الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«حرب النجوم» في دبي

«حرب النجوم» في دبي
20 مارس 2013 21:18
غادر جنود “حرب النجوم” مملكة “غالاغتيك” وحطوا في دبي. خالفوا توجيهات المخرج الأميركي جورج لوكاس في اللحظة الأخيرة، وقرروا التفتيش عن ملاذ أو موطن جديد ليعيدوا فيه بناء قوتي الخير والشر أو قطبي الظلام والنور الموجودة على سطح كوكبهم. اتخذت تلك المخلوقات المعدنية من مواقع الإنشاءات والجسور والفضاء الصحراوي الممتد مركزاً لعملياتها العسكرية، في حين انسحب البعض الآخر من نزاعات الطرفين ليختار التسكّع في مجمّع لسيارات السكراب والخراطة قبل أن يتم تصفيتهم على يد أعدائهم الأزليين. تلك الأجواء السينمائية الخالصة من الخيال العلمي المفرّغة في قالب فوتوغرافي لافت للمصور الفرنسي سيدريك ديلسو، كانت جزءاً من المعرض الذي استضافه غاليري “برو آرت” في دبي بعنوان “نظرة خاطفة على التصوير” أوflash back on photography. ضمّ المعرض عشرات الأعمال لأكثر من 24 مصورا وفنانا من الجيل الجديد والقديم في ما يشبه “المتاهة” الفنية. هذه الحالة من الاكتظاظ الفوتوغرافي البعيدة أحياناً عن أي توزيع أو ترتيب منطقي للوحات، لم تسهّل على الزائر مهمة استطلاع تلك الأعداد الكبيرة من الصور المعروضة دفعة واحدة، والتي غاب عن بعضها الأشرطة التوضيحية التي تبرز اسم المصور واللوحة. لكن بالرغم من ذلك، برزت سطوة السينما في أعمال عدد من المصورين في حالة استعادية رومانسية، وأخرى رؤيوية مبتكرة. اجتياح من خلال عمله الأخير “العدسة المظلمة”، يوسّع ديلسو من هامش الفترة الزمنية التي عادة ما يغطيها التصوير الفوتوغرافي والتي تنتمي الى الماضي. فيقدّم المصور بدلاً من ذلك مساحة زمنية في أعماله تمتد الى المستقبل بسرد خيالي علمي متين. يقدّم سيدريك في “العدسة المظلمة” الذي صدر في كتاب عام 2011، تصوراً لمستقبل هش غامض نابع من حاضر ليس أقل قتامة. فالاستقرار الاجتماعي المفقود في ظل فلتان الأوضاع الأمنية، والأزمات المالية المتلاحقة، والحروب التي تعمّ العالم، كل ذلك سيدفع بدارث فايدر، وجانغو فت، وميللينيوم فالكون، وC-3PO ومئات غيرها من شخصيات “حروب النجوم” الى استيطان الكوكب الوحيد القادر على لمّ شمل البشرية. رؤية ديلسو تحاكي بالإضافة الى “حروب النجوم”، أفلاماً أخرى شبيهة مثل “كوكب القرود” بمختلف نسخاته بدءاً من العام 1968، و”حروب” لتوم كروز وغيرها. تقنياً، اتخذ المصور من دبي موقعاً اساسياً لإنجاز عمله، فأنتج منها 23 صورة من أصل 47 صورة التقطها من مدن أوروبية مختلفة. في أعماله، يختار ديلسو مواقع صناعية، وحضرية مطورة، وأخرى مهجورة لتنفيذ فكرته. أما شخصيات “حروب النجوم” وآلياتها وطائراتها ودباباتها، فصوّر نماذج مصغّرة عنها داخل الاستديو، وأضافها الى صور المواقع وفقاً لما يناسب قراءته وأفكاره. تضيف المواقع التي اختارها المصور واقعية سوداء على الصور قد تربك المتفرج. فهو قادر على التعرف على جميع عناصر الموضوع في الصورة، الا انه لا يحسم أمره في كونها حقيقية بالمطلق، أو متخيلة بالمطلق. فأعمال ديلسو مزيج أوجده ليطلق من خلاله إنذار ودعوة. هي ليست رؤية متشائمة مجانية، هو عرض للمستقبل نابع من اللحظة الحاضرة للتصرف سريعاً والعمل على تفاديه وتغييره. «المرأة المميتة» بعيداً عن الخيال العلمي، وفي مشهد آخر بعنوان “ريتا والمرأة السوداء”، أعاد المخرج التلفزيوني والكاتب آلان شورازتين الممثلة الأميركية ريتا هايوورث التي لعبت دور غيلدا في الفيلم الذي يحمل اسمها عام 1946، لتتخذ وضعية “المرأة المميتة” الإغرائية نفسها التي اشتهرت بها في الفيلم، في صورة تبرزها على باب احد المنازل المطبوعة جدرانها الخارجية برسم غرافيتي ملون ضخم لفتاة أفريقية جميلة. أراد المخرج المفتون بـ”المرأة المميتة”، استحضار مشهداً سينمائياً أيقونياً آخر من فيلم “المواطن كاين” عام 1941 في صورة بعنوان “أخبار العالم”. أراد شورازتين تسجيل موقف من عبثية الأخبار والأحداث التي تدور في العالم، فاستخدم المشهد الذي يقف فيه الممثل ومخرج الفيلم أولسون ويلس على مئات من الصحف المكدّسة، ليضيفه من خلال لعبة إنتاجية على صورة أخرى لغرفتين فسيحتين داخل شقة قديمة ومهجورة غابت تفاصيلها الداكنة تحت رسومات وكتابات غرافيتي