الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ميشال مسلان يفسر العلاقة بالمقدس و يخضع ظواهر التدين للتحليل العلمي

ميشال مسلان يفسر العلاقة بالمقدس و يخضع ظواهر التدين للتحليل العلمي
28 أغسطس 2009 23:41
يؤطر ميشال مسلان في كتابه «علم الأديان: مساهمة في التأسيس» نهجاً جديداً يسعى من خلاله إلى فهم الظاهرة الدينية المستمدة من مختلف التجارب في شتى الثقافات الإنسانية، محاولاً رصد هذه الظاهرة كونية الشيوع، ذات الطابع المفارق والملاصقة للإنسان المدرَك في أبعاده الكلّية والجماعية. وجاء نقل الكتاب إلى اللغة العربية على يد المترجم التونسي عز الدين عناية، انطلاقاً من أن الأبحاث التي تتناول الظاهرة الدينية في الفكر العربي المعاصر تكاد تنحصر في العلوم الفقهية والشرعية، دونما استحضار «علم الأديان» كعلم مستقل يناقش إشكالات على صلة حميمة بحياة الإنسان، ومن ثم جاءت ترجمة هذا الكتاب من أجل إطلاع القارئ في عالمنا العربي، على حقول معرفية نحتاج إليها لننفتح على رحابة تنوع العلاقة بالمقدس والفهم العلمي لظواهر التدين. الإرهاصات الأولى يعمد ميشال في بداية الكتاب إلى طرح رؤيته حول تاريخ علم الأديان، قائلاً إن الإرهاصات الأولى لهذا العلم ظهرت لدى الإغريق، حيث كان النظام الديني في المدينة القديمة يسمح لبعض المفكرين بالوقوف موقف الملاحظين والنقاد الموضوعيين، نظراً لغياب أي شكل للوحي الإلهي أو لشريعة نافذة. ثم أصبحت صورة علم الأديان أكثر وضوحاً وظهوراً، خلال القرن السادس عشر، حين تأسست حالة قطيعة أو على الأقل حالة تراجع في مكانة الدين الرسمي، كأثر من آثار تفتت الوحدة المسيحية، وتحرر الفرد من النظام الديني والسلطوي، آنذاك كان للفردانية الدينية الدور الحازم في الوقوف ضد أي تنظيم كنسي، رافقها في نفس الوقت اعتبار العقل معيار الموازنة والحكم على الأنشطة الإنسانية. هنا بدأ التوجه العقلي في رسم صورة أكثر ذاتية لمسائل المقدس، فهو حر لكنه منعزل، وأكثر اهتماماً برغباته وحاجاته وبأشكال تصوره للإلهي، ومن خلال سعي الإنسان الملح للوعي بالمقدس، برزت الحاجة لدراسة الآليات النفسية لتلك التجربة والتمسك ليس فحسب بالجانب الموضوعي وأيضاً بتمظهراتها الذاتية. مشاعر الخوف ويوضح الكاتب أنه في خضم محاولات تفسير علم النفس للظاهرة الدينية، فسرها البعض باعتبارها مشاعر خوف أو جهل، في حين أن آخرين حاولوا البرهنة على أن الدين في حد ذاته إحساس بالخضوع أمام قوى عليا، وأن مختلف أشكال التعبيرات العقدية والشعائرية ليست سوى وظيفة طبيعية للخيال، وذلك تبعاً لما أوضحه فيورباخ (1804- 1872). ويلفت إلى وجود كثير من النظريات التي حاولت تفسير الظاهرة الدينية بعد ذلك، واتخذت شكلاً جدلياً ربما لم يتوقف إلى يومنا هذا. الإنسان والمقدس ثم يعرج مسلان إلى الحديث عن علاقة المجتمعات بالدين، مفسراً، أنه منذ الربع الثاني من القرن التاسع عشر وتحت تأثير فلسفة أوجست كونت، تم بناء رؤية جديدة لعلاقة الإنسان بالمقدس، ارتكزت على الإقرار بأهمية الوقائع الاجتماعية وقوتها الجبرية على الفرد، فضلاً عن أن عملية الوعي بالاجتماعي أخذت تتحرر تدريجياً من الافتراضات الفلسفية فكان مؤداها ظهور ما يعرف بعلم الاجتماع الديني. وينتقل إلى تناول اللامعقول في المقدس، من خلال طرحه لرؤية رودلف أوتو (1860- 1937م)، الذي ذكر أنه ليس بالإمكان الإحاطة بالمقدس، إلا بواسطة بعض الصور والأشكال من التعابير الأدبية، التي هي لغات خاصة بالإنسان، ولكن يصعب استنتاج انتماء المقدس إلى صنف الأشياء المرئية والقابلة للتحديد عبر اللغة، فليس بمقدر الإنسان مدّنا سوى بتصور غير واف بالغرض لمقدس يبقى دائماً أمراً خفياً. وفي هذا السياق يشير المؤلف إلى أن أوتو لم يهتم سوى بالطابع الذاتي للمقدس، وتناسى بعداً بالغ الأهمية بالنسبة للمقدس، وهو أن الإنسان يصعب عليه إدراك المقدس إلا بفضل وساطة وقائع معينة، أو ذات طابع طقوسي أو أخلاقي. معطيات اجتماعية يأخذنا ميشيل مسلان عبر صفحات الكتاب، إلى استعراض المقاربات الحديثة للظاهرة الدينية، فيتناول أولاً المعطيات الاجتماعية للظاهرة الدينية، ومنها، 1- الاقتصاد والدين، سوسيولوجيا الفهم؛ محاولاً فك رموز العلاقة بينهما مستشهداً بآراء عديد من المفكرين والعلماء ومنهم ماكس فيبر، الذي