الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصالحة اللبنانيين... في سن مبكرة

مصالحة اللبنانيين... في سن مبكرة
30 أغسطس 2009 00:33
يحلو لبعض اللبنانيين، وبخاصة أولئك الذين يتمتعون بروح السخرية، أن يقتسموا مع غيرهم انطباعات الرحالة الأميركي ويليام تومسون حول بلادهم. فقد أشار هذا الأخير إلى أن أديان لبنان وطوائفه (18 طائفة معترفا بها) يقتسمون بلدا، لكنهم لا يتبادلون الود والمشاعر الأخوية. ففي ما يخص الطوائف الإسلامية، كتب تومسون يقول إن السنة يعتبرون أن الشيعةَ «خرجوا» عن تعاليم الدين، و»كلاهما يكرهان» الدروز، والثلاثة «يبغضون» العلويين. أما بالنسبة للمسيحيين، فإن «الموارنة لا يكنون حبا لأي شخص، وهم بدورهم ممقوتون من قبل الجميع». كما أن الأورثوذوكس الشرقيين «لا يطيقون» الكاثوليك الشرقيين، و»الجميع يمقت اليهود». ليخلص تومسون إلى أنهم «لن يستطيعوا تشكيل شعب واحد... وسيظلون بالتالي ضعفاء وعاجزين عن حكم أنفسهم بأنفسهم وعرضة لتدخلات الأجانب». والواقع أن ملاحظات تومسون تبدو كما لو أنها لمراقب من أيامنا هذه؛ لكنها في الحقيقة تعود إلى عام 1870 حيث دونها الرحالة الأميركي في مؤلَّفه «الأرض والكتاب» الذي روى فيه حكايات أسفاره ورحلاته حين كان مبشراً في بلاد الشام. والواقع أن كسر هذا التوجس والتشكك الدفين والتاريخي ليس بالأمر الهين، لكن منظمة غير حكومية قصدت المدارس اللبنانية ضمن مقاربة تركز على القاعدة الشعبية لتشجيع ثقافة حل المشاكل والتسامح في قاعة الدرس. وهكذا، أطلقت منظمة «Search for common Ground» (البحث عن أرضية مشتركة) مبادرة وطنية لتعليم المدرسين تقنيات ومهارات التوسط وحل الخصومات والنزاعات التي تنشأ بين الأطفال اللبنانيين في القسم الدراسي. وفي هذا الإطار تقول سارة شاومان، مديرة فرع المنظمة في لبنان، «إن الفكرة تتمثل في مأسسة الاستماع للآخر وحل المشاكل بين تلاميذ تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات و14 سنة في المدارس». الأطفال والشبان اللبنانيون يتخاصمون ويتشاجرون حول أمور صبيانية تماما على غرار بقية الشباب عبر العالم؛ غير أن الأفكار النمطية والأحكام الجاهزة، السياسية والدينية، لآبائهم يمكن أن تترك تأثيرها، وخاصة في الأوقات التي يشتد فيها التوتر الداخلي، مما يديم مشاعر التوجس والارتياب الطائفي. ومن هنا انبثقت فكرة المشروع النموذجي الذي تشرف عليه منظمة «البحث عن أرضية مشتركة»، والذي يركز على سبع مدارس، ثلاث خاصة وأربع حكومية، في المدن مثلما في القرى. إحدى هذه المدارس مؤسسة أورثوذوكسية شرقية خاصة تقع في محافظة عكار في شمال لبنان، والمدرسون فيها رهبان. وهناك أيضاً مدرسة أخرى، شيعية في معظمها، تقع في بعلبك بوادي البقاع ويديرها «حزب الله». وقد كان الحزب الذي يدير شبكة واسعة للأعمال والخدمات الاجتماعية في لبنان، والمشهور أكثر بإنجازات جناحه العسكري ضد إسرائيل، حذراً في البداية بشأن إخضاع مدرسيه للتدريب من قبل منظمة أجنبية غير حكومية يوجد مقرها في واشنطن وبروكسل. وفي هذا السياق تقول شاومان: «لقد أخذوا فترة شهر للتفكير في الأمر... لكنهم بعد ذلك، كانوا فرحين جداً بالتجربة لدرجة أنهم أرادوا منا أن ندرب المعلمين في كل مدارسهم، وهم مستعدون لدفع مقابل ذلك أيضا». وينحدر المدربون، من منظمات المجتمع المدني اللبنانية ومن منظمات مرتبطة بمشروع «البحث عن أرضية مشتركة»، من مشارب دينية وسياسية متنوعة على غرار المدارس التي يرسَلون إليها. وقد تم التدريب في قبرص على يد فاليري دوفي، «معلمة السلام» الجنوب أفريقية التي عملت في جنوب أفريقيا في مرحلة ما بعد نظام التمييز العنصري. وفي هذا الإطار، تقول نهى شاهين، وهي مدربة ومعلمة في إحدى مدارس بيروت: «لقد كانت الطريقة التي كنا نتواصل بها مع بعضنا بعضا جيدة جدا»، مضيفة: «كان الأمر صعباً ويمثل تحدياً حقيقياً، لكن ذلك يُظهر أننا جميعاً لدينا هدف مشترك رغم خلفياتنا المختلفة». وفي صباح أحد الأيام مؤخراً، أجرت شاهين وزميلها المدرب طارق أبو زينب تدريباً لثماني معلمات في المدرسة الحكومية في «جون»، وهي بلدة سكانها من الشيعة والمسيحيين تحيط بها أشجار الزيتون على التلال المجاورة لمدينة صيدا الساحلية؛ ويدرس في المدرسة نحو 200 تلميذ تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و13 سنة. جلست النساء -شيعيات ومسيحيات يعكسن التركيبة السكانية للبلدة- إلى مكاتب تلاميذهن. تقول شاهين: «إن الرسم هو أحد طرق التعبير، ويمكن للأطفال أن يستعملوه للتعبير عن السلام أو الحرب»، مضيفة: «إن الفن يساعد على كسر الجليد بين التلاميذ، ويعد أحد الطرق للتخلص من الغضب». ويقوم جزء كبير من التدريب على الحس السليم والأخلاق الحسنة، مثل الاستماع إلى الآخرين وقبول الاختلافات. وحين أخذت المعلمات في التحدث إلى بعضهن بعضا، وقف أبو زينب في مقدمة القسم رافعاً ذراعه. وتدريجيا، أمسكت النساء عن الحديث وانتبهن إليه. ثم قال أبو زينب: «أرأيتن؟ لكي تجعلن الأطفال يتوقفون عن الحديث، قفن وارفعن أيديكن... أما إذا صرختن في الأطفال، فإنكن لن تحصلن على شيء وإنما ستخلقن فقط جواً مشحوناً ومتوتراً». نيكولاس بلانفورد - جنوب لبنان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©