الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المقام» مكان لإعادة تشذيب أعشاب القلب

«المقام» مكان لإعادة تشذيب أعشاب القلب
20 مارس 2013 21:15
في “المقام” منطقة من الوعي الأزلي، فيها يخضر الشجر وتعلو قامة القصر، وتورد وجوه البشر، وتطلق الذاكرة، أجنحة الطير المحدق في فضاءات الماء المبجل.. الشارع الخلفي لمصلى العيد، يستعيد فصول التاريخ، والناس الطيبين. في “المقام” يعتني الله بأشياء قديمة، يرسل آياته ترتلها وريقات هفهفت مع النسائم تبتلاً وتهدجاً، وتوهجاً، وابتهاجاً. في “المقام” تتحقق وحدة الوجود ما بين النجود والجدود واللذين تداخلا نسلاً وفصلاً، ووصلاً، ونهلاً، ومهلاً، والذين، والذين أحبوا الله، فحبب فيهم خلائقه، طوقهم بسوار من ذهب المعنى، وقلائد الزمن الجميل.. في “المقام” التضاريس تستنهض وعي الزمن، وتلهم الطير قافية التغريد، وتبديد السكون بلحن فاق في شجوه، ما أبدعته قريحة الإنسان على مر الأزمان. في “المقام”، تكون السماء جلبابها بصفاء القلوب، وازدهار الدروب، بما أوحى الله إلى عبده من آيات الجمال والكمال، وما صدق به النبيون، من حنكة وفطنة وحكمة، وقيمة وشيمة، وشامة ووسامة وعلامة، وقامة وقوامة وقيامة، واستقامة، واستدامة.. تواري الضجيج في “المقام” يتوارى الضجيج خلف قماشة النفوس المطمئنة، يتوارى محتفياً بالصفاء، والنقاء، والبهاء، ورخاء الفكرة وثراء الحُلُم بالحِلمِ، ونعمة الانسجام مع الذات، بأريحية الأتقياء والأولياء، والنجباء، والنبلاء، والأوفياء. في “المقام”، تزخر الأحلام بعذوبة الأنام، واغتسال الأيام، بأحلى ما أوحى الله إلى عبده من جميل الكلام، وأنبل ما جاء على لسان طائر الحمام، من هديل سليل الغافيات على الغصن الجليل. في “المقام”، العين واللجين، وما لمع بين الحاجبين، وما باحت به السموات ورفت له أفئدة النبيين، واهتزت له الأرض، طائعة صاغرة، حسباناً وبياناً وتبيين. في “المقام” لا يجف ريق الأرض من البلل، ولا يخف الصوت الجلي عن الدلل، لأنها للواحة قلب وحدب وندب، وشذب، وهدب، وهذب، وسكب، وسحب، ونجب، وحجب، وصخب، وخصب، ورطب، ومنكب، وشهب. في “المقام”، ترسو مراكب الشوق للأخضر اليافع متسلقاً الفضاء بخيلاً، وكبرياء مستدرجاً الذاكرة بتفاصيل أدق من وريقات الغاف، أدق من أهداب امرأة، رفرف الحنين في أعطافها فاستدعت النون والقلم، واحتسبت عرفاناً بهذا البديع البليغ في الصناعة والصياغة والبلاغة والنبوغ، امرأة من هذا الكون، تدحرجت في عيونها دمعة، كالشمعة، غسلت الروح، واجتاحت كثبان ذكريات وأمسيات، ولحظات أتعبت النجوم تحديقاً ولم تتعب ولم تسغب، ولم تغضب، ولم تعتب، ولم تكرب.. امرأة، من ذلك الزمان خصبت الوعي، برشاقة وأناقة، ولباقة، ولياقة، وطاقة القلب المؤزر بالصلابة والنجابة، امرأة من ذلك المكان أرصفت الجبال من وجد ومجد، ولهج ومهج، ولعج، جاءت من فج الأشواق، والأعماق، لتهدي الأحداق نظرة، فابتسامة، فوعد لغد مشرق بالأمل. في “المقام”، رمش العين، وظلها وكحلها