الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوباما في تشيلي... وتركة «بينوشيه»

23 مارس 2011 22:07
بعدما وصل أوباما إلى تشيلي يوم الاثنين الماضي في زيارة استغرقت 24 ساعة فقط، وجد أن هناك شيئاً في غاية الأهمية غائباً عن أجندة تلك الزيارة. كان هناك بالطبع أحاديث عن المأكولات البحرية الغنية، وأحاديث أخرى تمتدح الرخاء الذي تحقق في تشيلي، واتفاقات ثنائية واجتماعات مع كبار المسؤولين. ولكن لم تكن هناك خطة - وأنا واثق من ذلك- لإطلاع الرئيس على التجربة التي رسمت معالم التاريخ الحديث لتشيلي، ولا خطة لإحاطته علما بمدى الشعور بالصدمة التي لا يزال شعب تشيلي يعاني منها جراء السبعة عشر عاماً، التي عاشها تحت حكم الجنرال "أوجستو بينوشيه". بيد أنه لن لم يكن صعباً على أوباما أن يشهد عينة صغيرة من الأحزان التي عاشتها تشيلي خلال تلك الفترة. فعلى بعد عدة بلوكات سكنية من القصر الجمهوري الذي جرى فيه لقاؤه مع الرئيس "سباستيان بينيرا"، يعكف 120 من الباحثين في الوقت الراهن، على إعداد قائمة شاملة بأسماء ضحايا بينوشيه تمهيداً لإجراء التسويات، وتقديم التعويضات النهائية لهم (هذه هي المحاولة الثالثة للتعامل مع التركة الرهيبة التي خلفها هذا النظام منذ سقوطه عام (1990). هذه التركة تشمل حالات تعذيب، وإعدام، واعتقال، وسلسلة طويلة من حالات انتهاك حقوق الإنسان لم يتم حتى الآن تحديدها على وجه الدقة. وقد تلقت اللجنة الحالية التي تقوم بالتحقيق في تلك الانتهاكات، ما يزيد عن 33 ألف طلب للتعويض عن المظالم التي لحقت بأصحابها. وعلى الرغم من أن أوباما، بسبب قصر مدة الزيارة، غير قادر على قراءة كافة التقارير المتعلقة بهذه القضية، فإن تخصيص وقت قصير من مدة الزيارة في مقابلة وفد من الأشخاص، الذين كانوا ضحية لحكم بينوشيه، كان كافياً لإطلاعه، على الكثير من المعاناة الرهيبة التي عاناها التشيليون تحت هذا النظام القاسي، ربما بطريقة أفضل مما لو قرأ الآلاف من الإيجازات عن هذا الموضوع. كان بمقدور أوباما على سبيل المثال أن يتحدث مع باحثة اسمها "تمارا"، وهي امرأة قُبض على والدها في الحادي عشر من سبتمبر عام 1973، أي في اليوم نفسه الذي تم فيه الإطاحة بسلفادور الليندي الذي كان والدها يعمل حارساً شخصياً له، ولم تسمع عنه من ذلك الحين، ولا تعرف أي شيء عن مصيره. ما حدث في ذلك اليوم كان رهيباً... وأنا نفسي كنت أعمل في القصر الرئاسي في ذلك اليوم، وتمكنت من النجاة بحياتي بفعل سلسلة من المعجزات المتتالية، ولكن والد "تمارا"، لم يكن محظوظاً مثلي. وكان بمقدور أوباما أيضاً أن ينظر في عيني محامي أعرفه معرفة شخصية، تم اختطافه ذات ظهيرة بعد عدة سنوات على وقوع ذلك الانقلاب، وتعرض لتعذيب قبل أن يتم إلقاؤه ذات مساء مظلم وبارد في شارع مهجور ثم يتم القبض عليه مجدداً بعد ذلك بتهمة خرق حظر التجول، الذي كان لا يزال مفروضاً على تشيلي في ذلك الوقت. ويمكن لأوباما أيضاً أن يستمع لقصة عالمة انثروبولوجيا نُفيت خارج تشيلي