الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سد «إيليسو»... هبّة البيئيين والآثاريين

سد «إيليسو»... هبّة البيئيين والآثاريين
29 أغسطس 2009 00:16
في الجزء الجنوبي الشرقي من تركيا، بالقرب من حدودها مع العراق وسوريا، فاز حماة البيئة ومنظمات حقوق الإنسان وعلماء الآثار مؤخراً في معركة ضمن الجهود الرامية إلى تلافي مأساة ثقافية؛ حيث انسحبت شركات سويسرية وألمانية ونمساوية من عقود كانت قد وقعتها مع الحكومة التركية لبناء سد من المرتقب أن تغمر مياهه مدينة قديمة تاريخية وتدمرها، ويضر بالنظام البيئي في أسفل النهر، ويرغم الآلاف على النزوح عن ديارهم. غير أنه من أجل حماية هذه المنطقة بشكل دائم، على منظمة اليونسكو أن تصنفها موقعاً من مواقع التراث العالمي. ويعد سد «إيليسو»، الذي يمثل حجر الزاوية في مشروع كبير لتطوير القدرات المائية والكهربائية لتركيا، الأكبر والأكثر إثارة للجدل من بين الـ22 سداً والـ19 محطة لتوليد الطاقة المرتقب إنشاؤها ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول الذي تبلغ كلفته 32 مليار دولار. وموضوع الجدل بلدة «حصن كيفا»، المنحوتة في المنحدرات الصخرية فوق نهر دجلة، والتي اشتهرت بأنها واحدة من أقدم المستعمرات المستمرة على الأرض، إذ يبلغ عمرها 10000 سنة على الأقل، وعُثر بها على أشياء هذا الصيف يُعتقد أن عمرها يصل إلى 15000 سنة. في منطقة جنوب شرق الأناضول الكردية، احتضنت حصن كيفا تسع حضارات على الأقل، ومن ذلك الأشوريون والرومان والإمبراطورية البيزنطية والمغول والعثمانيون. وإضافة إلى ذلك، تفخر «حصن كيفا»، التي تقع على طريق تجارية مهمة وسط بلاد الرافدين القديمة، باحتضانها لأكثر من 4000 مغارة، و300 معلمة أثرية تعود إلى القرون الوسطى، و83 موقعاً أثرياً مثل الحصن الذي بناه البيزنطيون في 363 ميلادية، إضافة إلى قبور تاريخية ومساجد. لذلك، فإن قيمتها الثقافية والأثرية لا تقدر بثمن. واليوم، تنتشر في المنطقة أكشاك الحرفيين، ويمتطي الأطفال الحمير، وتأوي المغارات عدداً من المطاعم. غير أنه إذا تم بناء سد إيليسو، مثلما هو مخطط له أسفل النهر، فإن معظم حصن كيفا، لا سيما المغارات التاريخية والآثار، ستدفن تحت 400 قدم من الماء. كما ستغطي مياه السد 80 بلدة مجاورة، وسترغم عشرات آلاف العوائل على النزوح عن منازلها، فيما سيصبح ثاني أكبر خزان للماء في تركيا. وإذا كانت الحكومة قد أعلنت أنها ستنقل الناس والمحافظة على بعض آثار وتحف «حصن كيفا»، فإن سكان المنطقة يقولون إن التعويض لا يكفي. وتقول الشركات التي ألغت قروضها البالغة نحو 1.6 مليار دولار في يوليو الماضي، إن تركيا لم تستوف بشكل كافٍ معايير البنك الدولي الخاصة بالبيئة والسكان والثقافة في تخطيطها لسد إيليسو، لكن الحكومة التركية تقول إنها ستمضي قدماً في تنفيذ المشروع في جميع الأحوال. والواقع أن المواضيع معقدة، حيث يصور المؤيدون والمعارضون النقاش على أنه تحدٍ بين الحفاظ على الماضي والتقدم إلى المستقبل، والمحافظة مقابل الطاقة، والمصالح الوطنية مقابل مصالح الأقلية الكردية، والقومية مقابل مصالح البلدان المجاورة. فالحكومة تقول إن السد سيتيح السقي وسيوفر الطاقة للمنطقة، بينما يقول معارضو المشروع إن معظم الطاقة الكهربائية التي ستنتج ستذهب إلى أجزاء أخرى من البلاد. ومما يذكر في هذا السياق أيضاً أن العراق احتج بقوة على اعتزام تركيا بناء سد على نهر دجلة إلى أعلى النهر لأنه سيؤثر أكثر على تدفق الماء عبر الحدود. ثم هناك الدراما الجيو سياسية لانسحاب الشراكات الأوروبية، وهو ما دفع تركيا إلى البحث عن شركاء آخرين مثل الصين وروسيا. غير أن الأمر الواضح الوحيد في هذا النقاش الآخذ في التوسع هو ضرورة الحفاظ على «حصن كيفا»، ذلك أن المدينة مصنفة من قبل «صندوق المعالم العالمية» باعتبارها واحدة من المواقع المئة الأولى المهددة بالاندثار في العالم. كما أن الحكومة التركية نفسها قامت بتصنيف حصن كيفا ضمن قائمة المواقع التاريخية التي تستحق المحافظة عليها، مما دفع الحكومة إلى وقف محاولة سابقة لإقامة سد في المنطقة. غير أنه بعد المعارك التي دارت في الجنوب الشرقي في عقدي الثمانينيات والتسعينيات مع المليشيات الكردية، غيرت أنقرة موقفها واعتمدت فكرة بناء السد. وتأسيساً على ما تقدم، فإنه يتعين على الحكومة التركية مرة أخرى أن تخطو خطوات لحماية هذا الكنز الثقافي لنفسها ولبقية العالم. فالحفاظ على حصن كيفا سيُظهر لسكان المنطقة حسن نية الحكومة؛ وتركيا تستطيع أن تتطور وتتقدم إلى المستقبل من دون أن تفرط في هذه الجوهرة من الماضي. إذا كانت الحكومة التركية ما زالت مصممة على إنشاء سد إيليسو، فيجدر بها على الأقل أن تعدّل الحجم والخصائص حتى يستمر حصن كيفا في الوجود. كما يتعين عليها أيضاً أن تتقدم لـ«اليونسكو» بطلب تصنيف المدينة كموقع من مواقع التراث العالمي. وعبر اتخاذها هذه الخطوات، ستكون الحكومة التركية قد خطت خطوة مهمة على صعيد تكريم تاريخها الخاص والحفاظ عليه. جوان ليدوم آكرمان كاتبة وصحافية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©