عمل على تفسير الظاهرة الدينية استنادا إلى الواقع الاجتماعي، وليس بعيداً عنه، فنجد أنه عمل على تحليل تكون العقلية الاقتصادية والأخلاق الاقتصادية للأديان الكبرى، من أجل الإجابة على بعض أنماط الأسئلة المطروحة أمام كل من علم الاجتماع الديني، وعلم الاجتماع الاقتصادي، فعبر اختبار ست منظومات دينية، وهي الهندوسية والبوذية واليهودية والمسيحية والإسلام سعى ماكس فيبر للإحاطة بالأخلاق الاقتصادية لهذه الأديان. إذ المراد ليس تعاليمها العقدية، ولكن حوافزها العملية التي تشحذ بها أفعال الناس اليومية وما يترتب عنها من آثار نفسية ونفعية على مساعيهم، وبخبرة تحليلية عميقة يستخلص فيبر أن الأخلاق الاقتصادية تتمتع باستقلالية حقيقية ومتفاوتة عن الدين، لارتباطها بعوامل جغرافية وتاريخية واقتصادية تحدد بدورها نوعاً من الحياة ذات صبغة مميزة، ومهما كان عمق التأثيرات الاجتماعية على الأخلاق، فإن ذلك يعود في النهاية ويعلل بعمق بحسب المحتوى الديني ووعوده. 2- التحليل السوسيولوجي للأنماط والبنى الدينية، أي معاينة الكتلة الاجتماعية الدينية في بناها وحياتها الخاصة، أو في علاقتها التي تنسجها بالعالم الخارجي، وهذه المعاينة لن تتم إلا إذا اندمجت في مجال أوسع ضمن الجماعة الوطنية إن لم تكن الإنسانية، مستعيناً برأي جابريال لوبرا في إلحاحه الدائم على ضرورة موضعة الكنيسة أو المعبد ضمن القرية أو المدينة، لأنه يرى أن الجغرافيا وإمكانات التواصل وكذلك التجمع السكني وتشتته، يمكنها أن تشكل عوامل مهمة لتطور الشعائر، وقد تمثل عقلة كؤود أمامها، إذ يلزم إدراك الجماعة الدينية في نطاق الكون الأصغر من أجل فهم أفضل لها، ومن ثم ينبغي إيلاء الاهتمام للبنى الاجتماعية ومعرفة ما إذا كانت السلطات الدينية تتطابق مع التراتيب الاجتماعية والسياسية أم لا، إلخ. 3- بنية الكنيسة، يقول ميشال مسلان، إن الكنيسة تعتبر أحد التشكلات الأساسية التي ولدت التحليل السوسيولوجي والتي من اللازم التوقف عندها، لأنه من خلالها نستطيع التفرقة بين الأشكال أكثر تنظيماً التي تعود للدعوة الكنسية، وبين الجماعات الدينية الاختيارية المتكونة بالانضمام الحر لأعضائها، وهذا يساعدنا في تحديد السمات التي تميز كل جماعة من تلك الجماعات، وكيفية تطورها، وعلاقتها بجماعة المجتمع المحيطة بها. 4- بنى التنازع؛ النحل، ويقصد بها الكاتب تفلُّت بعض الجماعات من تحت عباءة الكنيسة، فترى كل نحلة نفسها بمثابة الجماعة المقدسة الواعية والموحدة، حيث تكمن القداسة في الجهد الديني العملي والفردي لا في الكنيسة عبر تقديس المؤسسة العارضة للنعم الإلهية للبشر. المادية الفرويدية ثم يدلف كاتبنا إلى عملية التحليل النفسي والدين، من خلال التبحر عبر رؤى مجموعة من علماء النفس وقراءاتهم للظاهرة الدينية ومنهم سيجموند فرويد، التي هوجمت تفسيراته» المادية» للدين بعنف، من قبل الكنائس، حتى أن بعض اللاهوتيين اعتبروا أن التحليل النفسي للدين والمقدس، بمثابة الإثم القاتل، ولكن هذا الهجوم والجدل خفّ تدريجياً بمرور الزمن، بحسب ما يقول المؤلف، ففي الأوساط الكاثوليكية التي كانت شديدة العداء للتحليل النفسي كسب البحث الفرويدي نوعاً من حق الممارسة للاستعمال الظرفي، وبإغفال النظر عن الآثار النفسية المترتبة على فكر فرويد، يمكن الإقرار بإمكانية استعمال منهجه لمساعدة رجال الدين لإيجاد نوع من الاتزان، مع أن التحليل النفسي الفرويدي ليس مقبولاً على إطلاقه في الكنائس، وهو ما يستلزم رؤية لاهوتية من نسق مغاير. الخيالي والحقيقة بالمرور عبر صفحات الكتاب، نصل إلى حديث المؤلف عن الأساطير والرموز في الظاهرة الدينية، حيث تناول أهمية الرموز بالنسبة للمنظومات الدينية، كاشفاً عن وجود نشاط رمزي غائر في أعماق الطبيعة البشرية، وهو يتداخل ضمن جميع علاقات الفرد مع الغير، كما مع الألوهية أيضاً، قائلاً إن كل رمز هو علامة مرئية فاعلة، ويظهر كأمر حامل لقوة نفسية واجتماعية معينة. كما يتحدث عن الأساطير كجزء من الظواهر الدينية الأولية، وذلك في سياق قراءته العلمية الشاملة لظاهرة التدين والمقدس، من أجل تفسير علاقة الإنسان بالمقدس، ووضع تحليل علمي لظواهر التدين التي مرت بها البشرية عبر العصور المختلفة وصولاً إلى أيامنا هذه.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©