الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تغيير أمني سوداني

29 أغسطس 2009 00:17
أصدر الرئيس السوداني قبل أيام معدودات قراراً بإعفاء الفريق أول صلاح الدين عبدالله، رئيس جهاز الأمن والاستخبارات، من منصبه وتعيينه مستشاراً للرئيس لشؤون الأمن. وفي القرار نفسه، صدر أمر بتعيين الفريق محمد العطا مديراً للجهاز. وفي نظام حكم شبه شمولي كالذي نحن فيه، فإن أي تغيير أو تبديل في قمة جهاز الأمن يحمل معاني متعددة ويثير من التكهنات والاستنتاجات ما لا يمكن حصره. والحقيقة أن الخرطوم تعيش الآن فترة من الهمس والتعليقات التي تدور سراً بين الناس ولا تجد طريقها للنشر أو التبادل العلني، فالأمر بالغ الحساسية، وسيف الرقابة بأنواعها مازال مسلطاً. إن السؤال الأول الذي يتبادر للذهن هو: لماذا كان هذا القرار؟ وهل هو في النهاية ترقية للفريق أول صلاح الدين أم هو غير ذلك؟ وقد بادر الفريق أول صلاح الدين في يوم أدائه القسم لتولي منصبه الجديد، فقال إن القرار ترقية له، وأنه كان قد اقترح جمع كل أجهزة الأمن في جهاز واحد، وهذا القرار يجعل ذلك ممكناً بتوليه منصب مستشار الرئيس لشؤون الأمن. ولو صدر هذا التعليق من رئيس الجمهورية أو من ينوب عنه، لكان له معناه، أما وقد جاء من الرجل صاحب الشأن، فإن القبول به يحتاج إلى مراجعة ودليل. ولرئيس الجمهورية عدد من المستشارين الذين تم تعيينهم مع تأليف الحكومة الحالية، لكن قلة منهم، لا يتعدون الواحد أو الاثنين، هم الذين يتردد ذكرهم أو تتحدث الأنباء عن نشاط معروف لهم، والباقون يكونون في عداد من لا ذكر لهم. ونعود لقصة الفريق أول صلاح الدين عبدالله الذي اشتهر بلقب «قـوش»، فنجد أن سجل عمله في جهاز الأمن كان حافلاً بالنشاط، وقد ارتقى كثيراً بإمكانات هذا الجهاز حتى صارت ميزانيته مضاعفة بالنسبة لميزانيات مرافق أخرى كالتعليم أو الصحة أو ما إليهما. ثم إن صلاح تمسك ودافع تنفيذاً لسياسات الحزب الحاكم، ببقاء السلطات الواسعة التي مازالت تحت يد جهاز الأمن، رغم أن ذلك يتعارض مع ما نصت عليه اتفاقية «نيفاشا» وما جاء في دستور السودان المؤقت. ولم تفلح حتى الآن جهود أحزاب المعارضة في تحجيم دور جهاز الأمن وجعله جهازاً لجمع المعلومات فقط وليس للعقاب والحساب. هذا فيما يتعلق بقضايا السودان الداخلية. أما على الصعيد الخارجي، فقد ارتبط اسم الفريق أول صلاح الدين عبدالله بخطوات التقارب مع واشنطن. وكان من أهم ما أعلنته الصحف الغربية قبل سنوات أنه تنفيذاً لسياسة الحكومة، قدم لجهاز المخابرات الأميركية الـ«سي آي إيه» كميات كبيرة من المعلومات السرية التي كانت بيد النظام السوداني حول أنشطة عدد من الجماعات الإسلامية المتشددة التي كانت قد اختارت السودان ملاذاً لها بعد تولي الإسلاميين الحكم، ومن بين هؤلاء أسامة بن لادن الذي أقام في السودان حيناً من الدهر واستثمر فيه أموالاً كثيرة، ثم أبعدته الخرطوم بعد أن اقتنعت بضرر بقائه فيها. ولأن الفريق صلاح الدين ارتبط اسمه بذلك التقارب مع الولايات المتحدة الأميركية، فإن من الأسئلة الحائرة الآن: هل يمكن اعتبار ما حدث له (بافتراض أنه إبعاد من قلب السلطة) مفيداً في الجهود المتواصلة الآن للتقارب مع واشنطن، أملاً في إلغاء العقوبات عن السودان ورفع اسمه من القائمة «السوداء»؟ سؤال ستجيب عنه الأيام. تخرج صلاح الدين في جامعة الخرطوم مهندساً مدنياً عام 1982، وكان من كوادر «الجبهة القومية الإسلامية» النشطين، واحترف العمل الأمني منذ عام 1990 وتدرج فيه إلى أن أصبح رئيساً ومديراً للجهاز عام 2004. ورغم تعدد من تولوا قيادة هذا الجهاز، فإن أبرزهم كان الدكتور نافع علي نافع (مساعد رئيس الجمهورية حالياً) الذي عرف عهده باشتداد البطش وقهر المعارضين وتعذيبهم فيما عرف يوم ذاك ببيوت الأشباح، حيث مات بالتعذيب نفر وجن آخرون، وأُصيب البعض بعاهات دائمة... لهذا فإن عهد الفريق أول صلاح الدين كان أقل سوءاً على كل حال. محجوب عثمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©