لمدة أربعة عشر عاماً كاملة عانت خلالها من الغربة والتشرد والضياع، وكانت عودتها لتشيلي بعد ذلك أكثر إيلاماً، وذلـك عندمـا قرر أبناؤهـا -الذين أبعدوا عن بلادهم منذ أن كانوا أطفالاً- البقاء في المهجر، مما أدى إلى تشتت العائلة بين بلدين. وإذا كان أوباما يفضل الأماكن على الأشخاص، فكان باستطاعته زيارة "فيلا جريمالدي"، التي كانت معتقلًا يمارس فيه التعذيب أيام بينوشيه، وتحولت الآن إلى فيلا تضم مركزاً للسلام. كما يمكنه أيضاً أن يخصص عشر دقائق لزيارة "متحف الذكريات"، الذي يزوره التشيليون للاطلاع على ما فيه من معروضات تذكرهم بأيام تعتبر من أشد أيام التاريخ التشيلي سواداً. من بين الأسباب التي تجعلني ألح على ضرورة إلقاء أوباما لنظرة، وإن تكن قصيرة على المحنة الدامية التي واجهناها تحت حكم بينوشيه، أن الولايات المتحدة هي التي جاءت بهذا النظام في هذا الأساس، وهي التي دبرت الانقلاب بواسطة "سي.آي.إيه" على حكومة سلفادور الليندي المنتخبة ديمقراطياً، وساعدت نظام بينوشيه القاسي، ومكنته من إحكام قبضته على رقبة الشعب التشيلي. والتجربة التشيلية في التعامل مع تركة الأنظمة الاستبدادية، وما عانته في تحديد تفاصيل الجرائم، وإجراء التسويات، وتقديم التعويضات لضحاياها، تثبت مدى الصعوبة التي يمكن مواجهتها في التعامل مع الجرائم ضد البشرية - على الرغم من الأهمية البالغة والضرورة القصوى لهذه العملية. لقد تعلمنا نحن شعب تشيلي، أننا ما لم نقم بمواجهة الماضي الرهيب، وتعريض تفاصيل معاناته وأحزانه للضوء، وإذا لم يتم معاقبة الجناة والمرتكبين، فإن لا أحد آخر سيقوم بذلك بالنيابة عنه، كما أن روحه ستظل إذا لم يحدث ذلك فريسة لإحساس لا يحتمل بالظلم والعجز. وهو ما يمثل في حد ذاته درساً يجب أن يتعلمه أوباما والمواطنون الأميركيون كذلك. فبعد عامين على توليه الحكم، لا يزال معتقل جوانتانامو مفتوحاً على الرغم من أنه قال أثناء حملته الانتخابية إن إغلاق هذا المعتقل سوف يكون من أولوياته، كما أنه لم يقم حتى الآن بالتحقيق في وقائع التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، التي تمت في عهد إدارتي جورج دبليو بوش، ولم يقدم اعتذاراً لضحايا تلك الانتهاكات. وتشكيل لجنة أميركية للتحقيق في تلك الوقائع، وتعويض الضحايا على غرار اللجنة المشكلة في تشيلي حاليا، سوف يكون بمثابة خطوة أولى نحو المحاسبة التي لا يمكن - كما أثبت التشيليون - تأخيرها طويلاً. بالإضافة لذلك كان باستطاعة أوباما أن يقوم ببادرة سيكون لها مغزى كبير، وهي زيارة لقبر الزعيم سلفادور الليندي، الذي مات، وهو يدافع عن حق الشعب التشيلي في اختيار مصيره بنفسه، خصوصاً أن هذا القبر لا يبعد كثيراً عن مكان القصر، الذي تبادل فيه أوباما الأنخاب مع الصفوة التشيلية احتفالاً بالصداقة المتينة القائمة بين تشيلي والولايات المتحدة الأميركية. ارييل دروفمان أستاذ أميركي من أصول تشيلية يعمل بجامعة "ديوك" ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©