - إنها جميلة جداً يا مولاي.. وماذا تنتظر.. أدخلها فوراً. دخلت ليلى الأخيلية ومعها جاريتان.. فغض الحجاج من بصره وطأطأ رأسه، فاقتربت ليلى منه وجلست قبالته... ولما رفع رأسه أذهله ذلك الجمال.. من أنت؟ - ألم تعرفني يا حجاج... أنا ليلى الأخيلية. وكأن وقع صوتها أيقظه ليعيده إلى نفسه وجبروتها. أنت ليلى الأخيلية الشاعرة؟ - نعم.. أنا هي.. وما أتى بك يا ليلى إلى مجلسنا؟ - أخلاف النجوم وقلة الغيوم وكلب البرد وشدة الجهد. وكنت لنا بعد الله الرفد. أهلاً بك أيتها الشاعرة العظيمة.. ولكن صفي لنا يا ليلى الفجاج التي جئت منها. - الفجاج مغبرة والأرض مقشعره والناس مشتتون رحمة الله يرجون وأصابتنا سنون لم تدع لنا هجعاً ولا ربعاً ولا عافطة ولا نافطة أذهبت الأموال ومزقت الرجال وأهلكت العيال. مهلك يا ليلى.. إذا كان هذا نثرك. فما هو شعرك؟ - أتحب أن تسمع ما قلته فيك أيها الأمير؟ تفضلي يا ليلى... اسمعيني. ـ أقول أيها الأمير: أحجاج لا يُفْلَلْ سلاحك إنما المنايا بكف الله حيث يراها أحجاج لا تعطي العصاة مناهمُ ولا الله يعطي للعصاة مناها إذا هبط الحجاج أرضاً مريضةً تتبَّع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العُضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها سقاها فروّاها بشرب سجاله دماء رجال حيث مال حَشاها تغيرت سحنة الحجاج وبان الغضب على وجهه، ثم التفت إلى عتبة بن سعيد وهمس: قاتلها الله، ما أصاب صفتي شاعرٌ منذ دخلت العراق غيرها. ثم التفت إليها قائلاً: حسبك.. - ولكني لم أكمل بعد.. كفاك يا ليلى.. يا غلام خذها إلى صاحبنا وقل اقطع لسانها. مشت ليلى الأخيلية وراء الغلام باعتداد وثقة أنها أحسنت وأنها ستنال عطاء الأمير، رغم أنها سمعت الحجاج يطلب من الغلام أن يأخذها إلى من سيقطع لسانها. وأمام الرجل المقصود قال الغلام: يقول لك مولاي الحجاج.. اقطع لسان هذه المرأة. أحضر الرجل الحجام أو السكين الحاد لينفذ أمر الحجاج فما كان من ليلى إلا أن صرخت به: ـ ثكلتك أمك.. أما سمعت ما قال الغلام.. إنما أمرك الحجاج أن تقطع لساني بالصلة وبالعطاء. وقف الرجل حائراً ماذا يفعل.. فما كان منه إلا أن يذهب إلى الحجاج بنفسه ليتأكد من سلامة الأمر المبلغ إليه من الغلام، فاستشاط الحجاج غضباً وكاد يقطع لسان الرجل ولكنه تمالك نفسه وقال: ردّها إليّ.. فعادت ليلى بنفس الاعتداد والثقة إلى الحجاج قائلة: ـ كاد يفعلها ذلك المغفل... ثم أنشدت: حجاج أنت الذي ما فوقه أحد إلا الخليفة والمستغفر الصمدُ حجاج أنت شهاب الحرب إن لقحت وأنت للناس نور في الدجى يقد عندها التفت الحجاج إلى جلسائه ليسألهم عن رأيهم فيها، فقال عتبة بن سعيد: ـ والله ما رأينا قط أفصح منها لساناً ولا أحسن محاورة، ولا أملح وجهاً ولا أرصن شعراً. قال الحجاج: هذه ليلى الأخيلية التي مات ثوبة الخفاجي من حبها. ولعلّ هذه الرواية التي تناقلتها معظم المراجع الأدبية تعطي فكرة واضحة عن شخصية هذه المرأة الشاعرة.. ولكن قصة حبها لتوبة تبقى هي الأساس الذي يقوم عليه بناء الشهرة التي حظيت بها.. كان توبة شاعراً وفارساً لا يشق له غبار، وكانت ليلى لا تخفي عشقها له وهيامها بحبه، وكما انتشرت قصائد الحب التي نظمها قيس لليلى، انتشرت قصائد الحب التي نظمتها ليلى الأخيلية في حبيبها توبة.. ولكنها مع ذلك تزوجت غيره كما تأمر شريعة القبيلة. روى أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني: أقبلت ليلى الأخيلية من سفر فمرت بقبر توبة ومعها زوجها وهي في هودج لها فقالت: ـ والله لا أبرح هذا المكان حتى أسلم على توبة.. فجعل زوجها يمنعها من ذلك ولكنها تأبى إلا أن تلم به.. فلما كثر تركها، فصعدت أكمة عليها قبر توبة فقالت: السلام عليك يا ثوبة ثم حولت وجهها إلى القوم فقالت: ـ ما عرفت له كذبة قط قبل هذا. قالوا: وكيف. قالت: قال توبة: ولو أن ليلى الأخيلية سلّمت علي ودوني تربةٌ وصفائحُ لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر صائحُ وأغبط من ليلى بما لا أناله ألا كلُّ ما قرت به العينُ صالحُ فما باله لم يسلم عليَّ كما قال.. وكانت إلى جانب القبر بومة كامنة، فلما رأت الهودج واضطرابه فزعت وطارت في وجه الجمل فنفر فرمى بليلى على رأسها فماتت في وقتها فدفنت إلى جواره. وسواء كانت هذه الحكاية صحيحة أو دخل إليها الخيال إلا أن التشابه واضح بينها وبين ابن الملوح... وحكاية قصيدة اليوم.. هي أنها سمعت بعض الحاقدين على توبة والعاذلين على حبها له ينهجون على توبة الحميري... فما كان منها إلا أن ردت على ذلك بأبيات رائعة، ارتجلتها ارتجالاً: معاذ النهى قد كان والله توبة جواداً على العلات جماً نوافله أغرَّ خفاجياً يرى البخل سبةً تحالفُ كفاه الندى وأنامله عفيفاً بعيد الهمّ صلباً قناته جميلاً محيّاه قليلاً غوائله وكان اذا ما الضيف أرغى بعيرُه لديه تأدى نيلُه وفواضله وقد علم الحدب الذي كان سارياً على الضيف والجيران انك قاتله وأنك رحب الباع يا توب بالقرى إذا ما اللئيم اليوم ضاقت منازله يبيت قرير العين ما كان جاره ويضحي بخيرٍ ضيفه ومنازله
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©