الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قبول الاعتراض

2 يناير 2010 01:32
لم يحدثنا تاريخ المجالس التشريعية المركزية في العالم أن أيا منها اتخذ قرارا بوضع قانون معين ثم نقضه في اليوم التالي. لم يحدث ذلك لا في بلدان الديمقراطيات الراسخة ولا في تلك التي تحاول بناء نوع من الحكم الديمقراطي. لكن ذلك ما حدث في السودان خلال الأسبوع الماضي إذ أقر المجلس الوطني المركزي، وهو برلمان السودان، مشروع قرار بتنظيم عملية استفتاء الجنوبيين لتحديد مصيرهم بالبقاء في السودان الموحد أو الانفصال عنه. وافق المجلس إياه على المشروع المقدم له ولم يبق من إجراءات إلا توقيع رئيس الجمهورية ليتم تطبيق القانون. وكان مشروع القانون المشار إليه قد لاقى اعتراضا من كل القوى السياسية المعارضة الممثلة في المجلس، وعلى رأسها كتلة نواب "الحركة الشعبية" المشاركة في الحكم، بل إن هذه الكتل المعارضة انسحبت من الجلسة تعبيرا عن ذلك الاعتراض. ولما كان اعتراض النواب الجنوبيين التابعين للحركة الشعبية ولغيرها من أحزاب الجنوب على مشروع قرار كهذا يعد خطأ سياسيا وعرفيا، فإن القيادة السياسية العليا لـ"حزب المؤتمر الوطني" رأت أن تتراجع وأشارت على رئيس المجلس وأعضاء كتلتها أن يعاد النظر في أمر هذا القانون مرة أخرى والاستجابة لمطالب نواب الجنوب وغيرهم من المعارضين. وهكذا فقد تقررت إعادة النظر في الأمر وتغيير القانون. ويتلخص الاختلاف حول مواد تتعلق بمن هم الجنوبيين الذين يحق لهم حق الاقتراع في تقرير المصير. وكان رأي "المؤتمر الوطني" في هو أن يكون للجنوبيين المقيمين في الشمال قبل إعلان الاستقلال في أول يناير 1956 حق التصويت من مكان إقامتهم في الشمال. واعترضت الحركة الشعبية على ذلك النص وقالت إن على الجنوبيين المقيمين في الشمال، إن ارادوا التصويت أن يعودوا أولا لمناطقهم الأصلية في الجنوب. وخلاف الشريكين حول هذه النقطة هو أن المؤتمر الوطني يقدر أنه لو أُتيح لأولئك الجنوبيين التصويت، وهم مقيمون في الشمال، فأغلب الظن أنهم سيصوتون للوحدة. في حين أن الحركة الشعبية تري أن ذلك الإجراء غير سليم وأن انتماء هذا النفر للجنوب لن يؤكد إلا بعودتهم إلى مواطنهم الأصلية. ويبدو أن "المؤتمر الوطني" تراجع وقبل وجهة نظر الجنوبيين، وهو ما تأكد في اجتماع المجلس الوطني الذي انعقد وأقر القانون. والملاحظ أن الحزب الحاكم قد استغل أغلبيته في هذا المجلس ليجيز بها مشاريع قوانين ذات طابع قومي هام، وعلى رأس تلك المشاريع قانون الأمن الوطني الذي عارضه الجميع باستثناء نواب "المؤتمر الوطني" الذين أجازوه حتى لم يجد سيلفاكير، رئيس "الحركة الشعبية" والنائب الأول لرئيس الجمهورية، وسيلة لمنع إقراره إلا بتوجيه نداء عبر الصحف يطلب فيه من رئيس الجمهورية عدم التوقيع على ذلك القانون حتى لا يصبح واقعاً. والمجلس الوطني المشار إليه هيئة معينة وليست منتخبة، والواضح أن الحزب الحاكم قرر منذ البداية أن يحتفظ بالأغلبية في هذا المجلس في كل الظروف. وبحسبة بسيطة يتبين لنا أن نواب الحركة الشعبية زائد نواب الكتل الأخرى المعارضة للحزب الحاكم، لو اجتمعوا، فإن كتلة الحزب الحاكم ستفوقهم عدداً، وهو ما يمكن تسميته بالديكتاتورية البرلمانية. إن تراجع وقبول "المؤتمر الوطني" بإعادة النظر في مشروع قانون أقره البرلمان بأغلبية، يعد خطوة لا بأس بها وقد تمكن طرفا الحكم من اجتياز هذه العقبة. لكن الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن عدم الثقة بين الحزبين ما زالت ماثلة، وأن كثيرا من العقبات تنتظر ذلك التحالف الهش والذي يحكم مصير السودان في ظروف بالغة الحرج
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©