الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«غناوي بن سيف»..شواهد القبور والعزلة والقهر

«غناوي بن سيف»..شواهد القبور والعزلة والقهر
20 مارس 2015 22:24
إبراهيم الملا (الشارقة) شاهد جمهور الدورة الخامسة والعشرين 25 من أيام الشارقة المسرحية، مساء أمس الأول، على مسرح قصر الثقافة في الشارقة، وفي ثالث أيام المهرجان، عرض «غناوي بن سيف»، لفرقة مسرح دبي الشعبي، والتي قدمت هي الأخرى فرجة شعبية للحضور، وسط إيقاع بصري وسردي، تفاوتت أنساقه الدرامية بين العلوّ والخفوت، وبين الجاذبية والرتابة، وإن كانت السمة الغالبة عليها التمهل والتدرج والبطء، قبل الوصول إلى ذروة العرض وخاتمته. مسرحية «غناوي بن سيف»، عرضت خارج المسابقة الرسمية للمهرجان، وهي من تأليف وإخراج عبدالله صالح، الفنان المخضرم، صاحب المساهمات المتنوعة والمتعددة في المشهد المسرحي المحلي، والذي تولى أيضاً تصميم سينوغرافيا العرض، بينما شارك في الأداء التمثيلي كل من فيصل علي في دور ضاحي بن سيف، والفنانة ريم الفيصل في دور مريم، ودور مجنونة المقابر، إضافة إلى مشاركة الفنانين عبدالله أنور في دور ربّاع، وعادل خميس في دور سمعول، وفؤاد القحطاني في دور الطبيب الهندي، ومعهم عدد من المجاميع التي وظفها المخرج لتحريك سينوغرافيا العرض على هوى التنقلات المشهدية لتفريعات الحكاية وظلالها، المتحقق بعضها في الواقع، والمتخيّل بعضها الآخر في الأحلام والكوابيس. مساحة ضبابية يفتتح العرض على مساحة ضبابية، تشغلها شواهد القبور المتباعدة نوعاً ما، وفي مقدمة الخشبة نرى شخصاً بقرب أحد الشواهد، وكأنه يناجي ويحاور بحزن ذلك الميت الراحل منذ زمن بعيد، ثم نرى مجموعة من الأشخاص وهم يحملون جنازة، ويغسلون الوافد الجديد إلى المقبرة، ويكفنونه ثم يوارونه الثرى، يستعيض المخرج هنا بالدخان الكثيف كمعادل موضوعي للتراب والغبار المتطاير، يقطع المخرج هذا المشهد الجنائزي مباشرة إلى مشهد آخر معاكس تماماً، نرى فيه العروس (مريم) التي تزف إلى غرفة عريسها (ضاحي بن سيف) الذي سرعان ما يتبخّر هذا المشهد الاستعادي من بين يديه، وكأنه يلاحق حلم يقظة جميل بات من الصعب تكراره، خصوصاً مع إصابة (ضاحي) بالجدري، وبقائه وحيداً في (المعزل) المحاذي للمقبرة، نبدأ بعدها في التعرف تدريجياً على مأساة هذا الشخص المنبوذ الذي لم يجد سوى في الشعر الشعبي أو (الغناوي) أنيساً ورفيقاً، يشاركه هذه العزلة الموحشة والمريرة التي أبعدته عن الجميع، وأبعدت الجميع عنه، ونستمع إليه وهو يقول: «أهذي شرى المينون محموم/ لي مبتلي بزاد الآلام/ حلم سرقته بعزّ ها النوم/ صاحي عجب وتسرقني الأحلام». عقدة ذنب ثم يكشف لنا العرض أن سبب هذه المأساة التي يعيشها ضاحي تعود إلى الظلم والانتهاكات الجسيمة التي مارسها والده النوخذة (سيف بن ضاحي) بحق البحارة والفقراء في القرية، وأن ما يعانيه ضاحي هو انتقام إلهي من الأب الراحل، ومن الابن الذي سكت عن هذه الجرائم والمظالم الاجتماعية في فترة صعود سلطة النواخذة والطواويش، بل إن ضاحي ساهم هو الآخر في تعذيب الأهالي، إطاعة لأوامر والده، لتنعكس هذه الآلام على جسده في نهاية الأمر، بل الأكثر من ذلك أنها بدأت تنهش في روحه، كما تقول له زوجته مريم في إحدى مناماته الهاذية. وفي ظل الإحساس بعقدة الذنب، والشعور بالإقصاء ستكون زيارات صديقه الوحيد (ربّاع) هي المخرج والسلوى للتعرف إلى حال الأهالي في القرية الساحلية التي تركها (ضاحي) مجبراً منذ زمن، ووسط هذه الحالة الذهنية والجسدية المضطربة، يوسّع المخرج الفضاءات السردية للعرض من خلال انتقالات بدت حادّة ومفاجئة في المشاهد بين الميلودراما إلى الكوميديا (المشهد الذي جمع سمعول المدمن على الخمر، مع مجنونة المقبرة)، ثم مرة أخرى إلى الميلودراما المبالغ بها في المشاهد الختامية للعرض، عندما يكتشف ضاحي أن الفتاة المجنونة ما هي إلا ابنته من زوجته الراحلة مريم، والتي ادعت الجنون حتى لا ينتقم منها الأهالي، وعلى وقع هذا الخبر يسقط ضاحي ميتاً، لينهي بذلك الفصل الأخير من العذابات المتراكمة، والميراث المرّ للظلم وتبعاته المتناسلة في نسيج المكان، ونسيج العلاقات الإنسانية، في مجتمع مغلق وبسيط، لا يحتمل كل هذا التعسف والهدر للمشاعر الفطرية الصافية والمتخلصة من الجشع والأنانية، وميلهما المفرط لإلحاق الأذى بالآخرين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©