وفلها، وطللها وبللها، ونسلها المبجل، هي الوقت الذي لم يزل يحفظ الود والسد، والعهد، ويمد خيوط الأمل لشمس الله، ويرتل ويبتهل، ويخضب أيادي النساء ببياض من غير سوء، ويخصب قلوب الرجال بأناشيد الصحراء وأمطار السنين الطوال، ويهدي الصغار أغاني الفرح، ويسرج خيول الفكرة في سواحل العيون المحدقة في الأفق بنسق، ودفق، ووفق، ونسق، في المقام تستقيم الأشجار، كأنها الخيوط المنسوجة على ثوب تجلى شوقاً على رُهف وشغف، وكلف، وتلف، وعزف، ونزف. في “المقام”، تطرف الجفون، لتاريخ تجلى بعطر ومطر، وسُحر وسَحَر، وشجر، وبشر، وفجر شقشق براعمه بأناة وتؤده، والطير يصدح ملعناً النشيد الكوني لأجل الحدب والحطب، لأجل غايات وروايات جديدة تعيد ترتيب التفاصيل، بفاصلة بعد نقطة آخر السطر أول الدهر، وما بين البين، عصر يزهو بالبشر، والذاهبات من الأيام سقيا ولقيا، لا وردة أشف من عيون الطير، أخف من قد أهيف ناحل ناهل من عيون نواهل سواكب.. “المقام” في الزمن فاصلة، في التضاريس قافلة تهطل على الكثيب، بعشب أخضر قشيب تستهل مقالها بمقام خصيب، رطيب، خضيب، رهيب، عجيب، مهيب، أريب، شكيب، شخيب، طريب، ذريب، نجيب، لبيب، حبيب، سكيب. في “المقام”، هدأة المساء لغة شعرية بالغة التصوج، ومفردات القصيدة نثرت المعاني، بسخاء ورخاء واستدعت الحلم طواعية كأنه العذوبة في جسد أنثى من أطناب القديسات الرَّهَب. مقلة العين “المقام”، مقلة العين، وقُبلتها وقِبلتها، هي الجفن والغصن، واللحن، والمزن، والمن والسلوى، هي الوتد والمطر، والسطر، والنحر، هي السّفر والسِّفِر، والعروة الوثقى، وهي الوثاق، والعناق، والأشواق، والأطواق، والأحداق، والتساق، والآفاق، والأعماق، هي الجناس والطباق، وهي القصيدة المقلدة على خصر ونحر، هي الأسور المطوق المِطْبق على لهف، وطرف، وشغف، هي الرسالة المطولة، منقوشة بحروف من نزف، وعزف، وغرف، هي العنق والرئة، في أول الطريق، في آخر الشهيق، وما بين البين، يتدفق جدول من ابتسامات وشهامات الأولين القابضين على جمرة الأول الناهلين من نبوع ما جف يراعها، ولا عجفِ متاعها. “المقام”.. تحرسها بيوت، أقدم من التاريخ، بأفنية كقلوب أصحابها، واسعة كالفضاء، خضراء كعشب يانع يافع، يمد رموشه ملوناً “العين” بأثمد الثناء والإطراء.. “المقام”، تقيم مأدبة التاريخ على بساطها الأخضر، وتحتفي بالعشاق، بالسندس والإستبرق، مطوقة الأعناق بقلادة الفرح الفطري.. “المقام” تقيم هناك، عند ربوة الأشواق بأحلام الأولين، وبسجايا الرهبان والقديسين وطوايا الأولياء الصالحين.. “المقام” تقيم هناك ترقب المشهد الحضاري، بحذر تتابع عن كثب، ما يجيش في خاطر الغير عندما يغادر الغصن ليعود محملاً بالبوح الجميل.. “المقام” تقيم هناك ترتب قصيدتها على مهل تهذب المعنى، بلا كلل تشذب الأوراق، بقلم.. وأنملة وتكتب للتاريخ عن منطقة بلا رتوش، لكنها بنقوش من أسهموا في تلوين الأشياء بالجمال. “المقام” منطقة في الحُلُم، مشهد في الفهم، وشاية أسطورية محملة بأشواق النياق، وما