الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وتداعيات ارتفاع أسعار النفط

أميركا وتداعيات ارتفاع أسعار النفط
30 يونيو 2008 22:40
كلما ارتفعت أسعار الوقود، كلما انكمشت حياة العاملة ''كاثرين كارفر''، والدليل أنها تخلت عن معظم رحلاتها غير الضرورية السابقة، وأصبحت أكثر ميلاً لقضاء عطــــلات نهايـــة الأسبوع في منزلها، كما تخلت أيضاً عن رحلة تطوعها مرتين شهرياً بالعمــــل في محمية ''ماليبو'' الطبيعية للحيوانات البرية، حيث كانت تقطع المسافة أربع مرات كل شهر جيئة وذهاباً، فتكلفة الوصول من وإلى عملها في ''بالميد'' نفسها أصبحت باهظة، والحال هكذا، فإلى كم يا ترى تصل أسعار الوقود، قبل أن تضطر ''كاثرين'' إلى التقاعد عن عملها؟ ذلك أن رحلة الـ170 ميلاً في الشهر من وإلى العمل تكلفها سلفاً ما يقارب الـ1000 دولار، أي خمس راتبها الشهري، وهذا ما يدعوها إلى التفكير الجدي في التقاعد عن العمل، خاصة وأنها بلغت الخامسة والخمسين من العمر· يجب القول إن اللحظة التي تقرر فيها ''كارفر'' اتخاذ هذه الخطوة أصبحت أكثر قرباً مما يتصوره الكثيرون، فقبل ثلاثة أشهر فحسب، عندما بلغت أسعار النفط حوالي 108 دولارات، تنبأ عدد من محللي ''وول ستريت'' بإمكانية وصولها إلى 200 دولار، إلا أن الكثير من المراقبين سخروا من تلك التنبؤات واصفين إياها إما بالعاطفية أو التعبير عن دوافع شركات الطاقة وغيرها من المستثمرين الآملين في ارتفاع الأسعار إلى ذلك المعدل الخرافي، غير أن الكثير من الخبراء أخذوا تلك التنبؤات على محمل الجد ما أن تجاوزت أسعار النفط حد الـ140 دولار بقليل للبرميل يوم الجمعة الماضي، وبدلاً من السخرية، شرع البعض في التنبؤ بحالة الفوضى العامة التي يمكن أن يفضي إليها وصول سعر البرميل إلى 200 دولار، وشملت تلك التنبؤات تصور التغيرات الكبيرة التي يمكن أن تطرأ على طريقة حياتنا، من بين هؤلاء الخبراء، صرّح ''روبرت ويسكوت'' -رئيس مؤسسة معنية بالتحليل الاقتصادي مقرها في واشنطن- قائلاً: ''فإذا ما وصلت أسعار النفط إلى 200 دولار، فإنها لا شك سوف تحدث تغيرات هائلة في كافة جوانب حياتنا الاقتصادية، بينما يتوقع لبعض الأنشطة أن تتوقف تماماً''، فإلى جانب الآثار السلبيـة الكبيرة التي يحدثها ارتفاع سعــــر البنزين إلى 7 دولارات في محطات التزويد لكافة المركبات في حركة الملاحة البحرية والجوية، فلك أن تتخيل التأثير الذي يحدثه وصول سعر البرميل إلى 200 دولار على أسعار مجموعة واسعة من المنتجات التي يدخل البترول في صناعتها·· أي كل شيء باختصار· وبالنسبة لعامة المواطنين الأميركيين، فإن زيادة كل دولار واحــــد في أسعــــار البنزين تكلفهــــم حوالي مليار دولار سنوياً، وعليه فإن حدوث ارتفاع هائل في أسعـــار الوقود سوف يؤدي إلى حالات إفلاس مالي لا حصر لها، إضافة إلى إغلاق الكثير من الاستثمارات والمحال التجارية، ذلك هو توقع ''سكوت هويت'' -مدير أبحاث اقتصاديات المستهلك، هذا وقد طالت بوادر الأزمة سلفاً أصحاب المطاعم الكبيرة، نتيجة لاتجاه الكثير من زبائنها إلى تقليص إنفاقهم على الوجبات المكلفة، واللجوء إلى بدائل أقل تكلفــــة، وإذا كـــان هذا هـــو حـــــال المطاعــــم الكبيــــرة، فـــإن سلسلـــة مطاعم الوجبات السريعــــة لن تكون بمنجـــاة هي الأخرى من مثـــل هـــذه التأثيرات السلبية على زبائنها، وفي مقدمة الاستثمارات المتضررة بالطبع الشركـــات المنتجة للسيارات، فعلى الأرجح أن يستمر الكساد الذي تعانيه مبيعات السيارات الجديدة والشاحنات الخفيفة، التي انخفضــــت مبيعاتهـــا بأكثر من 18 في المائة في ولاية كاليفورنيا خلال الربع الأول من العام الحالي، قياساً إلى عـــام واحد مضى· وعلى المستوى القومي العام، سوف يرغم ارتفاع سعر البرميل إلى 200 دولار وجالون البنزين إلى 7 دولارات، الأميركيين إلى استبعاد حوالي 10 ملايين سيارة من الطرق العامة خلال السنوات الأربع المقبلة، على حد تقرير ''جيف روبين'' -المحلل الاقتصادي الرئيسي لمجموعات أسواق ''سي آي بي إس'' العالمية- الذي نشر مؤخراً، أما تداعيات هذا الارتفاع على قطاع النقل والمواصلات، فإن المرجح أن تتجه أعداد أكبر من الأميركيين إلى ترك سياراتها واللجوء إلى وسائل النقل العام بدلاً عنها· بل ربما يتعذر على البعض استخدام أي من الوسيلتين، وهذا ما حدث بالفعل في ولاية كاليفورنيا، التي انخفضت فيها حركة المواطنين بنسبة 4 في المائة في شهر أبريل الماضي، مقارنة بنسبة الحركة في الشهر نفسه من عام ،2007 والمشكلة أن تزايد الضغط على الحافلات والقطارات العامة سوف يضعف قدرة نظام النقل العام على تلبية الطلب المتزايد على خدماته، ولك أن تتخيل ما سوف يحدث، فيما لو بلغت أسعار النفط 200 دولار للبرميل في ولاية مثل كاليفورنيا الشمالية، التي تعتمد فيها نسبة تقدر بنحو 87 في المائة من السكان على السيارات الخاصة في حركتهم اليومية، وفقاً لإحصاءات النقل لعام ،2005 قياساً إلى نسبة 63 في المائة من الفئة نفسها في ولاية نيويورك! وبالطبع تمتد التداعيات السلبية نفسها إلى الملاحتين الجوية والبحرية أيضاِ· ستلقي كل هذه التداعيات بسلبياتها المدمرة على النشاط التجاري، دافعة بأسعار جميع السلع والمنتجات إلى أرقام قياسية غير مقدور عليها من غالبية المستهلكين، وعندها سوف يسود الكساد حياتنـــا كلها، وترتفع معدلات البطالة، ويعجز الكثيرون عن توفير أبسط متطلبات حياتهم اليومية، على أن الجانب الوحيد المضيء في هذا: زيادة استثماراتنا هذه الأيام في قطاع الطاقة· مارتن زيمرمان كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©