موزعة بارتجال في كل مكان. يمتد تأثير السينما على التصوير الفوتوغرافي أيضاً في مشاريع بعيدة عن المعارض الفنية والتقنيات المعقدة. فمن خلال مشروع “فيلموغرافي” الذي نشرته مجلة “فانيتي فير”، تمكّن الكاتب والمنتج الكندي كريستوفر مولوني اختيار 250 مشهداً من عشرات الأفلام السينمائية المصورة في نيويورك، ليبث فيها نفساً آنياً يذكر بكبار السينمائيين الذين صوروا في المدينة وأحبوها أمثال وودي آلن، ومارتن سكورسيزي، وسبايك لي. استحضر مولوني صوراً مطبوعة على أوراق عادية من مشاهد أفلام معروفة قديمة وجديدة مثل الشبح، والسنافر، والموت الصعب، والفطور عند تيفاني، بالإضافة الى مشهد مارلين مونرو الشهير بالفستان الأبيض المتطاير. جال الكاتب على المواقع التي رصدها خلال رحلته اليومية الى العمل، فصوّر المشهد العام بعد ان ثبت يدوياً صور المشاهد المطبوعة في مقدمة الموقع الحقيقي للمشهد. يعطي مولوني من خلال “فيلموغرافي” معنى آخر لشوارع نيويورك، فتبدو تفاصيل الحياة العادية اليومية وأحداثها خلفية لحركة سينمائية مستمرة من خلال اطياف نجوم هوليوود وسحرهم العالق في المكان. قلق وجودي تأثير الفن السابع وسحره الطاغي على التصوير الفوتوغرافي اتخذ أبعادا” مختلفة مع المصور الفني المصري يوسف نبيل في مجمل أعماله، والتي اختصرها الغاليري بصورة بورتريه وحيدة بعنوان “الأبواب المفتوحة”. لم تكن السينما المصرية التي استوطنت خيال نبيل مجرد مصدر وحي وإلهام ينهل من سحرها في شحذ كاميرته، بل هي بوابة المعرفة المفتوحة على معاني الحياة والموت، على الجمال اللانهائي الساكن خلف الشاشة، هي الشرارة الأولى التي شكّلت قلقه تجاه الوجود. أمضى نبيل كل أوقات فراغه منذ صغره في مشاهدة أفلام السينما المصرية التي انتجت خلال حقبة الأربعينيات والخمسينيات. لم يكن يوفر والدته عبر إغراقها بوابل من الأسئلة عن الأحداث والممثلات وحبكة القصة التي يشاهدها، الى ان أبدت والدته في احد الأيام استغرابها من حرصه على معرفة تفاصيل في حياة ممثلين أصبحوا كلهم أموات. تلك المعلومة الصاعقة التي هزت نبيل، رسمت مسار مهنته ومستقبله عبر خوفه من فقدان من يحب. جميع أعمال نبيل من بورتريه المشاهير، والبورتريه الشخصي تدور بطريقة أو بأخرى حول فكرة الزوال، في معالجة فنية سينمائية كلاسيكية تشبه الأفلام التي يحب. فبالنسبة له، الحياة كما الفيلم السينمائي، نعلم منذ البداية انها ستنتهي يوماً ما، وبالتالي لا بد من معاندة حتمية القدر من خلال تخليد من يحب عبر الصورة الفوتوغرافية. فهو منذ سنوات لم يعد يسمح للموت بخطف من يحب من شخوص الممثلين أو الاعمال المرتبطة بهم، فبدأ يسعى الى التواصل معهم لتصويرهم بأسلوب شكّل خطاً فنياً خاصاً به، لينتج عملاً بعنوان “لن أدعك تموت”. يصور نبيل شخوصه بفيلم بالأبيض والأسود، ثم يعمد الى تلوينها باليد عبر استخدام أصناف مختلفة من الأصباغ المائية المغطاة بطبقة من الصمغ العربي أو صمغ الأكاسيا الذي يساعد الورقة على الإمساك بالألوان وحفظها. تلك التقنية التي تعود على مستوى التصوير الفوتوغرافي الى العام 1839، هي جزء أساسي من تأثير السينما في أعمال نبيل الفنية. فالأفلام القديمة الملونة وطريقة تلوينها التي أصبحت من الماضي، أعاد إحياءها لتشكل جزءاً اساسياً من أسلوبه الذي رسخه طوال ما يزيد عن 15 عاما. ففي خمسينيات القرن الماضي، كان المنتجون يرسلون نيغاتيف أفلام الأبيض والأسود السينمائية مثل دليلة، والمماليك، وشفيقة القبطية، وردّ قلبي الى باريس لرسمها باليد، فتضيف جمالاً فريداً ليس على الشكل النهائي للفيلم، وإنما أيضاً على وجوه الممثلين. علماً ان أول فيلم تم إنتاجه بالكامل بتلك التقنية هو “بابا عريس” عام 1950. كذلك نبيل، الذي صور فاتن حمامة، وعمر الشريف، وفيفي عبده، وسيمون، وكاترين دونوف، ودايفيد لينش، وستينغ وغيرهم، أراد إضفاء بعداً درامياً كلاسيكياً حالماً وجميلاً على وجوه شخوصه، بعداً مختلفاً عن الصورة الحقيقية اليومية المستهلكة في السوق الفني السينمائي والتلفزيوني والشعبي، بعداً يخلّد تلك الشخصيات في الذاكرة الجماعية للشعوب، يحميهم ويحمي نفسه من التلاشي، بعداً يجسّد تلك الرغبة الحاسمة في التواصل والاستمرارية. النهاية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©