درّت به الأرض، من ألق المراسل وما جاش به الرمل من لظى.. “المقام” مقام الذين احتلبوا الزمان حتى نزّت الأرض بحبرها المقدس واستناخت الجياد لأجل العباد لأجل سجادة تفترش الأنساب ولأحباب لوناً وفناً وشجناً، وكناية وعناية ووقاية ودراية.. “المقام”، شجرة في الذاكرة تنبت زرعاً وضرعاً، ووعياً، وسعياً هي في غاية الملائكة تسجد وتعبد وتمهد، وتنقد، وتوقد، أشواقاً لتاريخ لم يزل يعلق أشياءه، على شجب الذاكرة يضع عطره، فوق منضدة الفكرة، يقلب أوراق كتابه، يتصفح وجْدَ العاشقين يفصح عن دنف الساهرين على وميض الشجر، السابحين في بحيرات الخبر اليقين، الذاهبين في تجاويف الكلمة النابشين عن سرديات المكانة بإتقان واتزان وأمان، وحنان، المتابعين رقصة الطير عند شفه الغصن الغض، هؤلاء هم الوجد والوجود، والحبل الممدود والسهل الممهور، هم السبيل والسلبيل وسلسلة الوصل وحد النصل هم القدرة والفكرة والعِبرة، والبذرة والسدرة، والدرة هم محارة الألم، جوهرة الأمل، هؤلاء في المنطقة الجوهرية من العقل في البقعة المضيئة من المقل. “المقام” الصوت المجلجل الآتي من مهجة التاريخ من رونق المكان، هي الفيض والهالة، هي المغزى والدلالة، هي السلالة، المنسلة من محارة العشق، هي الجزيرة نوارسها بيض نواصيها، حمر مواقعها الموجات كثبان تختزل الزمن بسويعات الأصيل، حيث اليراع رضاب، وعِذاب، مذابٌ على شفاة وجيد، والعيد عود أحمد، لكل من أتعبه السفر، وطالت به المواعيد، واستنفر الدهر.. “المقام”، درب أخضر وأمنيات تتهجى أسماء الذين شيدوا الجدر، وبذروا السد، ونحتوا في الصخر يبثون الأسئلة متواليات، وبوصلة الذين رددوا أسماء الله الحسنى، وهم يخطبون ود المرحلة الذين سكبوا الحنين مدراراً، وأسراراً، وأخباراً وأطواراً، وحواراً، ودواراً، وجهاراً ونهاراً. “المقام”.. مقام الطيبين مدار غزلان الصحائف والكتب، والنهار المدهش، ونخوة الشجر وصبوة الحجر، ونشوة الطير المحمل بحقائب السفر. “المقام”.. كأنثى في المساء، تسكب قهوة اللقاء الأخير، تمضي بثوب الحرير، مهفهفة، مرفرفة طارفة، مياسة ميادة، تعني بالتفاصيل، تقرأ جيداً ما بين الفاصلة والفاصلة، تؤكد على الفرض والنافلة، تؤكد أن للحب سحر الانتماء والولاء، ومن لا يعشق، كأنه يطيح بالإشارة الحمراء، لقانون السماء.. “المقام” كأنها القصيدة الوليدة، تنثر في المضمون بحرقة ودقة، ورقة، تغدق، وتغرق، وتسرق، وتحدق تداهم، وتفاقم، وتستدرج التاريخ في لحظة مباغتة، ثم تسري في دماء الطير كما في لحاء الشجر، كما في نباهة البشر، تقول الحكاية من أول الفصل حتى آخر النصل، تقول عن الذين ذهبوا وبقيت زجاجات عطرهم تزخرف الذاكرة، بأيام وأحلام وآلام وكلام تقول والسرد يطول، كما هي المقام، ملحمة فصولها من لمعة في عين امرأة، أو شمعة علقت في الجدار، في انتظار الزيارة المفاجئة لقمر، أو قدر، أو سفر يعيد ترتيب أولويات الروح. «المقام» .. مكان لإعادة تشذيب أعشاب القلب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©